صفحات العالم

مقالات حول الموقف الروسي من الثورة السورية

 ي انتظار الانقلاب

حسان حيدر

الدقائق الأربعون التي أمضاها أوباما وبوتين في بحث الملف السوري أفضت إلى تثبيت التفويض الأميركي غير المباشر وغير المعلن لروسيا بإيجاد حل للأزمة السورية يحفظ مصالحها ويؤدي في الوقت نفسه إلى التغيير المنشود. لكن خيارات موسكو تبدو محدودة للغاية في ضوء المعطيات القائمة.

فواشنطن ومعها المعارضة السورية والعالم لا تريد أن تقتصر أي خطة لوقف العنف على الشأن الأمني، بل أن تتعداه إلى حل سياسي انتقالي، فيما الروس يرفضون أن يكون التغيير السياسي شرطاً مسبقاً لوقف العنف. لكن بسبب عدم رغبة الأميركيين وعدم قدرتهم على التدخل العسكري لأسباب اقتصادية وانتخابية، وأخرى تتعلق بمخاوف إسرائيل من «الهلال السني» الممتد من تركيا إلى تونس مروراً بغزة، وعدم توافر الغطاء الدولي الشرعي أساساً، ركز أوباما خلال اللقاء على إقناع بوتين بأن من مسؤولية روسيا ابتداع حل يستجيب مطالب الطرفين.

وقد حرص الرئيس الروسي على عدم إظهار قبوله بالتفويض الأميركي لأن ذلك يقوض صدقيته كحليف يعتمد عليه، لكنه استخدم اللقاءات اللاحقة مع قادة أوروبيين مثل البريطاني كامرون والفرنسي هولاند لتسريب ملامح الحل المزمع، وبينها عدم تمسكه ببقاء الأسد.

ويتركز اعتراض روسيا الرئيسي على غياب أي ضمانات بالنسبة إلى مصالحها من جانب القوى البديلة للقيادة السورية الحالية، وشدد بوتين خلال محادثاته على ما يعتبره «فشل» المرحلتين الانتقاليتين في ليبيا ومصر حيث لا يزال العنف والتوتر قائمين ويهددان بالتوسع وإبقاء البلدين ضحية النزاعات الداخلية لفترة طويلة.

كما أن الأسد الذي يرفض في شكل قاطع فكرة التنحي، لكنه يدرك في الوقت نفسه حجم الضغوط التي تتعرض لها روسيا، أوفد مستشارته بثينة شعبان إلى موسكو عشية لقاءات المكسيك لتذكير روسيا بأن مصالحها ستتعرض للخطر إذا هي تخلت عنه، لأن البديل أياً كان لن ينسى مواقفها الداعمة للنظام. ولهذا قال الأميركيون إنهم يعرفون بأن الروس تلقوا تهديدات وإنهم يصدقون ما يقولونه عن أن هدف إرسال سفن حربية إلى سواحل سورية هو الاستعداد لإجلاء رجالهم ومعداتهم في حال وصلت التهديدات إلى مرحلة التنفيذ.

هذه المعطيات تضع موسكو أمام حل وحيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه: الانقلاب العسكري. فتقوم مجموعة من الضباط، بمن فيهم ضباط علويون، بإطاحة الأسد وتشكيل مجلس عسكري يعلن وقفاً شاملاً للعمليات الأمنية ويطلق الموقوفين ويقود مرحلة انتقالية قد تمتد لعامين وتشهد انتخابات برلمانية ووضع دستور جديد، وتنتهي بانتخاب رئيس، ما يمنح موسكو الوقت للتفاوض مع القوى الناشئة في سورية على المصالح الاستراتيجية الروسية.

ويفترض هذا الحل قبول مختلف أطراف المعارضة بدور المجلس العسكري في إنجاز المصالحة الوطنية بعد الفرز الطائفي والمذهبي الذي عمل نظام الأسد على إذكائه، وموافقتها على وقف العمل المسلح، في ضوء تأكيدها أنها حملت السلاح أساساً دفاعاً عن نفسها وأنها تلتزم التعددية وحماية مصالح الأقليات ودورها.

لكن السؤال هو هل ينطلي مثل هذا التدبير الروسي على المعارضة السورية فتقبل به كحل لا يطيح النظام من جذوره؟ الجواب سيكون سلبياً بالتأكيد في ظل الحصار الدولي المطبق على الأسد وتراجع قدرة جيشه على الحسم وامتداد التململ إلى فئات اجتماعية وقفت على «الحياد» حتى الآن، لكن الأميركيين والأتراك وآخرين قد يتكفلون بإقناعها.

الحياة

عبوس الرئيسين

ساطع نور الدين

لم تكن قمة من أيام الحرب الباردة، مع ذلك فقد حرص الصحافيون على تسجيل ملاحظة مفادها ان الرئيسين الاميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين كانا متجهمي الوجه عندما التقيا على هامش مجموعة العشرين في المكسيك امس الاول، وناقشا عددا من القضايا الثنائية والإقليمية ابرزها ايران وسوريا، وأصدرا بيانا مشتركا.. لم يحظ باهتمام خاص.

كان المقصود الإيحاء بأن الرئيسين ما زالا يتحكمان بمصير العالم، وما زال كلامهما يحدد مستقبل دوله وشعوبه، وما زال صدور بيان مشترك عنهما يشكل بحد ذاته حدثا ونقطة تحول في السياسة الدولية.. يشبه تلك البيانات التي كانت تصدر في ذروة الصراع بين الشرق والغرب وتؤدي الى تحول في مساره ووقائعه.

لكن الهالة التي أحيطت بها القمة الاميركية الروسية سرعان ما تبددت، وظهر ان الرئيسين كانا يطويان خلافا شخصيا ثار بالتحديد عندما اتهم الكرملين علنا الادارة الاميركية بتشجيع حركة المعارضة الروسية لإعادة انتخاب بوتين رئيساً، وأدى الى مقاطعة الرئيس الروسي قمة مجموعة الثمانية التي استضافها الرئيس الاميركي في كامب ديفيد الشهر الماضي.

بالطبع لم تكن فقط قمة مصالحة شخصية بين الرجلين، لكن تجهمهما لم يترك الانطباع بأن ثمة حربا باردة توشك على الاندلاع بين البلدين، نتيجة خلافات جوهرية حول قضايا ثنائية أو إقليمية. ما أورده أوباما وبوتين في تصريحيهما وفي بيانهما المشترك يقود الى استنتاج مغاير، لا سيما بالنسبة الى الملفين السوري والإيراني. حيث كانت مساحة الاتفاق المعلن اكبر من مساحة الاختلاف غير الموجود اصلا.

كان اللقاء الذي أحيط بعناصر إثارة مفتعلة، تكذيبا واضحا لكل ما يتردد بين الحين والآخر عن خلاف اميركي روسي حول الملف النووي الايراني، الذي تخشاه موسكو اكثر بكثير مما تخشاه واشنطن التي اضطرت الى مجاملة الإسرائيليين ومسايرة مخاوفهم المصطنعة من ذلك الملف.. أعلن أوباما وبوتين صراحة ان الحل السياسي ما زال ممكنا، وقالا معا ان على ايران ان تزيل مصادر قلق المجتمع الدولي وترد على أسئلته.

وكذا الامر بالنسبة الى الملف السوري، حيث يبدو ان الرئيسين الاميركي والروسي رسخا التفاهم الضمني على ان تغطي موسكو إحجام واشنطن وحلفائها عن التدخل العسكري، أو عن تحدي النفوذ الروسي في سوريا، مقابل ان يتولى الروس إخراج الحل السياسي المنشود الذي يغير النظام ولا يقوض الدولة والجيش.. وهو ما شرع الكرملين على العمل من أجله، بدءا بالرسائل التحذيرية الموجهة الى دمشق وآخرها تحريك الاسطول تحت عنوان حماية قاعدة طرطوس وإجلاء الرعايا الروس من سوريا!

لم تكن القمة بحجم الآمال التي علقت عليها، ولا الأوهام التي أشاعتها صور الرئيسين العابسين.

السفير

روسيا والأزمة السورية

خالد بن نايف الهباس *

يذكر وزير الخارجية الأميركي السابق، هنري كيسنجر، أنه التقى الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد في السبعينات من القرن الماضي وقال له بصريح العبارة: لا تعتقد في يوم من الأيام أن الولايات المتحدة ستسمح للسلاح الروسي بهزيمتها في الشرق الأوسط، وكان رد الرئيس السوري أن قال: زودوني بالسلاح الأميركي وسأتخلى عن السلاح الروسي. ولم تزود واشنطن دمشق بالسلاح الأميركي، ولم يهزم السلاح الروسي النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. ويمكن القول إن الدور الروسي (السوفياتي سابقاً) لم يكن في يوم من الأيام حاسماً في ترجيح توازنات القوة الإقليمية في الشرق الأوسط، كما في الحروب التي خاضتها الدول العربية مع إسرائيل، وأيضاً لم تحل موسكو دون وقوع المكروه في أقرب حلفائها من الدول العربية أو غير العربية عبر سنوات الحرب الباردة وما تلاها، سواءً في يوغوسلافيا أو العراق أو ليبيا…الخ. إلا أن الأمر بدا من الوهلة الأولى مختلفاً في ما يتعلق بالثورة السورية.

على غير عادته أصبح الموقف الروسي من الأزمة السورية مؤثراً لكن في اتجاه مخالف للتوجه العربي السائد، الرامي إلى فرض حل قائم على وقف العنف ونقل السلطة بشكل سلمي يحقق المطالب والتطلعات الشعبية في إحداث تحول ديموقراطي في سورية؛ بل ساهم الدعم الروسي للنظام السوري في إطالة أمد الأزمة، وزيادة تعقيدها وكلفتها البشرية والمادية. وقد لا نكون مبالغين إذا قلنا إن الموقف الروسي أضحى حاضراً في تفاصيل ومراحل تطور الثورة السورية كافة، لا سيما في بعديها المحلي والدولي. فالدعم الروسي الصلب جعل النظام السوري أكثر تعنتاً في وجه مطالب الإصلاح السياسي، بل شجعه على تبني الحل الأمني في محاولة للقضاء على المعارضة والثوار، وهذا بدوره قاد إلى تزايد وتيرة العنف والقتل والدمار، ناهيك عن التقارير التي تشير إلى مساندة روسية عسكرية وفنية للنظام السوري في مواجهة «الجيش السوري الحر»، على رغم نفي وزير الخارجية الروسية اعترافه بأن الأسلحة الروسية التي تصل إلى دمشق سبق الاتفاق عليها ولا تخرج عن دعم القوات الجوية السورية.

أما على المستوى الدولي فإن الفيتو الروسي أعاق حركة مجلس الأمن وقلل من فرص إمكانية الحسم المبكر، وأعطى ثقة أكبر للنظام السوري في التسويف وشراء الوقت إزاء الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي، وآخرها خطة المبعوث المشترك للأمم المتحدة والجامعة العربية، كوفي أنان. ولا نستبعد أن الموقف الروسي ساهم أيضاً في تشجيع الصين على تبني الخط الرافض للضغط على سورية واستبعاد مسألة تغيير النظام، من دون أن يكون هناك طرح مقنع وقابل للتطبيق من قبل الجانبين الروسي والصيني.

نحن ندرك أن سورية هي القلعة الوحيدة المتبقية لروسيا في منطقة الشرق الأوسط، وتكاد تكون القاعدة العسكرية الوحيدة أيضاً، في وقت بدأت موسكو تضيق ذرعاً بتفرد واشنطن بصنع السياسة العالمية ومحاصرة روسيا في عقر دارها في آسيا الوسطى. كما أن الصين هي الأخرى بدأ يتزايد حذرها من إستراتيجية أميركا الجديدة في منطقة الباسيفيك، ما يعني أن الأزمة السورية ما هي سوى انعكاس لوضع دولي في طور التبلور قائم على صراع عالمي على النفوذ بين أميركا وحلفائها من ناحية، وروسيا والصين وحلفائهما من ناحية أخرى. وقد أكدت القمة التي عقدتها أخيراً منظمة شنغهاي للتعاون في بكين، بقيادة روسيا والصين وعضوية دول وسط آسيا، هذه الحقيقة من خلال التزام ثابت حول المواقف المشتركة للبلدين حيال القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك، بما في ذلك رفض التدخل في سورية، ورفض الحلول القسرية للأزمة السورية، حتى السياسية منها. وما دعوة موسكو طهران، المعروفة بمواقفها الداعمة للنظام السوري، للمشاركة في مؤتمر دولي حول سورية، سوى شاهد آخر على الرغبة الروسية في الزج بالأزمة السورية في دهاليز التوازنات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط.

روسيا لا تزال تتحرك في المربع الأول في ما يتعلق باستعادة دورها على الساحة الدولية، وهي لم تستطع حماية محيطها الإستراتيجي في وسط آسيا وشرق أوروبا، بالتالي فهي تحاول تحقيق ما لم تحققه هناك على الأرض السورية، وهي مطالبة بكفارة سياسية عن ما سببته من دمار لسورية والشعب السوري. هي مهددة بخسارة مصالحها في المنطقة العربية لأنها لم تحسن قراءة المشهد السياسي العربي، وما حدث من تغيرات سياسية تراجع بموجبها دور النخب السياسية التقليدية وتزايد دور النخب السياسية الجديدة، في وقت تعاظم دور الرأي العام العربي، وهذا يجعلها بحاجة إلى سياسة خارجية براغماتية تأخذ بالحسبان التفاصيل كافة في السياسة الإقليمية من دون الركون إلى أبجديات الحرب الباردة. ومن المرجح أن تخسر روسيا نفوذها في سورية المستقبل، وهذا يجعل الموقف الروسي من الأزمة السورية، وإن بدا مؤثراً، إلا أنه في النهاية لن يخرج عن الدور المعطل وليس الفاعل، وهذا يتماشى مع الدور التاريخي لموسكو في المنطقة.

* الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية

الحياة

الملا “لافروف”: نكاية في الطهارة..!

فواز العلمي

نكايةً في الطهارة، واصل وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” شطارته خلال الأسبوع الماضي في طهران للمرواغة حول الأزمة السورية وزيادة الطين بلّة للملف النووي الإيراني، ليستحق بجدارة منحه لقب المُلا “لافروف”.

خلال الزيارة التقى المُلا “لافروف” نظيره الإيراني وكبير المفاوضين في الملف النووي، ليقنعهم بجولة حاسمة للمفاوضات بين إيران والقوى الكبرى في موسكو. ونكايةً في الطهارة أضاف “لافروف” أن سورية، التي تدعمها طهران بقوة، هي الحليف الروسي الأكبر في الشرق الأوسط، ولن تقبل موسكو أي تغيير للنظام. واقترح “لافروف” عقد مؤتمر دولي حول سورية يشمل إيران وبعض الدول العربية والمعارضة السورية، فرحبت إيران بالفكرة وأوشكت على منحه لقب المُلا.

منذ ثورتها في عام 1917، نتيجة للانهيار الاقتصادي للنظام الاستبدادي للحكومة، والحكومات الروسية المتعاقبة تفشل في سياستها الخارجية لاعتمادها على مبدأ الوقوف ضد مصالح الشعوب نكايةً في الطهارة.

طيلة 70 عاماً انتهجت الدولة العقائدية مبادئ الاشتراكية لمناهضة اقتصاد السوق وحرية التجارة، واستخدمت كافة أساليب القمع في “حقبة الركود” خلال عهد “ستالين”، واستندت على حكم الحزب الشيوعي الواحد، مما أضعف هياكلها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وانهيارها بعد سقوط جدار “برلين” بحلول 1991.

اليوم فقدت روسيا مكانتها في العالم كقوة عظمى ذات مصداقية لتواجه المطبات

الخطيرة في جهودها الرامية للحصول على وظيفة سوفيتية جديدة في النظام السياسي الدولي واعتماد مبدأ واضح في علاقاتها الاقتصادية العالمية.

بعد انضمام المملكة لمنظمة التجارة العالمية في 11 ديسمبر 2005، استرد فريقنا التفاوضي أنفاسه وجمع قواه وأخذ موقعه في ميدان العولمة استعداداً لبدء التفاوض مع الدول الساعية للانضمام بهدف الحصول منها على المكاسب والفوائد. كانت روسيا إحدى هذه الدول، فشد الفريق السعودي رحاله إلى موسكو في نوفمبر 2008 وبدأ سلسلة من اللقاءات مع نظيره الروسي.

في عصر يوم ممطر، اتصلت الجالية المسلمة في روسيا بالفريق السعودي لتخبره بأن قطاع الأعمال الروسي ينوي إنشاء نواد ليلية ومراقص ترفيهية في العاصمة موسكو تحمل أسماء المدن الإسلامية والصحابة، مما أثار حفيظة الوفد السعودي المفاوض وإصرارهم في اليوم التالي على مطالبة نظرائهم الروس بتوقيع اتفاق المؤشرات الجغرافية التي تحظر عليهم استخدام هذه الأسماء، مقابل تسهيل انضمامهم للمنظمة.

قبل بزوغ فجر اليوم التالي، كانت الخارجية الروسية على علم تام بمطالب فريقنا السعودي، وقدم وزير خارجية روسيا “لافروف” شكوى رسمية يتهمنا فيها بالتعنت لإصرارنا على مطالبنا (المجحفة)، وألحق رئيس الفريق الروسي هذه الشكوى بتهديد موجه لنظيره السعودي يحذره فيه من تصفيته في شوارع موسكو قبل عودته للمملكة!

تاريخ روسيا يحفل بالتصفيات الدموية على كافة الأصعدة. أثناء حكم القيصر “إيفان الرابع” تأسست القوات الخاصة باسم “أوبريتشنينا” نكايةً في الطهارة ولتصفية المعارضة وقمعها أثناء فترة حكمه من عام 1547 إلى 1584.

في السادسة عشرة من عمره تُوِّجَ “إيفان الرابع” قيصراً لروسيا وحاكماً لموسكو خلفاً لوالده “إيفان الثالث”، واستمر في الحكم 37 سنة. كان القيصر الشاب يستخدم قوات “أوبريتشنينا” لقتل الناس والبطش بهم باستخدام طريقته المفضلة في التعذيب، وهي تهشيم الأرجل وإلقاء الضحايا في الثلج لإرغامهم على الزحف لطلب الرحمة منه، فلُقِبَ باسم “إيفان الرهيب”.

نتيجة لصغر سنه وضعف خبرته لجأ “إيفان الرهيب” إلى بعض المستشارين لمساعدته في إدارة شؤون البلاد، فأقنعوه بسياساتهم التوسعية التي كانت تهدف إلى الربط بين بحر البلطيق وبحر قزوين، لتصبح روسيا إمبراطورية مترامية الأطراف. نكايةً في الطهارة قام الجيش الروسي في عام 1552 بمحاصرة قازان وارتكب المجازر الجماعية فيها وتمكن من الاستيلاء على استراخان. كان هدف “إيفان الرهيب” غزو بولندا والسويد وإقامة علاقات مع الدول الأوروبية، ولكنه فشل في هدفه واندحرت جيوشه على أبواب بولندا.

خلال عهده تعامل “إيفان الرهيب” بقسوة مع معارضيه، واشتد الخلاف مع أفراد عائلته وبعض مستشاريه، فارتكب عدة مجازر بحق أكثر المقربين إليه، انتهت بقتل ابنه في عام 1582. قبل وفاته أصبح “إيفان الرهيب” مسكوناً بالشك والارتياب بجميع المحيطين به، مما جعل عوائل روسيا النبيلة تهاجر خوفاً من القمع والتنكيل والاغتصاب والقتل الجماعي للنساء والأطفال. وفي عام 1584 قضى نحبه بعد إصابته بمرض غريب جعل جسمه يتورم وتنبعث منه رائحة كريهة.

نكايةً في الطهارة يستمر مسلسل القرار الروسي في رهانه الخاطئ والمكلف على جميع الأصعدة الدولية.

في مسيرتها الاقتصادية وبسبب الأزمة المالية العالمية، أعلن البنك الدولي أن حجم رؤوس الأموال التي خرجت من روسيا خلال الأشهر الأخيرة لعام 2008 بلغت 50 مليار دولار في الوقت الذي انحسر احتياطي البنك الروسي في الأشهر الأولى لعام 2009 بما يقرب من 100 مليار دولار. وفي عام 2010 فاقت خسائر روسيا في أسواق الأوراق المالية 300 مليار دولار، مما أسفر عن تقليص حجم ثروات روسيا بقيمة 1000 مليار، تساوي 84% من الدخل القومي الروسي، منها 700 مليار دولار فقط خسائر شركات النفط والغاز والطبقة الوسطة من المواطنين.

في مارس الماضي أقرّت وزارة الداخلية الروسية بأنها رصدت عملية تهريب مليارات الدولارات الأميركية إلى خارج البلاد، التي كانت حصيلة عمليات بيع وشراء أسهم الشركات الروسية، التي تمت من خلال شركات مسجلة في مناطق “أوفشور”.

متى تتوقف روسيا والملا “لافروف” عن اتخاذ القرارات الخاطئة نكاية في الطهارة؟

الوطن السعودية

متى تغير روسيا سياستها السورية؟

وحيد عبد المجيد

يعرف وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف أنه ليس سهلاً أن يتوافق السوريون على تنحي بشار الأسد، لأن طوائفهم مختلفة وبعضها قلق أو خائف من البدائل المحتملة، كما أن سياسييهم الداعين إلى التغيير في بلدهم منقسمون. لذلك كان سهلاً أن يقول في مؤتمره الصحفي الذي عقده يوم 9 يونيو الجاري إن بلاده ستدعم، “وهي مسرورة”، تنحي الأسد إذا توافق السوريون على ذلك. فالكلام سهل حين لا يُلزم قائله بموقف محدد. كما أن الحديث المشروط بما يصعب تحقيقه لا يكلف شيئاً.

ولا يعنى ذلك أن لدى لافروف والسياسة الروسية بوجه عام خياراً واحداً هو استمرار الأسد في السلطة وبقاء نظامه دون أي تغيير، أو أنه سيتراجع بالضرورة عما قاله إذا جد ما يدل على أن السوريين يمكن أن يتوافقوا على بديل لا يهدد مصالح موسكو. فالسياسة الروسية التي تضع العراقيل أمام أي تقدم باتجاه ضغوط دولية فاعلة ضد النظام السوري، لا تهوى الأسد لشخصه ولا تحب هذا النظام في ذاته، بل تريد حماية مصالحها التي يضمنها وجودهما. ولذلك يمكن مراجعة هذه السياسة إذا طُرحت صيغة للتغيير في سوريا تحافظ على مصالح روسيا، وتضمن عدم تعرضها للتهديد، وتتيح لها دوراً رئيسياً في ترتيبات هذا التغيير وما يقترن به من نقل للسلطة. فهذا التغيير ليس خطاً أحمر بالنسبة لروسيا. أما ما يمكن اعتباره خطاً أحمر بالفعل فهو ما يمكن استنتاجه من حديث بوتين عن عدم تكرار ما يعتبره “خديعة” أو “خيانة” لبلاده عندما استخدمت دول غربية قراراً لإقامة منطقة حظر جوي (قرار مجلس الأمن رقم 1973) للتدخل عسكرياً من أجل إسقاط نظام القذافي واستبعاد موسكو مما يعتبره “غنائم” تقاسمتها تلك الدول.

لذلك يمكن أن تتجاوب روسيا مع خطة للتغيير في سوريا بطريقة مختلفة تماماً تضمن لها مصالحها. فإذا كان الروس سعداء لقدرة الأسد على الصمود لأكثر من عام في مواجهة احتجاجات تعم بلاده، فهم ليسوا مطمئنين إلى قدرته على إخماد هذه الاحتجاجات واستعادة السيطرة الكاملة، رغم الدعم اللوجستي الواسع الذي يقدمونه لنظامه. ولا يقتصر هذا الدعم على التسليح، بل يشمل تقنيات الاتصال والخبرات الميدانية في مواجهة الاحتجاجات، فضلاً عن المساندة السياسية الكاملة، بدءاً بتبني رواية النظام عن الإرهاب والعصابات المسلحة، وصولاً إلى حمايته في الأمم المتحدة واستخدام حق النقض في مجلس الأمن.

ويعرف بوتين وفريقه أن استمرار نظام الأسد ليس مضموناً وأن استعداد المحتجين لمواصلة التضحيات الكبيرة قد يكون أكبر من قدرة القوات التي تتصدى لهم على إنهاء احتجاجاتهم. ولذلك لن يكون دعم موسكو القوي لهذا النظام هو موقفها النهائي إذا ضمنت مصالحها وتأكدت من عدم إمكان تكرار “الخطأ الليبي”، خصوصاً في ظل المؤشرات التي تتوالى لتدل على أن سياسة شراء الوقت لإخماد الاحتجاجات لم تنجح.

لكن مراجعة موسكو سياستها تتوقف على نجاحها في خلق وضع يجعل أي حل مستحيلاً بدونها ويفرض على الجميع، في المنطقة والعالم، الاعتراف بأن مفتاح مستقبل سوريا يوجد في الكرملين، والإقرار لها بقيادة العملية السياسية التي ستحقق التغيير. فما تريده روسيا في المحصلة هو أن يظل لها موضع قدم استراتيجي في المنطقة انطلاقاً من سوريا، بما يستلزمه ذلك من أن تكون لها الكلمة الفاصلة في رسم معالم الوضع الجديد في هذا البلد، خصوصاً على صعيد سياسته الخارجية.

ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بوجود خطة تنظم عملية نقل السلطة بطريقة لا تؤدي إلى تغيير جوهري في سياسة سوريا الخارجية. ويتطلب ذلك تحديد مواصفات معينة للحل الذي يتم على أساسه نقل السلطة.

ورغم أن هذه المواصفات ليست واضحة بعد، يبدو أن روسيا تفضل منهجاً معيناً للتغيير قد يكون هو السبيل إلى تجنب انتقال السلطة إلى قوى تخافها موسكو ولا ترفض التغيير إلا لخشيتها من أن تكون هذه القوى هي البديل. فهي تعرف ما لا تريده، وهو انتقال السلطة إلى نظام يقوم “الإخوان المسلمون” بدور رئيس فيه ناهيك عن أن يكون إسلامياً، أكثر مما تعلم ما تبغيه على وجه التحديد.

وربما يجوز القول إن روسيا لا يعنيها من يرث الأسد وعائلته وسلطته إذا ضمنت أن “الإخوان” لن يكونوا بين الوارثين. فلا تزال “العقدة الأفغانية” مؤثرة في السياسة الروسية. وهي لا تنسى أن انهيار الاتحاد السوفييتي بدأ بتحالف بين الجهاديين في أفغانستان والولايات المتحدة.

لكن مشكلة روسيا ليست مجرد عقدة تاريخية، لأن صعود الإسلاميين في الشرق الأوسط يعتبر معضلة استراتيجية راهنة بالنسبة إليها، خوفاً من انعكاساته على منطقة القوقاز حيث توجد خمس جمهوريات إسلامية على حدودها، وكذلك على قضية الشيشان التي لا تزال نارها تحت الرماد قابلة للاشتعال في أية لحظة. ويعني ذلك أن أي وجود “للإخوان” والسلفيين في قلب أي نظام جديد في سوريا، يمكن أن يمثل تهديداً لروسيا لا يقتصر على حرمانها من موضع قدم استراتيجي عند “المياه الدافئة”، وقاعدة عسكرية مهمة في طرطوس، بل قد يشمل خطراً على أمنها القومي إقليمياً وداخلياً كذلك.

فالقضية إذن كبيرة بالنسبة لروسيا، لكنها ليست مسألة طائفية أو مذهبية بخلاف ما يبدو أحياناً في الخطاب الرسمي الروسي الذي يحذر من تحول سوريا إلى “دولة سنية”. فهي تعرف أن أغلبية السوريين من أهل السنة، لكنها تقصد البُعد السياسي وليس الشكل الطائفي الذي يحاول نظام الأسد رسمه للإيحاء بأن العلويين سيكونون مهددين في حالة حدوث تغيير وسيتعرضون لما يسميه “انتقاماً سنياً”. فالخطاب الروسي يدخل في إطار ما يطلق عليه بعض الباحثين “الجغرافيا الثقافية”، لكن سياستها تدخل في نطاق “الجغرافيا السياسية” التي حددت توجهات موسكو الخارجية منذ قرون.

لذلك، وتأسيساً على أن روسيا يمكن أن تقبل تغييراً يضمن مصالحها في سوريا، فهي تفضل صيغةً لنقل السلطة وفق نموذج “الحل اليمني” الذي يستبعد الرئيس ويبُقى نظامه معدلاً ويحافظ على سياسته الخارجية بصفة خاصة.

وربما يكون وجود مثل هذه الصيغة في سوريا هو المدخل الوحيد للتغيير الذي تقبله روسيا ويضمن لها مصالحها ويطمئنها إلى أنها لن تفقد الموقع الاستراتيجي الوحيد الذي بقي لها في منطقة الشرق الأوسط.

الاتحاد

الديمقراطية الروسية في سوريا!

حسين شبكشي

محاولة فهم الموقف الروسي بخصوص الثورة السورية وحمايته بكل الوسائل لنظام بشار الأسد مهما كانت التكلفة ومهما بلغت الضغوط الدولية، هي مسألة، كما يصفها الكثيرون، تعدت العرف الدبلوماسي لتصل لمستوى غير مسبوق من الفجاجة والوقاحة على الرغم من وجود الأدلة الدامغة التي تدين الأسد ونظامه على ما ارتكب من جرائم، ومع ذلك، يبقى الموقف الروسي مؤيدا بلا تراخ. النظام السوري تمكن من «بيع» فكرة أن سوريا بلد الطوائف المسالمة، وأنه النظام العلماني الوحيد في المنطقة العربية الذي يتعرض لحملة مسلحة عنيفة وإرهابية من مجاميع أصولية سلفية ترغب في قمع الأقليات وسحب حقوقهم وإلغاء التعايش والتسامح الموجود بين طوائف الشعب، وأكبر فئة مهددة من هذه المسألة هم مجموعة طوائف المسيحيين الذين في مجملهم من الطائفة الأرثوذكسية، التي تعود مرجعيتها إلى الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا.

وفي ترويج نظام بشار الأسد فكرة فزاعة الأصوليين والسلفيين مغزى غير بريء أبدا؛ فبوتين شخصيا الآتي من جهاز الـ«كي جي بي»، أحد أعتى أجهزة المخابرات العالمية إبان الاتحاد السوفياتي، وغيره من قادة المخابرات والعسكر الروس لا يزالون يتذكرون الخسارة المذلة لهم في أفغانستان التي تمت أيضا على يد «مجاهدين» أصوليين وسلفيين، وهي مسألة لقيت قناعة كبيرة من رأس الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا نفسها البطريرك كيريل الأول الذي صرح بوضوح بأن موقف كنيسته هو الرفض التام للتدخل الخارجي في الشأن السوري أو تغيير النظام، وذلك لأجل «حماية» الـ10% من سكان سوريا الذين ينتمون للطائفة المسيحية.

وطبعا يأتي هذا التصريح متناغما تماما مع الرغبة السياسية للكرملين وأجهزته وإدارته وسياسته. والكرملين يستخدم موقف الكنيسة هذا على أنه إحدى أهم وسائل القوة الناعمة للتأثير على الرأي العام العالمي لنيل التفهم لموقف بلاده من الحكم في سوريا. ومن المهم هنا استرجاع التنسيق الكامل الذي حدث بين بوتين وفريقه خلال حملة الانتخابات الرئاسية في روسيا من جهة، والكنيسة الأرثوذكسية الروسية التي أيدته بشكل واضح جدا من جهة أخرى، وذلك في مقابل وعوده وضماناته لها بأن يمول، كحكومة، كل الاحتياجات التطويرية لدور العبادة والمدارس الدينية التابعة للكنيسة.

وهناك إحساس بالرغبة في الثأر والانتقام من هزيمة أفغانستان لا يمكن إنكاره في الخطاب الروسي، واهتمام روسي بالتركيز بشكل أساسي على «الخطر الأصولي» الذي يهدد استقرار النظام والحكم في سوريا، وإغفال الحديث عن المخالفات الإجرامية للنظام نفسه ضد شعبه، واعتبار أن الجرم مشترك، إذا كان ذلك موجودا. ويساعد على تأصيل الموقف الروسي هذا زيارة البطريرك كيريل الأول نفسه إلى دمشق منذ فترة وإحاطته خلال الزيارة بمواطنين مسيحيين عبروا عن «خوفهم» و«ذعرهم» في حال تغيير النظام ومجيء حكم أصولي متطرف يتعرض لحقوقهم ويهدد حياتهم وحرياتهم، وذلك في مشهد معد إعلاميا بشكل واضح من قبل ماكينة الإعلام السورية المتمرسة في مسائل من هذا النوع.

روسيا بموقفها هذا تساهم فعليا في تأجيج الحرب الطائفية بدفاعها عن فريق ضد آخر واعتبار أن الحكم والنظام على حق وغيره على باطل. حكم يمثل 10% من السكان هو ديمقراطي! هل يا ترى من الممكن أن تقبل روسيا أن تحكم بإحدى الأقليات فيها وتعتبر ذلك ديمقراطيا أيضا؟

الشرق الأوسط

فشل لقاء أوباما – بوتين يمدد الانتظار

    روزانا بومنصف

تعزيز خطة أنان برفع المراقبين الى 3 آلاف؟

على رغم ترقب المتابعين للشأن السوري على نحو خاص اللقاء بين الرئيس الاميركي باراك اوباما ونظيره الروسي فلاديمير بوتين في لوس كابوس في المكسيك على هامش اجتماع مجموعة العشرين الصناعية الكبرى من اجل محاولة تبين ملامح المرحلة المقبلة، فان هؤلاء لم تكن لديهم اوهام بان شيئا يمكن ان يطرأ قبل الخريف المقبل. هذا الانطباع لا يزال قائما على رغم تسريع المجازر التي وقعت اخيرا لوتيرة الامور والعمل الدولي من اجل انهاء الوضع ما لم تحصل مجزرة جديدة اخرى بحيث تقلب الاوضاع، وعلى رغم اشتداد وطأة الامور على الارض في سوريا سعيا الى تعزيز المواقع والاوراق قبيل لقاء اوباما بوتين تماما على ما جرى قبل اشهر مع سعي النظام الى اقتحام بابا عمرو في حمص قبيل اجتماع لمجلس الامن الدولي. وقد كان من الصعب بالنسبة الى هؤلاء المتابعين تصور امكان الوصول الى توافق بين اوباما وبوتين فيما كان الغرب يوقف باخرة روسية قرب السواحل البريطانية ترددت معلومات انها تنقل طائرات هيليكوبتر الى النظام السوري قالت روسيا في وقت سابق انها كانت قيد الصيانة. وبدا ان ثمة تشكيكا كبيرا في هذا الكلام باعتبار ان هذا الامر ولو صح، فهناك هامش كبير للتساؤل عن توقيت ارسال هذه الطائرات في الوقت الذي يستخدمها النظام في مواجهته المعارضة ضد حكمه وفي الوقت الذي تنتقد روسيا الدول الغربية لمساعدتها المعارضة بوسائل الاتصالات الحديثة او بالاسلحة وفق ما اتهمت بعض الدول. كما لم يكن متوقعا بالنسبة الى هؤلاء المتابعين ان تقبل روسيا تحت الضغط اظهار مرونة معينة في الموضوع السوري. ذلك انها اعتبرت ووفق ما تفيد بعض المعلومات الديبلوماسية ان تعليق المراقبين عملهم في سوريا منذ يوم الجمعة الماضي كان يستهدفها لجهة محاولة الضغط عليها من اجل ان تضغط بدورها على النظام في حال شاءت انقاذ خطة انان فيما هي اعلنت دعمها له. ولذلك اعتبر احد مندوبيها المساعدين في مجلس الامن ان تعليق المراقبين عملهم كان يفترض ان يبت في مجلس الامن لا ان يوضع امام المجلس كامر واقع. وتفيد المعلومات نفسها ان روسيا شعرت بالضغط في الاونة الاخيرة على وقع تسارع التطورات في سوريا وحصول مجزرتين كبيرتين على الاقل كان لهما الاثر الكبير في تحريك المجتمع الدولي بقوة.  فهذه المعطيات بدت متناقضة الى حد كبير مع ما يشيعه منذ بعض الوقت مسؤولون اوروبيون كبار عن تغيير في الموقف الروسي من سوريا وان التطورات الاخيرة ستؤثر في هذا التغيير، اذ ان هذا الموقف وعلى رغم كل الاخذ والرد حوله يعود ليقف عند حدود ممانعته الموقف الغربي من سوريا والتوافق معه على موقف موحد من النظام الى جانب عدم وضوح ما الذي يمكنه الوصول اليه وما الذي يريد الوصول اليه وباي اثمان.

تقول مصادر ديبلوماسية ان خلاصة ما اعلن من لقاء اوباما وبوتين من ” ان روسيا والصين لم تنضما الى خطة دولية للاطاحة بالرئيس السوري بشار الاسد ” وفق ما قال الرئيس الاميركي تطرح تساؤلات جدية عما ستكون الخطوات التالية في ضوء نقطتين اثنتين وردتا في البيان المشترك : الاولى تتعلق بدعم خطة الموفد المشترك للامم المتحدة والجامعة العربية كوفي انان والثانية تتعلق بدعم التحرك قدما في شان الانتقال السياسي الى نظام سياسي ديموقراطي تعددي. فخطة انان تم نعيها من دول عدة بعد فشلها عمليا في وقف النار واضطرار المراقبين الى تعليق عملهم. فهناك اذا ما يفيد بحتمية العودة الى تعويم هذه الخطة وفق ما ورد في البيان المشترك لاوباما وبوتين باعتبار هذه الخطة العامل المشترك الذي لا يزال يلتقي عليه الجميع في غياب اي توافق على بديل منها او على تسوية اخرى او بديلة للوضع. فالمراقبون العاجزون عن القيام بعملهم مفيدون للدول الغربية في رصد حقيقة ما يجري على الارض وابقاء صلة وصل مع النظام ولو بالحد الادنى من امكان مراقبتهم للوضع. لذلك لم يتحدث احد عن سحبهم وفق ما جرى مع المراقبين العرب قبل اشهر، وقد اعتبر كثر انسحاب هؤلاء او سحبهم خطأ لا يجوز تكراره علما ان لا بديل عن المراقبين الدوليين في الوقت الراهن للتخفيف بعض الشيء من وطأة ما يحدث وترك المجال مفتوحا امام اعتمادهم في اي خطة لانقاذ الوضع متى اتفق على هذه الخطة هذا الشهر او الشهر المقبل او ما بعده. والتأكيد على دعم خطة انان يصب في هذا الاطار. لذلك من غير المستبعد ان يطرح تعزيز هذه الخطة بعناصر اضافية تسمح لها باستعادة بعض الزخم الذي فقدته بعدم تنفيذها حتى الان. وهناك افكار يتم تداولها على هذا الصعيد من خلال الطلب الى مجلس الامن لدى مراجعة الخطة الشهر المقبل او ربما الى المؤتمر الدولي الذي رغب انان في عقده وتبنته موسكو، في حال انعقاده، رفع عدد هؤلاء الى 3 آلاف مراقب وارفاق ذلك بخطة سياسية بحيث يتولى هؤلاء مثلا الاشراف على انتخابات جديدة يشارك فيها الجميع، علما ان هذه الافكار تبقى خاضعة بدورها لامكان موافقة روسيا او عدمها.

الحياة

أوباما وبوتين: الصراع على سوريا

د. رضوان السيد

لا يزال الصراع على سوريا ناشباً بين عدة أطراف، والطرفان المحليان: النظام والثوار. ثم المحور الإيراني لدعم النظام السوري، ويضم إيران والعراق و”حزب الله”. أما المحور الثالث فدولي، ويضم روسيا والصين في مواجهة الولايات المتحدة وأوروبا. ويضع بعض المراقبين المحور العربي (الخليج خصوصاً) في وجه المحور الإيراني.

وقد جرى في الأيام الماضية اجتماعان على علاقةٍ بالصراع على سوريا. أولهما اجتماع الرئيسين الأميركي والروسي على هامش قمة دول العشرين بالمكسيك. وثانيهما اجتماع دول الـ 5+1 مع إيران ووكالة الطاقة الدولية بموسكو. وفي كلا الاجتماعين كان هناك حديثٌ عن “الأزمة السورية”. وثمة مبادرة سلمية عربية تضمنت مراقبين لكنها لم تنجح، ثم انضمّت إليها مبادرةٌ دوليةٌ صادرة عن مجلس الأمن ويرأسها “عنان” الذي تقدم بستّ نقاطٍ أولها وقف العنف وسحب السلاح الثقيل من المدن والبلدات. لكنّ المراقبين الدوليين أعلنوا عن وقف عملهم مؤقتاً بسبب تصاعُد العنف!

والمهم في هذا السياق، أنّ موقف موسكو وبكين خلال عام، هو الذي منع مجلس الأمن من اتخاذ قرارٍ تحت الفصل السابع بحماية المدنيين في سوريا. وقد عمل الغربيون بجدٍ لإقناع موسكو بأن تكون طرفاً مُحايداً ومشاركاً في الحلّ السلمي بدلاً من مساندة النظام السوري. وتحت وطأة الضغوط الغربية تظاهرت موسكو بالاستجابة، وتحدث وزير خارجيتها عن مؤتمرٍ دولي حول سوريا بموسكو تحضره دول الجوار… وتحضره إيران!

وجاء اجتماع أوباما وبوتين بعد طول انتظار، وقد تشاورا في عدة موضوعاتٍ أهمها: الدرع الصاروخية التي تطالب موسكو بإزالتها، والملف النووي الإيراني، والوضع في سوريا. وتدرك موسكو أن موقفها قوي رغم كل شيء في الملف السوري لعدة أسباب: أن النظام لا يزال صامداً رغم تراجع قدراته وسيطرته، وأنّ أحداً لا يستطيع التقدم في الملف السوري بدونها، وأنها لا تمثل النظام السوري فقط بل هي مسؤولةٌ أيضاً عن أمن إسرائيل لوجود مليوني إسرائيلي من أصل روسي في الدولة العبرية.

إنما من جهةٍ أُخرى فإن أوراق موسكو محدودة إذا قورنت بمطالبها، فالأمر مثل قالب الآيس كريم المهدد بالذوبان إن لم يجر أكله. بمعنى أنه إذا تداعى النظام السوري، فالورقة السورية لا تعود لها قيمة! ويصعُبُ من جهةٍ أُخرى أن يستجيب أوباما قبل الانتخابات لمطالب موسكو في الدرع الصاورخية، وتظلُّ موسكو حريصة على نجاح مفاوضات النووي، باعتبارها تجري على أرضها، وأنّ إيران تقع بشكلٍ من الأشكال تحت مظلتها. وإذا كانت موسكو أقرب إلى طهران في الملف السوري، فهي أقرب للغرب في الملف النووي، لكنها هي والصين لا تريدان حرباً على طهران ولا حصاراً لها! ولو عُدْنا للملف السوري لوجدْنا أن بوتين لا يملك حرية الحركة المطلوبة من المتفاوضين. فطهران لا تزال تمون على النظام السوري أكثر من موسكو، والنظام لا يزال يريد إخماد الثورة بالقوة، بينما تبدو موسكو جادةً في قصة الحل السياسي الإصلاحي. وفي روسيا الاتحادية 30 مليون مسلم، وهي تخشى الاضطراب في الأقاليم الإسلامية.

وسط هذه الاعتبارات كلها، التقى الرئيسان الأميركي والروسي بالمكسيك. وما كان الاجتماع حاسماً. فالملف النووي الإيراني شديد التعقيد، وموسكو حريصة على الشراكة مع الولايات المتحدة، وعلى عدم إغضاب إيران في الوقت نفسِه. والدرع الصاروخية لا زحزحة فيها قبل الانتخابات الأميركية على الأقل. فبقي الملف السوري الذي يمكن التحرك فيه وإنْ بشكلٍ محدود. وقد دعمت روسيا مبادرة عنان ولا تزال، كما أنّ الولايات المتحدة ليست بعيدةً عنها، لأنها لا تريد التدخل العسكري في سوريا قبل الانتخابات أيضاً. فالذي يمكن أن يشكّل فارقاً لدى الطرفين هو تنحّي الأسد، وتخفيض العنف، والسير في الخطوات السياسية السالفة الذكر. وموسكو لا مانع لديها في تنحّي الأسد، لكنها تخشى تعنُّت طهران التي لم تستجب للافروف قبل أُسبوع. ومن جهةٍ أخرى فالولايات المتحدة والسعودية على حدٍ سواء ترفضان مشاركة طهران في مؤتمر عن سوريا. وحجة الأميركيين والسعوديين أن طهران ليست من دول الجوار السوري، وأنها تُسهم في العنف ضد الشعب السوري، فلا تتوافر لها الحيادية اللازمة. ومع أن شيئاً رسمياً لم يصدر عن مفاوضات الرئيسين، فالمفهوم أنهما اتفقا على “عدة نقاط”، أهمها تخفيض العنف بعدم إرسال مزيد من السلاح الروسي لسوريا، وحثّ الولايات المتحدة حلفاءَها على عدم الإسراف في دعم الثوار. ويعمل الطرفان، الولايات المتحدة مع المعارضة وروسيا مع النظام، على الذهاب بعد خفض العنف إلى الحوار السياسي. ولأن عقدة الأسد شخصياً باقيةٌ، والمعارضة غير مستعدة لأي تفاوُضٍ بحضوره أو بقائه رئيساً، فإن التوافق لم يكتمل، كما أن الصراع لن يُرجعَ إليه، بل تحدث حالة مهادنة، قد تفيد في الداخل السوري، وفي النووي الإيراني أيضاً، وستبقى الأمور على هذا النحو لعدة أشهُرٍ قادمة!

ذلك الانطباع الذي نشأ لدى المشاركين في قمة العشرين، دفع الرئيس الفرنسي للقول إن الأسد الذي يذبح شعبه لا يجوز أن يكون جزءاً من مستقبل سوريا. ونقل رئيس الوزراء البريطاني عن بوتين قوله إنّ موسكو لا يهمُّها بقاءُ الأسد، بل تريد الحلَّ السياسيَّ ولو بدونه! ثم أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنّ كلنتون ستتشاور مع لافروف في آخر هذا الشهر بشأن الأزمة السورية. بيد أن كل تلك التصريحات ما بدَّدت الانطباع الأول. وحتى لو وافقت روسيا على وضع مبادرة عنان تحت الفصل السابع، فإنّ أحداً لا يرغب في أن تقوم قواتُهُ بالتدخُّل.

لنعُدْ إلى الثورة السورية، فمنذ أُسبوعين وأكثر يشنُ النظام حرب أرضٍ محروقةٍ في سائر أنحاء سوريا وبخاصةٍ في حمص والرستن والقصير وتل كلخ. ويختلف المراقبون في تعليل ذلك. فمنهم من يقول إنّ المعارضة ازدادت قدراتها بل إنّ النظام خشي من التقارب الأميركي الروسي فصمَّم على إنهاء الثورة بهذه الطريقة. وهناك رأيٌ ثالثٌ يقول إنّ كلاً من النظام والمعارضة يريد تثبيت خطوط تماسّ بعد أن انقسمت البلاد إلى مناطق نفوذ لكلٍ منهما. ويريد النظام تهجير حمص وريفها حتى الحدود اللبنانية، لخلق مناطق صافية طائفياً وربطها بالمناطق الشيعية بالهرمل!

وأياً يكن الأمر؛ فالواضح أنّ الأزمة السورية لن تتسبب بمشكلةٍ جديدةٍ بين أميركا وروسيا. ولذا ينبغي الانصراف عن الأمل في تغيُّر الموقف الإيراني وموقف حكومة المالكي. وينبغي أيضاً الاعتماد على الجيش السوري الحر، وقوى المعارضة الأُخرى، ليس بإنشاء المواقع الثابتة كما حدث بحمص، بل بالضربات المتلاحقة في شتى أنحاء البلاد، والتركيز على المراكز العسكرية والأمنية. وإذا تمكنت الثورة خلال زمنٍ قليلٍ من تثبيت المناطق الآمنة وحمايتها؛ فإن النظام سيتداعى ويسقط، سواء اتفق الروس والأميركيون على ذلك أم لم يتفقوا.

الاتحاد

روسيا لن تحطم بيديها نموذجها السوري

غازي دحمان *

المواقف التي طرحها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في مؤتمره الصحافي الشهير، والتي تبنى عبرها رؤية، أو مزاعم النظام السوري للحدث، بل وزاد عليها، تعكس الصورة الحقيقية لمبادرة الحل التي تقترحها روسيا للأزمة عبر ما يسمى «مجموعة الاتصال»، والتي يراد لها أن تضم إضافة إلى بعض القوى الإقليمية والدولية، إيران حليفة النظام العضوية وأكبر داعميه ومموليه بالسلاح والرجال والمال، والمدافعة حتى حدود الاستماتة عن بقائه واستمراره.

التقديرات بهذا الخصوص ذهبت إلى مطارح سياسية يمكن من خلالها تصريف المواقف الروسية بالمنطوق السياسي الذي يحكم سلوك الكيانات السياسية عظيمها وصغيرها، والتي ترتكز على الجدوى السياسية ومبدأ الممكن ودراسة الفرص والمخاطر واللعبة السياسية ومناوراتها، وعليه فقد ذهب الكثير من التفسيرات إلى اعتبار أن روسيا تفتح باب المساومة في المسألة السورية انطلاقاً من قراءتها لمعطيات المشهد السوري الجديدة، وأنها في تشددها المعلن إنما تسعى إلى تقوية أوراقها الإستراتيجية في ملف راهنت عليه كثيراً، وفي ظل اشتراطات تفاوضية صعبة فرضتها عليها كل من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، تكاد أن تفقدها هيبتها ومكانتها.

ويذهب تحليل آخر إلى أن مرد التشدد البادي في الخطاب الروسي، محاولة لطمأنة النظام السوري، وبعض القوى المؤثرة بداخله، إلى مدى مساندتها، وذلك بهدف جر قدم النظام إلى العملية السياسية والتفاوض، وبذلك يمكن إحالة الخطاب السياسي الروسي إلى كونه مجرد إعلان نوايا تجاه النظام، وبخاصة بمضامينه المدافعة عن الأقليات وتبرئته للنظام من كل الجرائم المقترفة.

ولا يخرج عن هذا السياق اشتراط وجود الطرف الإيراني باعتباره شريك النظام وسنده الإقليمي، على اعتبار أن ذلك من شأنه تشكيل شبكة أمان للنظام قد تسهم في تشجيعه على الدخول في العملية السياسية المنتظرة.

تتأتى قوة هذا النمط من التحليل السياسي بارتكازه إلى قاعدة شهيرة في العلاقات الدولية تعتمد تغليب مبدأ حسن النوايا في سلوك الأطراف الدولية المختلفة، وكذا الارتكان إلى عقلانية ومسؤولية السلوك السياسي لدولة عظمى ومسؤولة بحجم ومكانة روسيا، وبالتالي فإن منطق المغامرة والمناورة بمعناها السلبي يصبح غير وارد.

غير أن السلوك الروسي في سياق الأزمة السورية تعرض لامتحانات عدة، ولم تكن النتائج إيجابية، بحيث يظهر أن ما تمارسه الديبلوماسية الروسية يمثل إستراتيجية وليس تكتيكات سياسية، كما بدت واضحة محاولات توظيف الأزمة السورية في سياق صراع المصالح والنفوذ الذي تخوضه موسكو مع الغرب، وتكمن الإشكالية في هذا الإطار في حقيقة أن حزمة المطالب التي ترفعها روسيا في مواجهة منافسيها وخصومها كبيرة تشمل مكانتها الميدانية في منطقة الشرق الأوسط ومكانتها السياسية ونفوذها في مجلس الأمن، وكذلك علاقاتها الثنائية مع الولايات المتحدة، والتي يمكن تحقيقها عبر تنازلات غربية في خصوص «الدرع الصاروخية» التي ترى أنها تفقدها قدرة الردع النووية، وتسعى لإبرام معاهدة شراكة استراتيجية مع الاتحاد الأوروبي تشمل إلغاء تأشيرات الدخول لمواطنيها، وكذلك منحها تسهيلات إضافية في إطار منظمة التجارة الدولية، أو تخفيف الدعم الأخلاقي والسياسي الغربي للحركة الاحتجاجية في روسيا.

وما يرفع منسوب الشكوك في السلوك الروسي في طرحه لفكرة مجموعة الاتصال الإصرار على إشراك الجانب الإيراني، ذي السلوك التخريبي في المنطقة والذي ينسب إليه إسهامه الكبير ويشكل مقصود في تطييف الواقع الاجتماعي في المشرق العربي وتخريب التعايش السلمي في المنطقة وإشعال نار الفتنة بين مكوناته والتي اتخذت من العراق ولبنان مراكز انطلاق لها، وتهديد الخليج العربي عسكرياً بشكل واضح وصريح، وهو ما لا يمكن معه فهم الإصرار الروسي على إشراك إيران إلا أنه إما محاولة لإعادة تأهيل إيران وتبييض صفحتها عبر إظهارها كطرف شريك في حل الأزمات وصنع السلام في المنطقة، أو محاولة لشرعنة تدخلها في شؤون المنطقة عبر موافقة دولية صريحة، بما يضمن إعادة صياغة هذا التدخل في إطار الشرعية الدولية ومقتضياتها.

لا يوجد تحت عباءة الدب الروسي ما يخفيه، إذ أن مقاصد روسيا يفضحها سلوكها اللاأخلاقي تجاه الثورة السورية، والواضح أن الهدف من طرحها مبادرة مجموعة الاتصال، عدا عن كونها محاولة بائسة لإعادة ضخ الحياة في شريان النظام السوري الميت سريرياً سوى من قدرته على القتل، محاكمة العالم عبر سجالات منبرية تهدف إلى إعادة تأهيل المنظومة الأيديولوجية الروسية وتبييض سمعة روسيا التي تلطخت بدماء الأبرياء في أكثر من مكان في العالم، وتغيير الصورة النمطية عن ديموقراطيتها الكاريكاتورية، ومحاولة إثبات أنها ديموقراطية مفيدة للاستقرار العالمي، باستثناء هذه الأهداف الرخيصة، لا تحمل المبادرة الروسية أي إمكانية للحل في سورية، إذ من المستحيل أن تقدم موسكو على حل يفضي إلى إخراج بشار الأسد من حكم سورية نتيجة ثورة شعبية، لا لشيء بقدر كونه يمثل انعكاساً لديموقراطية النخبة الروسية، وهذه قمة المصالح الروسية غير المرئية للعالم.

لا شيء في دمشق يوحي بأن النظام يتهيأ لمرحلة تفاوضية، ولا يبدو أن قنوات الاتصال مع موسكو قد حملت مثل هذه الأخبار. النظام الذي يمارس مهنة القتل المتنقلة لم ينقطع يوماً عن القيام بهذه الوظيفة، فهل بسلوكه هذا يساعد حليفه الروسي في تسهيل مهمته التفاوضية؟ يجب أن لا تغرينا عبارة من هنا أو هناك تخترق الخطاب السياسي الروسي عن الواقعية التفاوضية والسعي إلى التغيير السلمي والانتقال الديموقراطي، فتلك مجرد واجهات لسياسة تميزت بالوضاعة واللاأخلاقية، ولا تعدو أن تكون مجرد فخاخ يتم نصبها للعالم على الأرض السورية.

* كاتب سوري

الحياة

ازدواجية روسية

ساطع نور الدين

روسيا في وضع لا تحسد عليه، موقفها من الأزمة السورية يزداد صعوبة وتعقيدا يوما بعد يوم، الى حد ان الغرب بات يشتبه، او حتى يروج لخلاف او انقسام داخل الكرملين حول سبل وقف الحرب الاهلية في سوريا، من دون إلحاق أضرار بعيدة المدى بالمصالح الروسية في العالم العربي كله.

الحديث مفتعل عن خلاف روسي داخلي حول الأزمة السورية، لكنه لا يخفي حقيقة انه باتت هناك صيغتان مختلفتان تماما لموقف موسكو، واحدة علنية تكرر ثوابت التزم بها الروس منذ آذار الماضي وتشمل الاعتراض الشديد على اي تدخل عسكري، وتدعو الى وقف تمويل وتسليح المعارضة واقناعها بالجلوس حول طاولة حوار ومفاوضات مع النظام، وتحت سقفه، وثانية تتردد في الغرف المغلقة وتعبر عن نظرة اكثر واقعية الى الأزمة وسبل حلها، بينها ما شاع في اليومين الماضيين(ولم ينفه الكرملين) عن ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ابلغ نظيره الاميركي باراك أوباما ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون على هامش قمة العشرين ان روسيا ليست مغرمة بالرئيس بشار الاسد، وهي لا تمانع إطاحته اذا توافر البديل، واذا جاء هذا البديل نتيجة عملية سياسية تفاوضية يتولاها السوريون انفسهم.

ولا تقتصر ازدواجية الموقف الروسي على الحوار مع الغرب، بل امتدت الى الخطاب الموجه الى الروس انفسهم، والبيان المطول والمضحك الذي ألقاه المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية امس الاول خير دليل. قال ان النظام العالمي الجديد يتشكل الان في ضوء الأزمة السورية، وأشار الى ان الأمن الدولي والاقليمي يترسخ في ضوء نتائج تلك الأزمة. ومضى يستعير باتقان شديد مفردات الحرب الباردة.. ليوجه في ختام بيانه نداء الى الرعايا الروس الى مغادرة سوريا وعدم السفر اليها تحت اي ظرف كان.

أما أغرب المواقف الروسية وأشدها تعقيدا، فقد جاء على لسان وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف الذي كان الاكثر تشددا في الدفاع عن النظام السوري، لكنه لاحظ بالأمس وبأسلوب لا يخلو من التحفظ، ان ذلك النظام يؤمن بان الانتخابات النيابية التي أجراها اخيرا تضمن له تمثيل نصف الشعب السوري، وتوفر له شرعية البقاء والسعي الى كسب النصف الاخر باي شكل من الأشكال.

لم تغادر روسيا موقفها المؤيد للنظام والمانع لانهياره، لكن انتقاداتها الحادة لأدائه السياسي والعسكري صارت مسموعة اكثر من ذي قبل.. وهي تتخطى في بعض الاحيان مستوى النقد، لتوحي بان مؤتمر جنيف المقرر في الثلاثين من الشهر الجاري يمكن ان يشكل منعطفا في الازمة السورية التي لم تكن يوما موضع خلاف جذري بين واشنطن وموسكو، لكنها كانت وستبقى عبئا تحاول العاصمتان التخفف منه، باللجوء الى الكذب المتبادل.

السفير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى