صفحات الحوار

برهان غليون: المبادرات الفردية لا تفيد… وتحالف عربي ـ تركي هو الأمل الوحيد للجم الطغيان الإيراني في سوريا والمنطقة

 

إسماعيل جمال

إسطنبول ـ «القدس العربي» شدد برهان غليون، القيادي البارز في الائتلاف السوري المعارض، على أن حلفا عربيا مع تركيا هو الأمل الوحيد في لجم الطغيان الإيراني في سوريا والمنطقة بشكل عام، وبالتالي الوصول لحل للقضية السورية، مؤكدا على أن المبادرات الفردية التي تطلق بشكل مستمر لا تفيد ولن توصل إلى حل.

وتزايدت التكهنات في الآونة الأخيرة، حول إمكانية إقامة حلف عربي ـ تركي، على خلفية التقارب اللافت بين ملك السعودية الجديد سلمان بن عبد العزيز والذي توج بزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة، وسط أنباء عن اتفاق مبدئي بين تركيا والمملكة للتحضير لعمل عسكري في سوريا خلال الأشهر المقبلة.

غليون وفي مقابلة خاصة مع «القدس العربي» تطرق إلى العديد من الملفات الشائكة من جهود الحل السلمي في سوريا وخطة دي ميستورا واجتماعات موسكو والقاهرة، بالإضافة إلى التطورات الميدانية في سوريا والعملية التركية الأخيرة في حلب ونقل جثمان سليمان شاه، وانعكاس التقارب التركي السعودي على القضية السورية وفيما يلي نص المقابلة:

■ برأيكم هل ما زال هناك أفق للتوصل إلى تسوية سياسية بين المعارضة والنظام السوري؟

□ ليس هناك بعد أي أفق. حتى تكون هناك مفاوضات وحل وسط ينبغي أن يكون هناك طرفان قابلان بمبدأ الحل السياسي. والحال ان النظام لم يوفر مناسبة ولم يستخدمها ليؤكد أنه لا يقبل بأقل من هزيمة المعارضة التي يسميها إرهابا ويطالب المجتمع الدولي بمعاملتها معاملة الإرهابيين. وهو يستخدم الحديث عن الحل السياسي من باب المناورة ليغطي في كل مرة على تصعيد جديد في القصف الاعمى على المدن والأحياء وقتل المدنيين.

وبينما صرح الأسد للإعلام أنه يقبل الحوار مع دي ميستورا استدعى قوات جديدة من الميليشيات الأجنبية من إيران والعراق ولبنان لما يعتقد أنه معركة الحسم في حوران وحلب. لكنه مني بخسائر كبيرة، كما يستحق. ومع ذلك، لن تدفعه إلى التسوية إلا هزيمة ساحقة. وهو في الواقع ليس نظاما سياسيا وإنما نظام احتلال أجنبي، ولو كان داخليا.

■ بعد سنوات من المبادرات، هل ما زال هناك أمل بمبدأ العملية السلمية بشكل عام؟

□ في رأيكم هناك حل لأي نزاع من دون عملية سياسية في النهاية. وفي سوريا لن يعرف الشعب السلام والهدوء من دون عملية سياسية تعيد التفاهم بين القوى والاطراف المتصارعة، لكن ليس مع الأٍسد وطغمته التي تتعارض مصالحها مع أي تفاهـــــم وطنـــي، والتي لم تستمر في الحكم ولا يمكن أن تستـــمر من دون زرع الانقسام والحرب داخل صفوف الشعب.

في سوريا أغلبية اجتماعية مع التغيير، أي مع تحقيق مبادئ الثورة في الكرامة والحرية، لا يمكن لأحد أن يشكك في ذلك. وفيها أقلية خائفة من التغيير لأنه يهدد بعض مصالحها. هنا ينبغي أن نجتهد لانجاح عملية سياسية، بين أبناء المجتمع السوري نفسه، لا مع نظام القتل والجريمة الذي أصبح يدافع عن بقاء عناصره المهددين بالمثول أمام العدالة وبالقصاص العادل لقاء ما اقترفوه من جرائم يندى لها جبين البشرية.

■ إلى أين وصلت جهود ومساعي دي ميستورا، وهل يمكن أن نشهد تطورات خلال الفترة المقبلة؟

□ لا يزال دي ميستورا يأمل بالتوصل على الأقل إلى هدنة هنا أو هناك ليبرر مهمته. لكنه ارتكب كثيرا من الأخطاء التي تجعل مهمته أصعب من قبل. أمله الوحيد هو أن يركب على سياسة الهدن والمصالحات التي يفرضها النظام بعد حصار التجويع لسنوات ليقول أنه حقق انجازا. وهو في الواقع ينتظر انتصارات للنظــام حتى يستغل ضعف المعارضة المسلحة.

لا ينبغي تعليق أي أمل عليه ليس في التوصل إلى حل سياسي للصراع فحسب، وهو نفسه يستبعده، وإنما حتى لتخفيف المعاناة والعنف عن المدنيين. النظام الدموي الذي لم يرد على الامم المتحدة وقرارات مجلس الامن التي تطالب بوقف القصف بالبراميل وفك حصار المدن، لن يرد على دي ميستورا إلا عندما يستجيب موقفه لمصالحه وتكتيكاته على الأرض.

■ المساعي الأخيرة التي شهدتها القاهرة وموسكو، هل تعدت الضجيج الإعلامي والتقاط الصور؟

□ في الصراع الاستراتيجي الطويل على السيطرة على سوريا ومن ورائها على المشرق العربي بأكمله، كل الدول تريد أن يكون لها موقع ودور، وأن لا تكون مغيبة وبعيدة عن الحدث. وبعضها يحلم بأن يكون لديه أداة مهما كانت محدودة التأثير ليستخدمها وقت الحاجة ليزيد من قدرته على تحقيق بعض المصالح والنفوذ. موسكو والقاهرة يعملان على هذا الخط. وهذا حقهما. مشكلتهما أنهما يريدان الحصول على دور أو الاحتفاظ بمصالح ودور كبير من دون أن يعيرا أي أهمية لمصير الشعب السوري. يريدان فقط انتزاع جزء من المعارضة التي تستطيع أن تسوق تسوية تحفظ لهما مصالحهما. أما مطالب الشعب السوري ومصالحه في هذا الصراع فليس لها اعتبار. وهنا تكمن المشكلة وعامل الفشل في مسعاهما.

■ جرى الحديث مؤخرا عن مبادرة لرياض سيف، هل يمكن أن يتنباها الائتلاف ويتم البناء عليها؟

□ هذه ليست أول مبادرة تطلقها شخصية معروفة في المعارضة. وللأسف هناك من المبادرات الفردية أكثر مما هناك من أطراف مستعدة حتى لقراءتها. المبادرات الشخصية في مواجهة متعددة الأبعاد الوطنية والإقليمية والدولية لا يمكن أن تكون ذات وزن، كما بينت السنوات الماضية. والمبادرة ليست مسألة تصور ومنطق ومخيلة واسعة. حتى يكون لها معنى ونصيب من الحظ في التحقق تحتاج إلى توافق بين مجموعة أكبر من الأطراف الفاعلة، وفي الوقت نفسه أن تكون الشروط قد نضجت لدى الأطراف المتصارعة لتقبلها أو النظر فيها. ثم ينبغي أن نعرف، قبل ذلك، ما هو الهدف من المبادرة، هل هي لتوحيد المعارضة؟ أم لإيجاد حل للصراع في سوريا بين المعارضة والنظام القاتل؟ أم لمواجهة مسألة احتلال إيران بميليشياتها الطائفية المتعددة الجنسيات للبلاد وإجبارها على الخروج من سوريا والاعتراف بحق الشعب السوري في تقرير مصيره؟ بالنسبة للمعارضة اعتقد أن هناك محاولات جارية من دون ضجيح على إعادة لم أطراف المعارضة حول وثائق مؤتمر المعارضة الأول في القاهرة عام 2012، وثيقة العهد الوطني ووثيقة الرؤية السياسية. أما بالنسبة لحل الصراع بين الشعب والنظام فجميع أطراف المعارضة المعتدلة والأقل اعتدالا تتمسك ببيان جنيف كمرجعية لأي مفاوضات مقبلة، وجوهرها تشكيل هيئة انتقالية كاملة الصلاحيات. أما في ما يتعلق بالاحتلال الايراني الذي أصبح النظام أحد أدواته فحسب، فهو يحتاج إلى موقف دولي يستند إلى ميثاق الامم المتحد واحترام سيادة الدول وحق تقرير المصير. وليس هناك تسوية محتملة فيه.

■ كيف يمكن للائتلاف استغلال النجاحات العسكرية الأخيرة في الميدان للوصول لعملية سياسية من منطلق القوة؟

□ الحل السياسي مجمد لأن أفق الحسم العسكري غير واضح حتى الآن، ولأن الصراع لم يعد يقتصر على قوى سورية ولم تعد رهاناته الرئيسية حتى رهانات سورية. نحن أمام صراع إقليمي ودولي في الوقت نفسه. وحتى لو نجحنا نحن السوريين في التوصل إلى تفاهم، من وراء ظهر الأسد، لن يسمح الايرانيون الذين استثمروا في النظام القائم وفي الحرب لأربع سنوات متتالية، وكانوا يراهنون على إلحاق سورية كليا بايران، بذلك. وهم لا يريدون من سورية أقل من أن تكون محافظة إيرانية.

■ هل ترون أملا بزيارة أردوغان للسعودية واحتمال الوصول لقرارات تدعم المعارضة السورية سياسيا وميدانيا؟

□ بالتأكيد. من أشهر طويلة ونحن نؤكد أنه لا توجد إمكانية للتخفيف عن السوريين ومواجهة الضبع الإيراني المتعطش للتوسع والدماء وميليشياته متعددة الجنسيات من دون تكوين محور عربي تركي يضع حدا للتفرد الإيراني بالقوة وتحطيم توازنات الاقليم وإخضاعه لابتزاز دائم. غياب التفاهم والتنسيق بين القطب العربي وتركيا هو السبب الرئيسي في تشجيع طهران على تجاوز كل حدود المنطق والحق والقانون والجوار واستمرار الحرب المدمرة في سوريا والعراق، وتفجر قنبلة التطرف الارهابي في المنطقة بأكملها. لكن سيكون الانتصار أكيدا لو دخلت مصر في هذا المحور أيضا. هذا هو الأمل الوحيد في لجم طغاة طهران الذين مكنوا الأسد وأعطوه كل ما يلزم لذبح الشعب السوري وتشريده وتدمير مدنه وقراه.

■ السيطرة على أشمة السورية واتفاق تدريب المعارضة بين تركيا وواشنطن، هل يمكن أن يؤسسا للمنطقة العازلة؟

□ يبدو لي أن واشنطن لا تزال بعيدة عن القبول بمنطقة عازلة في سوريا. لا تزال الإدارة الأمريكية من دون سياسة في سورية، أي الاستسلام للأمر الواقع، في انتظار التوقيع على الاتفاق النووي مع ايران. وفي رأيي لن تتحرك واشنطن خطوة واحدة إضافية ولن تقوم بأي التزام، لا سياسي ولا من باب أولى عسكري، في سورية في الأشهر القليلة القادمة. وربما هذا هو الذي دفع المملكة العربية السعودية إلى اتخاذ المبادرة والتقارب مع تركيا لسد الثغرة التي كانت تحلم أن تسدها معها واشنطن في الامن الوطني والإقليمي.

في نظري تمتين التحالف العربي التركي، بما في ذلك التقدم نحو تعاون عسكري، كاف ليغير اتجاه الاحداث، خاصة أن المقاومة الباسلة والبطولية للشعب السوري قد حرمت طهران من أي انتصار حاسم وأوقعتها في حرب استنزاف سوف تدفع ثمنها غاليا في السنوات القليلة المقبلة، سواء تم التوقيع على الملف النووي أم لا.

القدس العربي

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى