صفحات العالم

سورية لن تسير على خطى كوريا


ياسر ابوهلاله

أصيب “اليسار” العربي بحال من البكم بعد وفاة الرفيق الراحل كيم يونغ-إيل الذي ورث حكم البلاد عن والده وورثه لولده كيم يونغ-أون. العذر الوحيد لهم هو صدمتهم التي أعيتهم عن الكلام. والمأمول أن يتمكنوا بمرور الوقت من التعبير عن وفائهم لهذا القائد البطل الذي كان من آخر إنجازاته الوقوف مع نظام بشار في تصويت الجمعية العمومية للأمم المتحدة حول انتهاكات النظام السوري.

من حق الجمهور أن يعرف رأي أولئك بالتجربة الكورية التي كانت سورية ستصل إليها لولا الثورة التي قدمت أكثر من خمسة آلاف شهيد إلى اليوم. كنا سنشهد ذات السيناريو الكوري؛ تسليم الحفيد حافظ السلطة وإلى جواره عمه، لأنه الوحيد الأمين على مبادئ حزب البعث في الوحدة والحرية والاشتراكية. وآل الأسد كآل يونغ، تدين لهم البشرية بما تحقق من تقدم ونهوض. ولا ينكر ذلك غير الخونة والعملاء.

حقيقة البشرية مدينة للشعب السوري بخاصة وللربيع العربي بعامة في تقديم أرقى النماذج في الثورة السلمية والتخليص من أشباه البشر الذين يضعون أنفسهم في عداد الآلهة. ومع الفارق بين التجربتين الاشتراكيتين في سورية وكورية، إلا أن ثمة مشتركا بينهما يتمثل في الحكم العائلي وعبادة الزعيم.

ومع أن الاشتراكية واحدة من النظريات الإنسانية المهمة التي تتوق إلى تحقيق العدالة، إلا أنها تحولت إلى مسخ كاريكاتوري بفعل الأنظمة الشمولية. وبدلا من أن تكون برامج واقعية مجسدة على الأرض، تحولت إلى شعارات تغطي البؤس والفساد والتحلل (بحسب منظمة الشفافية الدولية تتقاسم كوريا الشمالية والصومال المرتبة الأولى في الفساد) وكوريا هي النموذج الأكثر بشاعة. فالبلاد تشهد مجاعات مروعة قضى فيها أكثر من مليون إنسان، والنظام في شغل عن ذلك يبني جيشا وترسانة نووية ومعابد (حقيقة معابد!) يركع فيها ويطاف، يوميا، لتمثال الجد المؤسس كيم إيل سونغ.

مقابل التجربة الكورية الشمالية التي ينظر إليها العالم بقلق من نظامها وحزن على شعبها، تنهض تجربة كوريا الجنوبية باعتبارها قصة نجاح اكتسحت العالم. فالنظام التعليمي الكوري الجنوبي فريد في إنتاج جيل مبدع في التقنية. واليوم، تعتبر البلاد الأكثر تطورا في إنتاج الهواتف النقالة، والكوري يغير هاتفه كل نصف عام، وتجد جوالات سامسونج تنافس الـ”آي فون” في تطورها.

سيقال ثقافة الاستهلاك والسوق وغير ذلك من رطانة يسارية، لكن لا يمكن المقارنة بين نظام يوفر لشعبه كل إمكانات التعليم والتقدم والرفاه من هاتف السامسونج إلى سيارة الهونداي، وبين نظام يحرم شعبه من كل شيء حتى من الغذاء، وفي المقابل يدرس أفراد العائلة المالكة ومنهم الرئيس الجديد في سويسرا. ومن أطرف ما سجل على مدى جاذبية النظام، محاولة النجل الأكبر الهرب إلى اليابان، وتذرع بعد القبض عليه أنه كان يريد زيارة مدينة والت ديزني. وقد كلفته تلك المغامرة عرش كوريا الشمالية.

من يشاهد مئات الآلاف تحت الثلوج في جنازة الزعيم الكوري يندبون الزعيم الراحل، يفهم مظاهرات الولاء “المليونية” في سورية، ويجيب عن سؤال: لماذا صمد الشعب السوري في المواجهة الدموية مع النظام؟ إنه باختصار لا يريد أن يكرر مشهد الجنازة الكورية.

الغد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى