صفحات سوريةغازي دحمان

التسوية المستحيلة في سورية

 

غازي دحمان *

لا يبدو أن إمكانية إنجاز تسوية حقيقية في سورية ممكنة في هذه اللحظة، أو حتى في الأمد القريب. فعدة التسوية، أدواتها وشروطها، غير متوافرة أو متاحة. فقط ذلك ممكن في أحاديث الإعلام والسياسة، حيث يمارس الطرفان حيلهما المشروعة. ميدانياً، لا توجد رغبة موازية، ولا حتى إمكانية لمثل هذه الطروحات التسووية.

وفي الواقع ثمة مناخ تتظلل في فيئه البلاد طارد لإمكانية التسوية السياسية، وغير قابل بعناصره الحالية لإنضاجها. ذاك أن هذه الأخيرة فعل سياسي عقلاني براغماتي يزين الأمور بموازين المصلحة، في حين أن الصراع جرى إخراجه إلى خارج الميدان السياسي وتثميره في الحقل العقائدي الديني. هنا في هذا الحيز يصبح الجهاد فعل إيمان أخروي، وليس صراعاً حول قضايا سياسية «دنيوية» تحتمل المساومة في إطارها. الصراع صار خلاصياً جوهرانياً، لا يحتمل التسوية، بل يتطلب قتالاً حتى آخر قطرة دم للفوز بما هو أخروي.

وقد يوجد على هامش كتلتي الصراع بعض من له رؤى وتطلعات سياسية، لكن هؤلاء لا يلبثون أن يتعرضوا لقضم الكتل المتطرفة.

والحقيقة التي لا يريد أحد في سورية الاعتراف بها، أن المجتمعين السنّي والعلوي يخوضان حرباً تهيأ لها منذ سنوات، أقله منذ صدمة الاحتلال الأميركي العراق، حين بدأت الحرب تعبر عن نفسها بتصريفات مختلفة ومتعددة، حيث بدأ المجتمع السنّي بالانحياز شيئاً فشيئاً للتطرف، وأخذت كتل كثيرة من شبابه تنخرط في المجال الديني في ظل عدم وجود بدائل مدنية. ومن جهة أخرى، فالمجتمع العلوي بدأ يشهد مزيداً من التوتر والانغلاق، كما ازدادت وتيرة التشييع الإيراني في داخله.

عملانياً، كانت ميادين العراق وطرابلس في لبنان، واستجابة «حزب الله» في بيروت لهما، ساحات التعبير عن هذا الصراع المتصاعد، حيث كان الطرفان يمارسان لعبة التصارع وجس النبض بحدود مضبوطة، لكن العين كانت على دمشق التي تحولت سياستها إلى طرف وشريك في هذه الساحات، وهو ما أسس للثورة وزاد من زخمها.

سوسيولوجياً، الحروب لا تنتهي إلى تسويات طالما هناك بيئات اجتماعية تزودها، عن رضى وقناعة، بأدوات وشروط الاستمرار من مقاتلين وأفكار سياسية. لذلك، لم تعد القضية متعلقة ببشار الأسد أو معاذ الخطيب، بل إن هذين ليسا أكثر من عنوانين أهميتهما تنبع من كونهما يستمران في دفع مجموعاتهما صوب الحرب، وذهابهما لن يؤثر كثيراً في المشهد، ذلك أن الحرب ستنتج بدائل لهما، غالباً ما يكونون أشد تطرفاً وجذرية.

ثم إن مسرح القتال لم يعد موحداً، وكذا غرف العمليات وإدارة الصراع. فالطرف المؤيد بات يتعرض لتشظٍ هائل في تكوينه ونسيجه، إذ اخترقته إيران عبر استراتيجيتها في صنع البدائل، كما أن الضرورات الحربية أوجدت مرجعيات وقيادات لا يؤثر الأسد فيها كثيراً، ولن يطول الوقت قبل أن تعلن عن نفسها بوضوح. والاستنقاع المديد ولّد مستويات عدة من التفتت والفوضى، نتجت إما من اختلافات في تقدير الأخطار، أو بسبب اجتهادات ورؤى في إدارة الأزمة.

كل الأطراف غذت هذه الحرب باعتبارها فعلاً يفصل بين الخير والشر، وكل يحدد معايير الخير والشر انطلاقاً من ثقافته. هكذا، فقدت الحالة توصيفها السياسي، ولو أنها بقيت في ذلك الإطار لكان من الممكن إيجاد الكثير من المشتركات ونقاط الالتقاء بين الأطراف. كذلك، ساهم النظام في دفع الأمور صوب هذا المنحى الذي دعمته إيران وأيدته روسيا بفتح الحدث على مصراعيه الأكثري والأقلوي.

فكيف يمكن الوصول إلى تسوية في ظل هذا؟

* كاتب فلسطيني / سوري

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى