صفحات سوريةمنذر خدام

في نقد سلاح الثورة السورية


منذر خدام

إن انتقال الثورة الى مرحلة الصراع المسلح ضد النظام، في استجابة واضحة لاستراتيجيته، وضعها أمام خيار صعب ومعقّد جداً.

مرّت الثورة السورية منذ انطلاقها في الخامس عشر من آذار 2011 بثلاث مراحل رئيسة متمايزة، بدأت في أولها على شكل تظاهرات سلمية مدنية، ركزت راياتها على الوحدة الوطنية، وعبّرت شعاراتها عن مطالب الشعب المحقة في الحرية والكرامة والديموقراطية. وقد استمرت هذه المرحلة ما يقارب الستة أشهر. في المرحلة الثانية بدأ تزاوج بين التظاهرات السلمية والدفاع عن النفس وحماية المتظاهرين بقوة السلاح. في أواخر هذه المرحلة التي استمرت ما يقارب التسعة أشهر بدأت تظهر الانشقاقات عن الجيش الرسمي لتشكل ما صار يعرف بالجيش الحر.

أما في المرحلة الجارية فإن الصراع المسلح بين قوى النظام العسكرية والأمنية من ناحية، والجيش الحر والمقاتلين المحليين والجهاديين من ناحية ثانية، هو المسيطر على مشهد الثورة، لتتراجع كثيرا التظاهرات السلمية وما يصاحبها من شعارات وطنية جامعة. خلال هذه المرحلة جرى تحول مهم في دور الجيش الحر والمسلحين المحليين فكثرت كتائبه لتغطي كامل جغرافية سوريا ولينتقل من وضعية الدفاع عن النفس وعن المتظاهرين السلميين إلى الهجوم، شعاره الوحيد تقريبا هو إسقاط النظام بالقوة العسكرية.

إن جميع هذه التحولات في مسار الثورة هي تحولات موضوعية فرضتها مجابهة النظام للثورة بالقوة العسكرية والأمنية. غير إن تصاعد العنف المتبادل بين قوى النظام وقوى الثورة المسلحة على الأرض بات يهدد، بصورة لم يسبق لها مثيل خلال المراحل السابقة للثورة، وجود الدولة والوطن، بل الثورة أيضاً.

من الأكيد أن النظام هو المسؤول الأول والرئيس عن كل ما يعانيه شعبنا من ويلات وكوارث، بسبب لجوئه الى العنف المنفلت من أية قيود أخلاقية و سياسية، ضد شعبه الذي طالبه بإصلاحات حقيقية وجذرية تعيد له حريته وكرامته في إطار نظام ديموقراطي تعددي، وإغلاقه تالياً جميع الأبواب في وجه الحلول السياسية كلها. لم يترك للناس خيار سوى حمل السلاح دفاعا عن أنفسهم فتفاقمت ظاهرة العسكرة وانتشار العنف، وصارت النزعة للقتال مع ما يصاحبها من تغيرات نفسية وأخلاقية وسياسية مشحونة بالكراهية تهدد الكيان السياسي السوري في وجوده.

إذا كان عنف النظام هو المسؤول الرئيسي عن كل ما يحصل في سوريا، فهذا لا يعفي قوى الثورة المسلحة من بعض المسؤولية. بداية لا بد من القول إن الذين يحملون السلاح في سوريا اليوم ويستخدمونه تحت رايات الجيش الحر لمحاربة النظام، ليسوا جميعهم من الجيش الحر ولا يستخدمون سلاحهم من أجل الأهداف ذاتها التي يقاتل من أجلها الجيش الحر. المقاتلون اليوم في سوريا أربع فئات. الفئة الأولى تضم الضباط والجنود الذين انشقوا عن جيش النظام، ورغم أنهم لا يخضعون لقواعد التنظيم العسكري المعروفة نظرا الى ظروف عملهم، وليسوا موحدين في بناء هرمي عسكري واحد، إلا أنهم يتميزون بالحرص عند استخدام السلاح، وبوضوح الخيارات السياسية، وأهدافهم واضحة وهي ذاتها أهداف الثورة. تتوسع هذه الفئة من خلال الانشقاقات التي تحصل في أجهزة النظام العسكرية والأمنية.

الفئة الثانية تضم المقاتلين المحليين الذين حملوا السلاح ضد النظام، دفاعا عن أنفسهم وأهلهم وبيوتهم. تعد هذه الفئة الأكبر بين مكونات الجيش الحر، لكنها الأقل تدريبا وانضباطا. عناصر هذه الفئة كانوا حتى حينٍ يشكلون القوام الرئيس للتظاهرات السلمية الداعية للثورة وحاملي راياتها وشعاراتها المعروفة، لكنها تحت وطأة عنف النظام وهمجيته بدأت تمزج بين روح الانتقام منه وهو الذي تسبب بوفاة بعض الأبناء والأهل والأقارب وتدمير البيوت والممتلكات، وبين التمسك بأهداف الثورة.

الفئة الثالثة هي فئة قطاع الطرق واللصوص الذين يستغلون الظروف لمزيد من النشاطات الإجرامية من خطف مأجور، أو قتل مأجور لحساب من يدفع، وسرقات ونهب وغيرها. تتكون هذه الفئة في غالبيتها من المجرمين القضائيين الذين أفرج النظام عنهم، ومن بعض ضعاف النفوس الذين يطمحون إلى الثراء السريع، أو حتى الانتقام ، ولا يتورعون عن ارتكاب أفظع الجرائم في سبيل تحقيق غاياتهم، وهم لا علاقة لهم بالثورة ولا بأهدافها السياسية، بل يشكلون عبئا ثقيلا عليها.

الفئة الرابعة تضم الجهاديين المحليين أو القادمين من الدول العربية والإسلامية. تتميز هذه الفئة بتناقض خياراتها السياسية ووضوحها في الوقت ذاته. فالمقاتلون المنظمون ضمن وحدات قتالية تابعة للإخوان المسلمين تعلن تمسكها بأهداف الثورة وهي تنسق في كثير من الحالات مع الوحدات القتالية للفئة الأولى، لكنها تظهر أيضا روحا انتقامية واضحة ضد النظام للكارثة التي تسبب بها لها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي. أما المقاتلون الوافدون من الخارج فهم إما من تنظيمات “القاعدة” ويرفعون الرايات السود فوق تشكيلاتهم، أو ينتمون إلى جبهة النصرة أو غيرها من التنظيمات الإرهابية المعروفة. إن نشاط هذه المجموعات ضار بالثورة، ويقدم خدمات سياسية للنظام، خصوصا عندما تقوم بتفجيرات تقتل فيها المدنيين.

إن جميع هذه الفئات التي تحمل السلاح تنشط تحت عنوان الجيش الحر بصورة رئيسة، مستغلة اسمه كذراع عسكري للثورة لتنفيذ ما تسعى إليه. واخطر هذه الفئات هي الفئة التي تضم قطاع الطرق، وكذلك فئة المقاتلين المنتمين إلى جماعات إرهابية معروفة وموصوفة. فهم يشكلون عبئا عليها ويخدمون النظام بصورة مباشرة أو موضوعية.

إن انتقال الثورة إلى مرحلة الصراع المسلح ضد النظام، في استجابة واضحة لاستراتيجيته، وضعها أمام خيار صعب ومعقد جدا. ففي لعبة السلاح المزدوجة تم إيجاد كل الظروف الملائمة لحصول تشوهات كثيرة في مسار الثورة سواء نتيجة دخول كثيرين لا علاقة لهم بها ولا بأهدافها، أو تدخل قوى دولية عديدة دفاعاً عن مصالحها الخاصة. ولذلك ومن أجل أن يكون السلاح في خدمة الثورة ينبغي على قيادة الجيش الحر عزل جميع المقاتلين الذين لا علاقة لهم بالثورة وأهدافها، وينبغي دون إبطاء توحيد فصائل الجيش الحر والمسلحين المحليين في هيكل تنظيمي واحد وتحت قيادة عسكرية واحدة، وتحديد العقيدة القتالية له وضبط استخدام السلاح وتحديد مهماته في إطار إستراتيجية واضحة تحمي الثورة وأهدافها، وبما يراعي حقوق الإنسان والقانون.

وبالتزامن مع ذلك، وحتى بغض النظر عنه، ينبغي العمل سريعاً على عودة التظاهرات إلى الشوارع ولو أخذت الطابع الرمزي وذلك للتأكيد على أن الثورة هي من حيث الأساس والجوهر ثورة سلمية، ويمكن الجيش الحر في هذه الحالة وحيثما كان ضروريا تأمين حمايتها.

معارض سوري

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى