صفحات الثقافة

روزا ياسين حسن في روايتها “بروفا”: حيوات متشظية بفعل الخوف


سمير الزبن

تنتمي رواية “بروفا” للكاتبة السورية روزا ياسين حسن إلى قائمة الروايات السورية الكثيرة التي تتحدث عن القمع وقسوته، وعن حياة البشر المنتهكة باستمرار من قبل أجهزة المخابرات. لكنها ليست من الروايات التي تتحدث مباشرة عن التعرض للقمع السافر، من خلال السجن والاعتقال، إنما تصور تأثيرات القمع على شخصيات الرواية وحياتها وتكوينها.

الراوي مجند يؤدي خدمته العسكرية في المخابرات، وفي القسم الذي يتنصت على المكالمات الهاتفية لمن يُعتقد أنهم يشكلون خطراً على النظام، حيث يغرم الراوي بالأصوات، ويُنمي اعتقاداً ذاتياً أن “للصوت لون وحرارة ومزاج وفردانية، الصورة عاجزة عن الجهر بها”. من المكالمات التي يتنصت عليها الراوي تولد الرواية، عبر صوت الشخصيات والراوي العليم، وحتى تكتمل يضيف عليها من خيالة، ولأنها “بروفا” غير مكتملة يضع للنص هوامش وملاحظات لمراجعة الـ”بروفا” عند كتابة الرواية النهائية، والتي تنشر كما هي.

لا تملك الرواية عقدة تمسك بخيوط الرواية وتجمعها معاً، إنها رواية التشظي، رواية انكسارات مجموعة من الشخصيات التي تعيش تجارب إحباط مختلفة، تجمعها خيوط وعلاقات واهية، ويبدو الراوي واختياراته الروائية (اختيار من المكالمات التي تنصت عليها) الذي يجمع الشخصيات، هو الرابط الأقوى بين الشخصيات والأحداث.

تفتح الرواية بعد تقديم المتنصت على هالة السماقي الشابة من عائلة متدينة، والتي تهرب مع حبيبها اليساري، وتنجب منه ولدها مهيار، حيث يتم اغتيل زوجها بطلق نار لأسباب سياسية يسارية. تعود إلى عائلتها التي تزوجها من رجل متدين كزوجة ثانية، والذي سرعان ما يُقتل أيضاً في أحداث الثمانينات، تخسر حملها منه ويبقى مهيار ولدها الوحيد.

تهوي هالة السماقي التي لم تتجاوز الرابعة والثلاثين عن سلم خشبي على حافة المجلى وهي تحاول الوصول الى تنكة الزيت في السقيفة، لتصاب بشلل كامل. يهتم مهيار بها طوال سنوات بشكل كامل، من حمامها إلى لباسها، حتى إلى الاهتمام بنزع شعر جسدها، وتبديل فوطة دورتها الشهرية، التي يعدها واحدة بعد الأخرى لتصل إلى 156 مرة، حتى أنه وهو الفنان التشكيلي يستخدم دماء الحيض لأمه في لوحاته الفنية، ما يجعل رائحة مرسمه زنخة. تتحول هالة المشلولة خلال تأملها وهي في هذه الحالة من امرأة متدينة إلى امرأة مقتنعة بالديانات الهندية ويصبح لها أتباع. عندما تموت يقرر مهيار حرق جثتها، لكن أهلها الذين لم يراهم طوال حياته يمنعونه، بعد أن يعرفوا نواياه، ويدفنوها على الطريقة الإسلامية. الاهتمام الطويل بوالدته يصيبه بالعنة، يفقد قدرته على التواصل مع النساء، وعندما تحاول المرأة التي يحب صبا عبد الرحمن أن تتواصل معه جسدياً تكتشف عنته. صبا ابنة عميد في الجيش يعتدي بشكل دائم على زوجته، ويهجرها ليتزوج من امرأة أخرى، ابنتهم صبا تتزوج من الشيوعي عيسى عيسى الذي يقوم بضربها بوحشية، لتجد نفسها بعد سنة وأربعة أشهر من هذا الزواج في مخفر الشرطة تشتكي على زوجها، وسرعان ما تعود من دمشق مطلقة إلى أهلها في مدينة اللاذقية (وهي المكان الذي تدور فيه أحداث الرواية الرئيسية)، تتعرج بها الدروب وتمتهن تصيد الرجال من أجل الحصول على المال.

تدور الرواية حول ثلاثة أصدقاء مهيار السالمي وهاني عباس وأيهم الصارم، عازف البزق الذي رفضه المعهد العالي للموسيقى لأسباب لا تتعلق بموهبته، يذهب إلى ليبيا ليدرس الطب لكنه لا يكمل الدراسة وسرعان ما يعود، ليتنقل بين امرأة وأخرى، دون أن يستقر على واحدة ودون أن يعرف الطريق إلى الحب، مرت على سريره صبا عبد الرحمن ولميا عباس أخت صديقه، كما مرت نساء كثيرات على حياته، وتبقى النساء هاجسه طوال الوقت.

هاني عباس الذي يموت والده مدرس الرياضيات حزناً على أخيه، الذي يقضي في انفجار قطار يستهدف العسكريين حيث كان يقضي خدمته العسكرية، وهو في سن السابعة وأخته في سن التاسعة، سرعان ما تلحق أمه المفجوعة بزوجها. يعيش هاني عند عمه في حلب، وتعيش لميا عند عمها الآخر في جبلة. يقع هاني في الحب المحرم لأخته، ويتعلق بها، دون أن يستطيع أن يُعبر لها عن هذا الحب، وتعويضاً عنه يفرغ غريزته في مانيكانات محله للملبوسات وهي المهنة التي يعمل بها بعد عودته من حلب إلى اللاذقية. ولكن لميا تقع في حب أيهم الصارم، وتفقد بكارتها معه، وعندما يتخلى عنها، تهرب من هذا الوضع، فتوافق على الزواج من سامي وهو شاب ثري يقيم وأهله في فنزيلا منذ زمن طويل، بعد أن تقوم بعملية رتي لغشاء البكارة، لتكتشف أن هذا لا يهم زوجها، وعندما سال دمها على فراش الزوجية لم يشاهده أحد سوى الخادمة التي تجمع الأغطية المتسخة، ولتكتشف هناك غنى فاحش، كما تكتشف أيضاً أن الرجل الذي اقترنت به ما هو سوى رجل مثلي، لم يهتم بها، كما لم يهتم بغيرها من قبل، وأهله زوجوه منها كما زوجوه من غيرها، لعل أحداهن تستطيع إبعاده عن عشيقه، ولكن اهتمامه الوحيد كان بصديقه برولو، ما يجعلها تعود إلى اللاذقية مطلقة.

في نهاية الرواية، يتردد الراوي / المتنصت الذي يعمل في المخابرات أن يسلم معلوماته إلى قادته، حول الأشخاص الذين يكتب روايته عنهم. يحسم تردده بفعل الخوف ويسلم هذه المعلومات إلى قادته، فيتم استدعاء الجميع من أجل التحقيق معهم، ويتم منع مهيار السالمي من السفر قبل أيام من سفره إلى الهند، وهي الرحلة التي كان سيقوم بها من أجل أمه.

يقوم بناء الرواية على مجموعة من اللوحات، يجمعها الراوي بثلاث تدخلات، في البداية والوسط (تدخل لا مبرر له) والنهاية. تحاول الكاتبة عبر هذه التدخلات جمع العمل، ينجح لحدٍ في جمع شتات الـ”بروفا”، لكن التوغل في محاولة تقوية لمّ الشتات من خلال الملاحظات والهوامش التي تضيفها الكاتبة للنص ترهق الرواية، ولا تضيف الهوامش أي شيء لا للبنية ولا للنص، بل على العكس تعوق تدفق النص وتقطع بلا مبرر القراءة المتواصلة.

[ رواية: بروفا

[ المؤلفة: روزا ياسين حسن

[ إصدار: الكوكب – رياض الريس للكتب والنشر – 2011

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى