برهان غليونصفحات سورية

من أجل حل سياسي ينصف المظلومين لا حل يكافيء المجرمين

 

    برهان غليون

    من الواضح أن عددا كبيرا من الدول الغربية التي ايدت الثورة بشكل واضح في الأشهر الماضية بدأت تخشى من أن ينجم عن الحسم العسكري لصالح الثوار نتائج ليست في مصلحتها أو مصلحة حلفائها الإقليميين وإسرائيل بشكل خاص، ومنها احتمال فقدان السيطرة وانتشار الفوضى أو في أحسن الأحوال سيطرة الاسلاميين على السلطة. وهي وإن كانت مجمعة على ضرورة التخلص من الأسد إلا أنها تحلم بأن يكون بالإمكان الحفاظ على مؤسسات النظام الرئيسية، العسكرية والأمنية، بعد ترميمها، التي تستطيع وحدها ضمان الانتقال السلس للسلطة واستعاد المفاجآت غير السارة.

    ولذلك، بعكس الوعود التي قدمت للمعارضة عند تشكيل الائتلاف الوطني السوري، لم يحصل الثوار على أي سلاح أو مساعدة مالية ذات معنى. وبعد أن كانت روسيا تعتبر مع ايران العائق الأول أمام التوصل إلى حل، تكاد هذه الدول أن تعطي لروسيا الدور الأول في التوصل إلى تسوية سورية سورية. لا بل إنها مستعدة اليوم كما هو واضح لمشاركة الايرانيين الذين يريدون الآن أن يقايضوا تجميد التخصيب النووي مقابل الحفاظ على نفوذهم الاستثنائي في سورية.

    هذا هو ما تشير إليه أيضا الحركة الدبلوماسية المتعددة الأطراف التي تشهدها الساحة الدبلوماسية الدولية اليوم والتي تكاد تتسابق مع حركة الجيش الحر في تقدمه على الأرض. حتى أنه لم يبق في الأيام القليلة الماضية مسؤول دولي أو عربي لم يذكر أن الحل في سورية سيكون أو ينبغي أن يكون سياسيا. بل إن ايران التي لم يحصل أن قبلت في أي مشاورات حول الوضع ا لسوري تحلم بأن تكون شريكا في الحل بالرغم من تدخلها السافر في الشؤون السورية بدعم النظام

    وفي هذا السياق أيضا بشرتنا وكالة الأنباء السورية سانا بخطاب الحل الذي وعدت أن الأسد سيلقيه غدا الأحد.

    وفي موازاة ذلك بدأت الآلة الإعلامية الدولية في قلب الصورة رأسا على عقب بحيث تبدو المعارضة هي التي ترفض الحل السياسي بينما النظام هو الذي يسعى إلى مثل هذا الحل.

    لكن الحقيقة غير ذلك تماما. لم تتوقف المعارضة عن الحديث عن حل سياسي إنما ليس تحت تهديد السلاح وتحت القصف الجوي ونيران البراميل الحارقة والصواريخ وراجمات الصواريخ. وليس في سبيل إشراك النظام من جديد في مرحلة انتقالية، بعد ما قام به من قتل منظم ومبرمج لعشرات ألوف الأبرياء وتشريد الملايين وتدمير المساكن على رؤوس ساكنيها من السوريين.

    فلا ينبغي للحل السياسي أن يعني ايجاد تسوية مع النظام وإنما أسلوب أقل دموية لتحقيق مطالب الشعب وإتاحة الفرصة أمامه ليعبر عن رأيه ويقرر مصيره من دون قمع وقتل ممنهج واستخدام للاسلحة الخفيفة والثقيلة كما لو كنا في حرب مع عدو. وليس هناك امكانية لوقف الثورة والبدء بإعادة بناء الدولة ومؤسساتها من دون تحقيق هذه المطالب المشروعة والعادلة، اليوم أكثر من اي فترة سابقة، بعد أن دفع الشعب من دماء ابنائه ثمنها الباهظ. وكل تنازل أمام هدف تحقيق مطالب الشعب وحقوقه الطبيعية سيبدو خيانة للشهداء وتفريطا بدمائهم الطاهرة.

    إن ما يتطلع إليه الأسد،والدول الخائفة من تحقيق نصر واضح للثورة السورية، هو تسوية من نوع ما حصل في البوسنة تجمع بين القتيل والقاتل، والضحية والجلاد، وتفرض عليهما التعايش والتفاهم. أي تسوية تكافيء القاتل بأن تقدم له مخرجا مشرفا وتطهره من ذنوبه وتجعله شريكا في الوطن الذي قام بتدميره، وتعاقب القتيل بأن تفرض عليه التعاون مع القاتل على خيانة المباديء التي ضحى من أجلها آلاف الشهداء وتشرد في سبيل تحقيقها ملايين الأبرياء وفقدوا أبناءهم وممتلكاتهم.

    والهدف من كل ذلك الالتفاف على الثورة والحفاظ على المؤسسات القمعية لمنع الشعب من تقرير مصيره واختيار ممثليه بحرية في سورية الجديدة، بل اغتيال سورية الجديدة هذه ومنعها من القدوم، لصالح سورية الممرغة بوحل الخيانة للمباديء والقيم ودم الشهداء.

    لكن ما يحلم به صاحب خطاب الحل وشركاؤه، والذين كانوا في أساس تنصيبه وتعزيز نظامها خلال نصف قرن، هو من قبيل الأوهام التي لن تتحقق ولا يمكن أن تتحقق طال الزمن أو قصر. ولن يكون الاعلان عن “خطاب الحل” كما وصفته وكالة أنباء النظام إلا مقدمة للإعلان عن الهزيمة واعتراف بأن النظام لم ولن يستطيع أن يحقق الأهداف التي رسمها لنفسه في سحق الثورة، التي رفض الاعتراف بها منذ البداية، وصورها دائما على أنها من عمل العصابات الارهابية. ولعله يسعى إلى تلبيس الهزيمة شكل الحل السياسي أو التسوية، فربما يربح من هذا عطف الدول الغربية الخائفة أيضا من مستقبل الوضع السوري.

    حتى يكون هناك امل في إطلاق مشروع حل سياسي ينبغي حسم ثلاثة أمور الأول وقبل أي شيء آخر الاعتراف بشرعية مطالب الشعب السوري وبأن الهدف من الحل هو بوضوح تفكيك النظام الاجرامي القائم وإقامة نظام ديمقراطي يمثل إرادة الشعب السوري مكانه، والثاني القبول بمبدأ تنحي جميع أؤلئك الذين كانوا وراء قرار استخدم العنف والارهاب ضد هذا الشعب أو شاركوا في اتخاذ القرار، وعلى رأسهم بشار الأسد، والثالث تشكيل حكومة وطنية بقيادة المعارضة ومشاركة ممثلي جميع السوريين، مهمتها إعادة البلاد إلى الوضع الطبيعي، بما يعنيه ذلك من بسحب القوات العسكرية التابعة للنظام وعودتها إلى سكانتها وحل الأجهزة الأمنية التابعة للنظام وإعادة النظر بشكل جذري في تشكيل أي جهاز أمني جديد وفي تحديد وظائفه بما يتفق والنظام الديمقراطي، وتنظيم عمليات الإغاثة وعودة اللاجئنين وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة بالمشاركة مع العاملين فيها.

    على جميع أؤلئك الذين يعتقدون أن بإمكانهم التلاعب بدماء الشعب السوري وتضحياته أن يعرفوا أن إرادة التحرر عند الشباب السوريين لم تتزعزع ولن تتزعزع، وأن تصميمهم على القتال حتى النصر لن تؤثر فيه لا ضغوط خارجية ولا مصاعب داخلية. ويعرفوا أن الشعب السوري لم يكن في أي يوم موحدا ضد الأسد ونظامه الذي أسفر عن وجهه الإجرامي كما هو اليوم، وأن يعرفوا أخيرا أنه إذا كانت الدول الغربية غير متحمسة لتسليح الثورة السورية خوفا على مصالحها ومصالح اسرائيل فإن الدول العربية التي لا تقل مصالحها الوطنية الاستراتيجية، في الخلاص من نظام الجريمة المنظمة والإرهاب الداخلي والإقليمي، عن مصالح الشعب السوري في التحرر من نظام الاحتلال الأسدي، تستطيع أن تكسر حظر السلاح، وهي قادرة عليه، حتى تضمن للجيش الوطني الحر تحقيق التقدم اللازم من أجل إجبار الاسد على الفرار أو الانتحار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى