صفحات العالم

علويو تركيا وتحدّي الحزب الحاكم

 

هدى رزق

تزايد انتقاد العلويين الاتراك للدعم غير المحدود الذي قدمته أنقرة لمقاتلي المعارضة السورية مع تزايد اعداد اللاجئين السوريين الى اقليم هاتاي الحدودي التركي حيث تتواجد المذاهب المسيحية المختلفة وسط غالبية من المسلمين السنة والعلويين.

اصطف العلويون الاتراك لسنوات طويلة وراء مؤسس تركيا الحديثة مصطفى اتاتورك للاحتماء من الضغوطات السياسية والاجتماعية والدينية. وهم يعتبرون إن نموذج الدولة الذي أسس الجمهورية واستمراريتها هو نتاج العلويين أيضا. وهم يدافعون عن هذه الدولة كمواطنين لجمهورية علمانية. وكانت مخاوف العلويين تظهر في الفترات التي كانت الحكومات التركية تتبع فيها ميلا اسلاميا. في الخمسينات مع رئيس الحكومة عدنان مندريس. وفي السبعينات مع حكومات الائتلاف التي شارك فيها حزب السلامة الوطني الإسلامي بزعامة نجم الدين أربكان. وكانوا حذرين تجاه البعد الإسلامي لسياسات رئيس الحكومة تورغوت أوزال في الثمانينات. أصاب النظام العسكري بعد انقلاب 12 أيلول 1980 منهم مقتلا حيث جرى ضرب وتحجيم أحزاب اليسار العلماني وهم شكلوا قاعدتها الرئيسية، كما تم اقرار تعزيز الاتجاهات الإسلامية السنية عبر إدخال تدريس الدين مادة إلزاميـة في جميع المدارس مع تضمينها في دستور العام 1982 الذي ما زال معمولا بـه حتى الآن. كما شجع هذا النظام تشييد الجوامع في القرى العلوية في ما اعتبر محاولة لصهرهم في الاسلام الحنفي.

مطالب العلويين

لطالما رفضت الأحزاب الاسلامية والأحزاب العلمانية اليسارية مطالب العلويين بالتمثل في رئاسة الشؤون الدينية القائمة أو بإنشاء مجلس خاص بهم مما دفعهم الى الانكفاء شيئا فشيئاً عن التصويت لبعض الاحزاب اليسارية. وتعتبر المسألة العلوية مشكلة تضاف إلى مشكلات كثيرة تقع في صلب هوية تركيا إذ ترفض السلطات السياسية والدينية ( السنية) الاعتراف بهم دينيا، وخاصة بيوت الجمع الخاصة بهم. ففي حين تقوم السلطة بتغطية الجوامع والحوزات الدينية المعبرة عن الإسلام السني ماليا، فإنها ترفض القيام بالأمر نفسه بالنسبة للعلويين. وبما ان عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي كانت تتضمن شروطا بمنح الأقليات المسلمة حقوقها والمعني هنا تحديدا الأقلية العلوية، فإن حزب العدالة والتنمية وجد نفسه وهو يسعى للسير على طريق الاتحاد الأوروبي في مواجهة تحديات من نوع جديد.

يعتبر احد اهم ممثلي الطائفة العلوية ان الامل والثقة خابت بديموقراطية “العدالة والتنمية” لممانعتهم في اعطاء العلويين حريتهم الدينية في ظل شروط المساواة، واتهمهم باستغلال الديموقراطية من اجل مآرب لها علاقة بالتخلص من سلطة الجيش للسيطرة على البلاد.

ما هي اهم مطالبهم والى اين وصلوا؟ الى جانب استرداد الاماكن التي تعتبر بمثابة رموز دينية من وزارة السياحة، وفي مقدمها مزار حجي بكتاش، وتسليمها الى جمعيات واتحادات علوية للإشراف عليها، وتوفير الكهرباء والمياه الى دور عبادتهم بالمجان، يطالب العلويون بالاعتراف ببيوت الجمع الخاصة بهم (بيوت العبادة)، وإلغاء قرار التعليم الديني الالزامي في المدارس الحكومية لتفادي الدخول في خطة حكومة العدالة و التنمية الساعية لتنشئة جيل جديد إسلامي على اسس دينية تبعاً للمذهب الحنفي وتجاهل المذهب العلويً.

كما يطالبون بتعديل رئاسة الشؤون الدينية طريقة عملها وهيكليتها ليسنح لهم المشاركة فيها. وأخيرا إبراز مذهبهم على الهوية الرسمية تمهيدا لاشراكهم في صناعة القرار السياسي. لقد بدأوا يسعون لتجاوز المطالب الشكلية السابقة التي كانت تختصر فقط الاعتراف بهم كأقلية مسلمة والاعتراف بحقوقهم، وهم يريدون تطوير الديموقراطية وتجذيرها والمشاركة الفعالة في السلطة لا سيما ان العدالة والتنمية لا يخفي توجهاته السنية. وهذا الامر، يقتضي الاعتراف بحرية المعتقد للجميع. وبدون مساواة في حرية المعتقد لا يمكن تحقيق السلم الاهلي والاجتماعي.ولا فرصة لتعميق الديموقراطية الا باقامة بنية علمانية للدولة تعترف بحقوق كل الطوائف والاتنيات.

ما هو تأثير الاتحاد الاوروبي في دعم العلويين؟ الكثير من القيادات العلوية يراهن على الاتحاد الأوروبي وتقاريره نصف السنوية ليكون الأمل المنشود وخشبة الخلاص حيث أخذ الموضوع العلوي مكانه في صدر القضايا الواجب حلها على طريق العضوية الكاملة لتركيا. لكن الموقف السياسي لأنقرة تجاه الازمة السورية فاقم الوضع ولاسيما مطالبة اردوغان من الأسد بالديمقراطية في سوريا مما اثار سخرية العلويين الذين رأو بانه يطالب الاخرين بما لا يفعله في بلاده.

بعد حوار العدالة والتنمية مع حزب العمال الكردستاني بوساطة اميركية هل ينتصر الاتحاد الاوروبي لحقوق العلويين؟ وهل تدخل تركيا بعد الربيع العربي في ضرورة حل مشاكلها الداخلية قبل الانصراف الى الخارج لاسيما أن أردوغان يتجه الى نظام رئاسي في حال تمت الموافقة على تغيير النظام المعمول به في تركيا، ففي الاقتراع المباشر هو بحاجة الى العلويين والاكراد والعلمانيين؟ وهل سيحصل على رضى القوميين الاتراك في انفتاحه على مطالب الكرد؟ وهل يمكن الا يثير حنق الاسلاميين في حال اعطاء العلويين حقوقهم الدينية والسياسية؟ اذا كان قد استطاع التخلص من سلطة الجيش المباشرة بسكوت القوى الدولية وتعاونها تارة من اجل بسط نظام ديموقراطي (الاتحاد الاوروبي) وطورا من اجل الانخراط في مشاريع “الناتو” (الولايات المتحدة) فان سياسة صفر مشاكل مع الخارج باتت نظرية بائدة في ظل انعكاسات الازمة السورية على علاقات تركيا الاقليمية في العراق وايران من جهة، والحذر السعودي والاماراتي الذي تنخرط فيه الكويت لا سيما بعد الدعم غير المحدود للاخوان المسلمين ومحاولة تزعم الساحة الاسلامية “المعتدلة” من جهة أخرى. وكذلك مشكلتها كما مشكلتها القبرصية التي لم تحل والتي تتفاقم في ظل الحديث عن استخراج الغاز، وازمتها المزدوجة في العلاقة مع اسرائيل في حال القطيعة وفي حال التواصل مع العلم بان التعامل التجاري لم يتوقف.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى