صفحات الثقافة

الصحافة الثقافية تحت مجهر “سكايز”/ روجيه عوطة

غالباً ما يُنظر إلى صفحة الثقافة في الصحف والمواقع الإلكترونية على أنها المساحة الوحيدة، حيث يتخفف الصحافيون من ثقل السياسة التحريرية، إذ بمقدورهم الكتابة على منوال حر في تغطية أحداث الشأن الثقافي، أو التعليق على إشكالياته. بالإنطلاق من هذه النظرة الغالبة، التي قد تصح في حين، وتخطئ في أحيان أخرى، يصير الإستفهام عن أوضاع الصحافة الثقافية ومآلاتها ضرورياً.

هذا، ما حاول “مركز سكايز-عيون سمير قصير” طرحه في الورشة التدريبية، التي أطلقها صباح البارحة الخميس (وتستمر حتى عصر اليوم الجمعة في فندق ريفييرا – بيروت)، متطرقاً خلالها إلى عدد من المواضيع المرتبطة بالصحافة الثقافية، كواقعها وأهميتها، بالإضافة إلى النقد الفني، وتغطية الأخبار المشاهير إلخ. وقد حضرت في اليوم الأول مجموعة من المشاركين، دار النقاش بينهم وبين المدعوين من جانب “مركز الحريات الإعلامية والثقافية”، كصحافيين وكتّاب ومدربين.

بعدما افتتحت كلير أرينا، مديرة المركز العالمي للصحافة والديموقراطية، الجسلة الأولى، وبعدما رحب مدير “سكايز” أيمن مهنا بالحاضرين، بدأت الندوة، التي أدارتها رئيسة مؤسسة سمير قصير، جيزيل خوري، محاورة ً كل من عقل العويط (ملحق النهار)، وبيسان الشيخ (جريدة الحياة)، واسكندر حبش (جريدة السفير). وقد باشرت خوري نقاشها مع العويط، سائلة ً إياه عن دور الملحق الثقافي، الذي يرأس تحريره، فاستعرض حقباته سريعاً، ومن ثم انتقل للحديث عن اهتمامات الملحق، مختصراً إياها بالإضطلاع بقول كلمة الحرية.

عندها، انتقل الكلام إلى بيسان الشيخ، التي اعتقدت أن المشكلة الأساسية للصحافة الثقافية، هو ابتعادها عن تحويل قضايا الثقافة إلى قضايا رأي عام، فضلاً عن تخصص صفحات الثقافة، ما يؤدي إلى انقطاعها عن الجمهور. وهذا ما يمكن تداركه من خلال انفتاحها على شؤون الناس المختلفة، والإقتراب منها أكثر. أما اسكندر حبش، فقد فرّق بين الصفحة والملحق الثقافيين في “السفير”، بحيث أن الأولى، تتخصص في أيام معينة، كمراجعة الكتب والسينما، وتنشر التغطيات في الأيام الأخرى، على عكس الملحق الذي لا يكتفي بالثقافة، بل يطل من بابها على السياسة، معالجاً موضوعات كثيرة.

 ثم طرحت خوري سؤالاً حول احتمال تخلي الصحافة المكتوبة عن الصفحة الثقافية. فرأى حبش، وبالإستناد إلى تجربته في “السفير”، أن الجريدة لا تقدر على تضحية بهذه الصفحة، على عكس ما قاله العويط، الذي وجد أن الاحتمال حاضر على الدوام نتيجة ظروف متعلقة بالسياسة التحريرية للجريدة، ولهذا السبب بالذات، “اتبع الملحق منذ بدايته سياسة تقشفية وزاهدة حيال النفقات المالية”. في هذه اللحظة، خالفت الشيخ، العويط، قائلة ً أن الكتّاب في حاجة إلى مردود مالي، فهذه مهنتهم، وبالتالي لا بد من المطالبة بمترتبات خاصة بهم، ولو لزم الأمر خوض معركة مع إدارة التحرير، فالملاحق الثقافية ستتحول إلى بريد قراء، في حال تغافلت عن هذا الجانب.

 وللوقوف على هذه المسألة أكثر، فُتح باب النقاش، الذي بدأ بسؤال من أحد الحاضرين حول ما إذا كانت الصفحات الثقافية تلاحق قرّاءها في مواقع التواصل الإجتماعي أم لا، فأجاب الصحافيون بأن لجرائدهم حسابات في “فايسبوك” و”تويتر”، تنشر فيها المقالات والنصوص. هذا، وقد تعددت المداخلات، التي أشارت إلى العلاقة بين محتوى الصفحة الثقافية والفئة العمرية الشابة، إضافة إلى التحدي الذي تواجهه هذه الصفحة حين يجري استبدال مواضيعها الثقافية بأخرى فنية.

بدورهم، رد الصحافيون المشاركون على هذه الأسئلة، قبل أن يغلقوا الجلسة بكلمات ختامية، جاء فيها، من جهة عقل العويط، أن على الثقافة “أن تستمر في تأدية دورها، أي الربط بين الإبداع والشأن العام”. في حين رأت بيسان الشيخ أنه من الضروري “للثقافة ألا تظل بعيدة، ومعزولة في برجها، بل عليها أن تتحرر من الدوغما، وتحتك بالواقع أكثر”. أما اسكندر حبش، فوجد أن الوضع الثقافي في البلاد، ومعه الصفحات الثقافية، ليس تعيساً للغاية، لكن، بالتوازي مع “سؤالنا عمّا نريده من الثقافة، علينا أن نسأل ماذا نريد من البلد”.

أقفلت الندوة الحوارية على تشعبات إشكالية كثيرة، لم تجر معالجتها بالتعيين أو التفصيل، إذ بدا القسم الأول من الجلسة كأنه عبارة عن “عصف ذهني” أكثر من كونه نقاشاً يرغب في الوصول إلى أجوبة أو نتائج ترتبط بواقع الصفحة الثقافية. كما ظهر كمحاولة تقديم تجارب صحافية مختلفة على سبيل العرض، وليس النقد، لذلك، كان بمثابة تمهيد للورشات التدريبية التي لحقته. من هنا، انتقل الحاضرون إلى جلسة أخرى، يديرها المدرب جاك مورغان، الصحافي في إذاعة تكساس الرسمية، الذي بدأ كلامه عن بعض مقالاته في راديو سان أنطونيو، كتبها كقصص إذاعية، واعتمد فيها على نبرةٍ معينة لجذب المستمعين.

وذلك، قبل أن يُسأل الحاضرين عن إمكانية كتابة مثل تلك المواضيع الفنية والنقدية في لبنان، وبهذا الإستفهام، دار النقاش من جديد. وكان لافتاً أن غالبية المداخلات انطوت على أبعاد نقدية، تطاول قدرة الصحافي على تجاوز العلاقات العامة في نقد العمل الفني، أو تغطيته. إذ رأى أحد المشاركين أن الكتابة النقدية في لبنان محكومة بالعلاقات الإجتماعية، فلا يستطيع الصحافي أو الناقد أن يتعداه من دون أن يُرفع نصه على محمل الخصومة أو الخلاف. هذا، وأشارت إحدى المداخلات إلى تغيّب الصحافة الثقافية عن الكثير من النشاطات الفنية، التي تحصل في بيروت، إضافة إلى أن غالبية صفحاتها تغض النظر عن تجارب تخاض حديثاً في حقول الشعر والمسرح والموسيقي إلخ. كما لو أنها، أي الصحافة الثقافية، تنأى بنفسها عن كل جديد في المدينة، فلا تلاحقه أو تتابعه على أكمل وجه، بل تكتفي ببعض المقالات أو التغطيات لعروض محددة.

 لقد اتصفت المداخلات في ورشة جاك مورغان بالحيوية النقدية، لا سيما على صعيد التطرق إلى الرابط بين الحرب والثقافة وصحافتها، ومرد ذلك، على الأغلب، هو المقارنة التي سعى المدرب إلى عقدها بين تجربته وتجارب الحاضرين، آخذاً في الإعتبار، الإختلاف القائم بين واقع الصحافة الثقافية في لبنان، أو العالم العربي من جهة، وواقعه في الولايات المتحدة من جهة أخرى. على هذا الأساس، حمل المشاركون أسئلتهم إلى جلسة تدريبية ثالثة بعنوان “الصحافة الثقافية وتغطية أخبار المشاهير”، أدارتها الصحافية الثقافية المستقلة جينان براونل، في مسعى إلى حلول ملائمة لإشكالية الثقافة، وكيفية بقائها على قيد الحياة الصحافية. وذلك، على أثر نقد صفحتها، ومحرريها، وسُبل الكتابة فيها.

المدن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى