صفحات العالم

أعجوبتان: صمود الأسد وتمسّك روسيا به!


    سركيس نعوم

الحلفاء الأساسيون للرئيس بشار الاسد في لبنان لا يبدون مذعورين من اتجاه الصراع الدموي الدائر في سوريا منذ 15 آذار 2011. فهم يعرفون، ومن متابعتهم اليومية، ان الأسد ليس قادراً على الحسم السريع للثورة، أي على القضاء عليها رغم استعماله حتى الآن كل ما عنده من جيش و”شبّيحة” وعتاد، فضلاً عن الطيران الحربي العمودي والنفاث. لكنهم يعرفون في الوقت نفسه أن الثائرين على الأسد عاجزون عن الانتصار عليه. ويعود عجزهم الى جملة أسباب. أولها، انقسامهم الى ثلاث معارضات. واحدة مقيمة في الخارج، وأخرى مقيمة في الداخل السوري، وثالثة مقيمة في دمشق ومتعاونة مع النظام. وثانيها عدم نجاح “الجيش السوري الحر” في بناء قوة عسكرية موحّدة قادرة  على إلحاق الهزيمة بالاسد ونظامه. فهو لا يزال كتائب متفرقة تعمل كل منها في منطقة أو مدينة أو  قرية. وينقصها الكثير من العتاد ووسائل الاتصال، إذ ان ما يصلها من حلفائها العرب والغربيين، سلاح تستطيع بواسطته الصمود ومنع بشار الاسد من الانتصار عليها، ولكنه لا يوفّر لها امكانات الانتصار عليه الآن. وثالثها دعم روسيا الاسد بالسياسة والسلاح وبوسائل الاتصال وربما بالخبراء. ورابعها، اعتبار ايران الاسلامية سوريا الاسد جزءاً منها، وخسارتها خسارة لها، وانتصارها انتصاراً لها. وانطلاقاً من ذلك فانها لا تتباخل على الاسد بكل ما يحتاج اليه من مال وسلاح وعناصر بشرية أو بالاحرى خبراء رغم الضائقة الشديدة التي اوقعتها بها العقوبات الأميركية والأوروبية بل الدولية عليها. وخامسها، رفض اميركا القيام بعمل عسكري ضد نظام الاسد، وهو الوحيد الذي يسقطه، لأن شعبها يرفض ذلك سواء قبل الانتخابات الرئاسية أو بعدها. اولاً تلافياً لخسائر مهمة بشرياً واقتصادياً. فهو لم ينس بعد خسائر حربي العراق وافغانستان، ولا يريد التورط في حرب جديدة في ظل ازمة اقتصادية عالمية متصاعدة، وأزمة اقتصادية داخلية لا تزال عصية على الانتهاء. وسادسها، رفض روسيا والصين السماح لأميركا  وحلفائها عبر مجلس الأمن بشن حرب عسكرية على سوريا تُسقط نظامها ورئيسها. وسابعها، رفض اميركا دفع الثمن الذي تطلبه روسيا للتخلي عن الاسد لأنه “غالٍ” جداً حتى الآن في رأيها. وهذا الموقف دفع المسؤولين الروس الكبار الى اسماع الأسد واعدائه من العرب كلاماً يطمئنه ويقلقهم من نوع: ان حلفنا مع سوريا الاسد يشابه والى حد بعيد حلف اميركا مع اسرائيل. وثامن الأسباب هو عدم ممانعة اميركا في ظل الوضع المفصّل اعلاه في تجميع “الارهابيين الاسلاميين” في سوريا بل في قضاء الاسد عليهم، الأمر الذي يريح المنطقة منهم وكذلك سوريا الجديدة بعد انهيار النظام الاسدي. اما تاسع الاسباب وآخرها ربما فهو اعتقاد الحلفاء الكبار لسوريا من اللبنانيين ان الموضوع السوري قد يكون بدأ دخول مرحلة التسوية، وخصوصاً بعد اعلان الرئيس “الاخواني” لمصر محمود مرسي مبادرته الرباعية. علماً أنها قد تصبح ثلاثية جراء ابتعاد السعودية عنها، لأن هدفها هو اسقاط بشار ونظامه اياً تكن تكلفة ذلك وخصوصاً مالياً، وقطر معها في ذلك. أما تركيا فان مشكلاتها الداخلية وأبرزها الاكراد والمعارضة الشعبية الداخلية وتململ الجيش بل غضبه، تدفعها الى التخلي عن طموحاتها الكبيرة السابقة والتشارك مع مصر وايران لتسوية الموضوع العربي.

هل اقتناعات حلفاء سوريا واعتقاداتهم المفصلة اعلاه في محلها؟

قد يكون فيها شيء من المبالغة الناجمة عمّا يسميه البعض “التفكير الامنياتي”. لكنها لا تخلو من بعض الامور الجدية وخصوصاً في ما يتعلق بموقف روسيا من الاسد ونظامه. فهذه الدولة الكبرى اليوم والعظمى في معظم القرن الماضي، ستتمسك ببشار اذا لم تحصل على مقابل “حرزان” للتخلي عنه وإن تقلصت الجغرافيا التي تسيطر عليها قواته. والأمر نفسه ستفعله ايران، لأن التقلص يبقي لهما ارضا وجيشاً يقاتلان بهما للحصول على مكاسب استراتيجية. ولن يضرهما اتهامهما بالتقسيم. ففي عام 1976 نصح الاتحاد السوفياتي حلفاء الفلسطينيين واللبنانيين باقامة جمهورية وطنية عاصمتها صيدا. وبذلك كان يحاول الرد على دخول جيش الأسد الأب لبنان من دون موافقته وبضوء اخضر اميركي. ولن يضير هذا الواقع اسرائيل اذ سيريحها من سوريا عقوداً طويلة ستحتاج اليها لاعادة بناء نفسها، هذا اذا نجحت في ذلك. في اختصار يلخص لبناني ظريف ومطلع، الحال بالقول: “عجيبة صمود بشار حتى الآن في وجه حرب كونية عليه. وعجيب صمود روسيا في تأييده”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى