صفحات الرأي

لمـاذا تدخلـت فرنسـا فـي مالـي وليـس سوريـا؟

 

سـتـيفـانـي دارك تـايـلـور

بعد أن طلب الرئيس المالي ديونكوندا ترايوري في العاشر من كانون الثاني الماضي المساعدة من فرنسا في التعامل مع ثورة وطنية وإسلامية مسلّحة في شمال البلاد بعد الإستيلاء على بلدة “كونّا” الأساسية، لم تستغرق القوارب الفرنسية أكثر من خمسة أيام لتصل الى الأرض الأفريقية، وتبدأ هجوماً جديداً على ثوّار وطنيين وإسلاميين في الشمال.

زعم الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند صبيحة يوم الأربعاء الماضي أنّ عدداً من الجنود الفرنسيين في مالي سوف “يبدأون بالعودة منذ شهر آذار”. فالانتخابات التي كانت محدّدة في البداية في شهر نيسان، جرى تقديمها لشهر أيار، والآن تأجلّت حتى حزيران. وفي هذه الأثناء، بدأت تردُ أخبار مشادّات جديدة حول مدينة غاوو وفي جبال منطقة كيدال، مع وفود إسلاميين مسلّحين لديهم إديولوجيا عسكرية وأسلحة ومن أصول ليبية، من المراكز المُدُنية الشمالية الى الريف.

وفي حين أنّ فرنسا قامت حتى الآن بعملٍ سريع ونظيف نسبياً لإعادة تموضع العناصر التي وجدت أنها غير مرغوب فيها، بات احتمال انسحاب الجنود في أقل من فترة شهر احتمالاً بعيداً، لا سيّما بسبب عدم فعالية القوات المالية والغرب إفريقية الناشئة التي سعت لإخماد التمرّد.

يبرّر هولاند وحكومته التدخّل الفرنسي من خلال استخدام تلك الكلمات السحرية التي تسمح للحكومات الغربية بفعل أي شيء وكل شيء: أي “القاعدة”. إذ يزعم الفرنسيون أنّ صحراء مالي هُيّئت لتصبح مرتعاً للإرهابيين المحبين للشريعة والمرتبطين بالقاعدة، ولتكون قاعدة [يتم الإنطلاق منها] لترهيب أوروبا في حال لم تتصرّف فرنسا على الفور.

غير أنّ القاعدة في المغرب الإسلامي ليست بالتأكيد مخيفة بقدر ما يقول هولاند. فقد شرح الدكتور دافيد أندرسون من جامعة Warwick، وهو خبير في التاريخ والسياسة الأفريقيين، في رسالة عبر البريد الألكتروني أرسلها الى NOW، شرح بالتفصيل الجماعات الإسلامية والإثنية والقومية المتعدّدة التي كانت تتصارع في المنطقة منذ عام 1994. وأهمية هذه الانقسامات تتخطّى بكثير تأثير القاعدة في المغرب الإسلامي التي، خليّتها في مالي، حسب أندرسون، “ضعيفة، غير منظمّة، ومعروفة باهتمامها في الكسب الإجرامي أكثر من السياسة”. وفي مقابلة له مع تلفزيون الجزيرة في كانون الثاني الماضي، أكّد أنّ “القاعدة ليست هي القضية [المشكلة] في غرب أفريقيا. إنّه هوسنا الغربي”.

هوس غربي آخر؟

إنّه الغنى بالمعادن في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية، أي في مالي— التي وصفها أحد المعلّقين بأنّها “ألدورادو” المعادن- فهي ثالث أكبر منتج للذهب في أفريقيا، وثمة علامات تدلّ على امتلاكها احتياطي كبير من اليورانيوم، والماس، وغيرهما من الأحجار الكريمة. يقول دايفد أندرسون “ما من بلد يقوم بمثل هذا التدخّل دون أن تكون لديه مصالح مكتسبة”. وبعيداً عن المصالح التجارية، يوجد 6000 مواطن فرنسي حالياً في البلد، يهتم لمصيرهم جداً الناخبون الفرنسيون.

ومهما كان سبب تدخّلها، فإنّ فرنسا بتدخّلها هذا تلقي العديد من علاقاتها الديبلوماسية المتقلقلة أصلاً في مزيد من التهلكة. فقطر التي اتُهم عملاؤها بتسليح ثوار إسلاميين في شمال البلاد، عارضت تدخّل فرنسا من خلال تصريحات أدلى بها وزراؤها. ويوم الخميس الماضي، أدان الرئيس المصري محمّد مرسي علناً تدخّل فرنسا، قائلاً إنّه يمكن أن يقود الى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة. وفي أنحاء الأمة [الإسلامية]، تقوم “جبهة النصرة” الإسلامية في سوريا بتـأليب مناصريها ضد التدخّل الفرنسي في مالي، وتعدُ من خلال أشرطة فيديو تُبث على اليوتيوب بدعم “إخوانها المجاهدين” في مالي.

في سوريا، البلد الذي لا يتمتّع بنفس الإمكانية لاستغلال الغرب لمعادنه كما في مالي، تكتسب “جبهة النصرة” التابعة للقاعدة أتباعا لها، يتدفقون من العراق ومن أماكن أخرى مختلفة، عبر الحدود غير المضبوطة من وراء الحرس الملتهين بالحرب التي سيطرت على البلاد منذ قرابة السنتين حتى الآن.  وفي بلدة واحدة على الأقل واقعة في شرق البلد، تُطبّق “جبهة النصرة” مبدأ الشريعة بالقوّة على السكان، حيث تُمنع النساء من ارتداء البنطلون وتُصادر تماثيل عرض الأزياء “المثيرة بشكل واضح” من المتاجر. وبخلاف الإسلاميين في مالي، أهداف “جبهة النصرة” سياسية بامتياز. ونفوذها يزداد يوماً بعد يوم مع استمرار الحرب في سوريا.

إذا كان السياسيون الفرنسيون مهتمين بالفعل باحتمال وجود ملجأ آمن للإرهابيين- أي أفغانستان جديدة إذا أردتم، فعليهم أن يوجّهوا اهتمامهم الى الفوضى المتزايدة في سوريا، والنمو المقلق لـ “جبهة النصرة”، التي تكتسب المزيد من الخبرة في حرب حقيقية مع مرور كل يوم.

وفي توجّهها لمعالجة الحرب في سوريا، كانت فرنسا لتتمتّع بجائزة إضافية تتمثّل بالمساعدة على تحسين وضع أسوأ أزمة إنسانية منذ عقود، حيث بات التمادي في انتهاك حقوق الإنسان، وارتفاع عدد المهجّرين الخبز اليومي للشعب ولم يعد نقل أخباره بالأمر الجديد والمثير.

اليوم بعد أن تدخلّت فرنسا في مالي، يرتفع احتمال تشكّل وجود إسلامي مماثل مستقر ومسيّس في البلد أكثر من قبل، إذا ما أخذنا التدخلاّت الأميركية في العراق وأفغانستان أمثلة على ذلك. وحتى إن تمكنّت فرنسا من سحب جيوشها من البلد خلال شهر، فإنّ تأثيرات إقامتها في مالي سوف تستمر أكثر ممّا قد يرغب سياسيوها. فبالنظر الى ما خسرته فرنسا على المستوى الديبلوماسي، بالإضافة الى عدم التركيز في الأخبار على مصالح لها في الثروة المعدنية لمالي سواء بشكل حقيقي أو محتمل، يبدو من السهل التساؤل عن أهدافها الحقيقية. ومع تراجع الجماعات الإسلامية والقومية الثائرة الى شمال شرق البلاد وهي منطقة وعرة تنتشر فيها المغاور، متوعّدة بقتال طويل، يلاحق شبح هزيمة أميركا الساحقة في أفغانستان أروقة السلطة الفرنسية، ربما أكثر من شبح القاعدة في المغرب الإسلامي.

في نظرة الى المستقبل، ينبغي على الفرنسيين أن يحدّوا من تهنئة أنفسهم على النجاح في إجهاض كارثة إقليمية، وتفادي أن يصبحوا “متورّطين في محاولة إيجاد حلول سياسية”. وإلا سيتحوّل العنوان المتداول “هل هذه أفغانستان فرنسا؟” الى جملة لا تُطرح بصيغة السؤال بعد الآن.

موقع لبنان الآن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى