سلام الكواكبيصفحات سورية

حرية الصحافة والثورة الحقيقية


سلام الكواكبي

أفرج فصيلٌ من “الثوار” في شمال سوريا عن الصحافي اللبناني المختطف لديهم فداء عيتاني بعد أيام عدة مما سمّوه الاقامة الجبرية. وقد شجب عدد كبيرٌ من السوريين عملية الخطف هذه مبينين أنها وقعت بحق من هو داعم للثورة ونصير لقضاياها العادلة. وأدانوا في المقابل عدم قيام هؤلاء “الثوار” بمتابعة ما سبق لفداء وكتبه بشكل إيجابي عن نضال السوريين من أجل الحرية والكرامة.

للوهلة الأولى، ما قام به المتضامنون إيجابي وفعّال، وانتقاده، لا يمكن أن يُعتبر من البعض إلا فلسفة لا مجال لها في ظروف مماثلة. في المقابل، وبعد انفراج الأزمة وعودة فداء إلى الحرية، من المفيد أن تتم مراجعة هذه الطريقة في الدفاع عن حرية الصحافة التي تعتبر على رأس الحريات التي ينادي السوريون بها منذ اليوم الأول لثورتهم.

فإن كان السوريون قد عانوا من التعتيم المبرمج على أخبارهم ومآسيهم ونضالاتهم، وطالبوا في أكثر من مناسبة بفتح الأبواب أمام الإعلام العربي والعالمي لرصد أحوالهم بشكل صريح بعيداً عن البروباغندا الحكومية، فالحادث الأخير ومبرراته لا تعكس معرفة واضحة بالمصالح الحقيقية للراغبين في التغيير.

بالتأكيد، الخطف وحجز الحريات مُدان وبلا أي بعدٍ طوباوي وثوري. والتبريرات التي “أفتى” بها الخاطفون من أنهم يخضعون فداء للإقامة الجبرية لا تحجب حقيقة نقص وعيهم بمصلحة الثورة الحقيقة والتي هي أولاً وآخراً ثورة على القمع وعلى حجز الحريات وعلى استلاب السلطة وعلى التحكم بمصائر المواطنين واستغلالهم…

وعند الحديث عن الوعي، ينفتح صندوق العجائب الذي يُرينا أبعاداً مختلفة للموضوع ولمعالجته. فممارسات أو تجاوزات بعض “الثوار” محكومة بأبعاد متشابكة يحضر فيها الجغرافي والطبقي والديني والإقليمي. وليس من الغريب حصول بعض التجاوزات هنا وهناك في خضم فوضى عارمة من التبعيات ومن الانتماءات ومن الصدقيات. الأمثلة التاريخية عديدة منذ الثورة الفرنسية وعبورا بالحرب الأهلية الإسبانية وليس انتهاءً بالمقاومة الفرنسية ضد النازية. ولكن هذه القراءة التاريخية للثورات يجب ألاّ تحجر على الوعي في أطرٍ نصائحية معطّرة بتمنيات ودية تتوجه إلى “الفاعلين”.

من المؤكد بأن تهدئة النفوس ومحاولة النأي عن الشحن والتجييش هي من أساسيات السعي إلى حلّ سعيد لحدثٍ من هذه الطبيعة، إلا أنه من الأساسي تسمية الأمور بأسمائها والابتعاد عن المجاملات الثورية. ثقافة القمع والاقصاء مترسخة في المجتمعات العربية بدءاً من النواة العائلية ومروراً بالعمل اليومي وانتهاءً بالثورة. ورشة عمل صعبة تنتظر الجميع في المرحلة الانتقالية لبناء ثقافة مختلفة وترسيخ مفاهيم الحرية.

العقلية التي دفعت بهؤلاء “الثوار” لاحتجاز فداء عيتاني وللتصريح بلغة ركيكة بأن “عمله الصحافي لا ينطوي تحت المعايير والقوانين الدولية للصحافة”، ليست حكراً على أفراد بل هي متجذرة في أوساط ثقافية ثورية وأقل ثورية، ومعارضة وأقل معارضة، وسلطوية وأقل سلطوية. إن العمل على تحريرها كلها هو الثورة الحقيقية.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى