صفحات العالم

في مصر وسوريا/ محمد ابرهيم

يتشابه الوضعان المصري والسوري في أن كليهما ارتد بعد تجربة قصيرة نسبيا مع الإسلام السياسي إلى مواقع النظام القديم. المسار في الحالة المصرية واضح ويمكن قياسه حتى في صناديق الاقتراع، بينما يتشوّش في سوريا بعمليات الحرب الأهلية والتدخلات الخارجية، العسكرية.

ما ينسب إلى فرادة وضع الجيش المصري ينبغي نسبته أولا إلى موقف المصريين عموما من تجربة “الإخوان” في الحكم، وقدرتهم على التمييز بين الإسلام الشعبي والإسلام السياسي، وشعورهم بأن الثورة تأخذ مصر إلى نظام إسلامي بقي افتراضيا طوال فترة معارضة “الإخوان” للنظام العسكري منذ مطلع خمسينات القرن الماضي. ميزة الجيش في مصر، رغم تعثره في أكثر من محطة من محطات الثورة، هي في قدرته على تقديم طواقم بديلة للحكم عندما يثبت أن استمرار الطاقم القديم، أو عودته، يهدد بإطاحة النظام بكامله.

والموقف الشعبي المصري المتواطىء هذه الأيام مع تجديد الاستبداد العسكري، والمتساهل مع الاستعمال المفرط للقضاء المصري في ضرب الخصوم السياسيين، وصولا إلى القرارات بسجن بعض الرموز الشبابية للثورة، عذره الأول أن “الإخوان” راكموا الأخطاء وصولا إلى محو الفوارق بين الإسلام السياسي والإسلام الجهادي، وإلى إثبات أن المكوّن الإرهابي في تراث “الإخوان” المصريين هو أصل وليس مجرد وسيلة نضالية في ظروف إستثنائية. أما العذر الثاني فهو إضمحلال القوى السياسية التي يمكن أن تشكل قاعدة رفض مزدوج لحكم العسكر وحكم “الإخوان”، وواقع انشقاقها إلى ملتحقين بالنظام الجديد ونخبة شبابية معزولة.

في المقابل لا يمكن نسبة النجاحات التي يحققها النظام في سوريا حصرا إلى العوامل الخارجية المعروفة أو إلى تماسك الأقلية التي يستند إليها النظام. فقد أضيف إليها الموقف الشعبي من الحسم الكبير في هوية المعارضة السورية الفاعلة على الأرض، حتى بتنا أمام المفاضلة بين فرعين لـ”القاعدة”: “النصرة” و”داعش”. ومن يرفضهما ليس أمامه سوى منوعات إسلامية مقاتلة أخرى غامضة، فيما يذوب “الجيش الحر” كما تذوب المعارضة الليبرالية المصرية، و”تغرد” معارضة الخارج بلغة لا علاقة لها بما يعايشه السوريون على الأرض.

نقطة ضعف النظام تبقى عدم قدرته على تقديم طاقم بديل على الطريقة المصرية، فيما الظروف الشعبية مهيئة للإرتداد على الثورة. وهذا يشمل الطوائف كلّها. والتماهي بين الطاقم الحاكم والنظام هو الذي يمد اليوم الثورة السورية بما تبقى لها من زخم. وبذلك تدفع سوريا ثمن عدم قدرتها على “بعث” النظام القديم، وتكتفي للوصل الى ذلك بانتظار صدفة توافق دولي تزداد ابتعادا. أما الأكيد فيبقى أن لحظتي “الإخوان” والليبرالية قد فاتتا ولزمن طويل، في مصر وسوريا.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى