صفحات الرأي

“موت الأبد السوري” في انتفاضات الحارات حين خرج جيل القهر عن صمته


محمد أبي سمرا يروي شهادات لبنانيين وسوريين أثخنتهم جروح التعذيب

    جوزف باسيل

قد لا يرتبط هذا الكتاب بالاحداث الجارية في سوريا الا لماما، لكنه يروي احداثا استشرفت نتائجها، فهو يروي فصولا من حقبة الصمت المؤبد بعد مقتلة 1981 – 1982 في حماه وحلب، وسيراً وشهادات حية لافراد وعائلات وقعوا في براثن اجهزة المخابرات وخضعوا للعسف والظلم والتعذيب… وحتى القتل، لذنب اقترفوه او بلا ذنب، لتهمة او شبهة.

بدأ محمد ابي سمرا كتابة هذه الشهادات، التي جمعت بعنوان “موت الأبد السوري – شهادات جيل الصمت والثورة” (رياض الريس للنشر والتوزيع) عام 2006 عقب انزياح صخرة الخوف والقهر عن صدور اللبنانيين، وصار نشرها متوافراً اثر بدء التمرد وتجاوز الخوف عن صدور السوريين، فجاء الكتاب مكملا لمسار الاحداث في سوريا.

استاذ جامعي يعرّي الجهل والأمية

لنبدأ بالترتيب الذي اراده المؤلف لتوزيع الفصول.

في الفصل الاول بعنوان “جامعة الخواء البعثي” يروي استاذ الجامعة، الذي يحمل الجنسية الاميركية وهو من اصل سوري، شهادته عن الحياة اليومية، الاكاديمية والادارية والطالبية وبرامج التعليم في جامعة حلب، التي درس فيها استاذا زائرا سنتين بين 2003 – 2006، منتدبا من جامعة شيكاغو، وتتجاوز شهادته الحياة الجامعية الى احوال المجتمع السوري ومؤسساته الادارية والخوا، الذي يكتنف حياة الطلبة والمدرسين الجامعيين، عدا الرتابة والتسطيح والبيروقراطية الادارية والجهل من مستوى استاذ جامعي انحداراً الى اي موظف اداري، يلفت الى الفساد المستشري بدءا بالانشاءات الحكومية جامعات ومدارس ومساكن شعبية ولا ينتمي عند حد.

وينتقد  اسلوب التعليم الهين والمهان للتعليم الجامعي في سوريا، اما النتيجة فمهينة. ويوحي لك ان الجامعات تعلم الجهل وليس المعرفة، ويحلل عمق المجتمع السوري المتشكل بالتدين والمحافظ، ما يعكس نمطا سلوكيا مغايراً، لما اراد حزب البعث ان يظهره، ويكشف ان الحرية الشكلانية في حياة السوريات لا تتيح لهن ابدا التعبير الفعلي عن حياتهن ورغباتهن وارادتهن الشخصية. والحياة المتناقضة التي يعشنها تضاعف حال الضيق. ويقول “فكرت كم شبيهة حالة الفتاة في اختناق مشاعرها الفردية والشخصية وضياعها بحال المجتمع السوري الذي حين يكتم النظام السياسي البعثي الامني انفاسه، ويحاصر الناس في انفسهم وأجسامهم يترك هذه النفوس والاجسام في حال من الاستنقاع والرثاثة والكتمان السياسي والاجتماعي”.

من مآثر الجيش السوري في لبنان

في الفصل الثاني يروي لبناني من مؤسسي التيار الوطني الحر الذي ناهض الاحتلال السوري للبنان طوال 15 عاما، يومياته في معتقل مبنى الاستخبارات قرب البوريفاج.

تجربة انطون الخوري حرب المؤثرة تختلف عن تجربة استاذ الجامعة فهنا بدأت بالصفع واللكم والضرب بأعقاب البنادق، مع جوقة الشتائم وتصاعدت الى كل اساليب التعذيب التي سمعنا بها من “الدولاب” “والفروج” والصعق بالكهرباء، يرويها والالم يعتصر قلبه، وسرده اكثر تشويقاً من اختصارها.

وقارىء تجربة الناشط العوني هي انموذج لما تعرض له شباب التيار الوطني و”القوات اللبنانية”، واعجب لمن يستطيع منهم ان يغفر هذا التعدي السافر مع الاستهانة الى حد الشتم المقذع بكل القادة الزمنيين والروحيين المسيحيين دون توفير الجيش.

وشهادة العوني يجعلك تبرر عمق الكره والحقد اللذين يمارسان حالياً في سوريا ضد آل الاسد والنظام البعثي فيها.

سنوات من التعذيب لأنه شتم البعث

التجربة الثانية المؤثرة هي صرخات، بل عويل انسان من ظلمات 15 سجنا سوريا نقلوه بينها. سوري الجنسية، لبناني المولد والنشأة. بعد تلقيه التعليم ونيله  الشهادة الثانوية في بيروت انتقل الى دمشق ودرس في جامعتها 1980 – 1985، فتفوق في الهندسة الميكانيكية. قبل سفره الى اسبانيا لمتابعة دراسته العليا بمنحة من جامعة برشلونة – كاد البعث يسلبه اياها لتكون من نصيب ابن احد المتنفذين من السلطة الحاكمة – وقبيل سفره شهد في حلب اعدامات ميدانية من ذيول المطاردات والاعتقالات.

وبعد عودته من اسبانيا متفوقاً في دراساته العليا، ادى عزوفه عن الانتساب الى طلائع البعث في دمشق، الى حرمانه معادلة شهادته الاسبانية بأخرى سورية تمكنه من العمل، ما دفعه الى القيام بانتفاضة فردية وارتكاب اشنع المعاصي والآثام في “سوريا الاسد”: شتيمة البعث والرئيس القائد في مكتب وزير التربية. فعلته هذه دمرت حياته، وعرّضته لملاحقات امنية مستمرة في سوريا ولبنان ولسلسلة من الاعتقال والتعذيب في 15 سجنا سوريا، ما بين 1988 و2005.

حين ذهب اخوه للبحث عنه في دمشق عام 1989، اختفى ولم يعثر له على اثر. مطلع عام 2012 استكملت شهادة الراوي بعد اعتقال ابنه البكر، اللبناني المولد والنشأة والاقامة، وارغامه على اداء خدمته العسكرية الاجبارية في خضم الثورة السورية. وروى اخباراً عن زياراته الاخيرة لدمشق للقاء ابنه والتداوي من مرض السرطان.

شاب ينقلب على تاريخ عائلته

في الفصل الرابع رواية “بانورامية ميكروسوسيولوجية” تتناول سيرة عائلة توزعت حياتها وإقامتها بين حمص وبيروت منذ ستينات القرن الماضي، الحفيد يروي سيرة عائلته بدءا بجدته التي اقامت علاقات مع ضباط وافراد القوات السورية في لبنان، وخلافاتها مع بناتها، ومنهم امه، ومن ضمن الخلافات الموقف من الجيش السوري نفسه.

في المرحلة الاخيرة حول غرفته في بيروت ملتقى لناشطين سوريين واجتاز الحدود اللبنانية – السورية مع مجموعة من الصحافيين الاوروبيين الى حمص قبل هجوم الجيش السوري على حي بابا عمرو. وروى يوميات الثورة ومشاهداته ولقاء احد  اعضاء التنسيقيات في المدينة ومشاركته في تظاهرة ليلية في حارة طفولته وفتوته في الخالدية.

ناشط في الاحداث الحالية

في الفصل الخامس يروي الشاب الجامعي من بانياس الانتفاضة التي باشروها في آذار 2011، متأثرين بوعيهم “الاسلامي”، عارضاً اجواء تلك الايام. وفي بيروت التي فر اليها في حزيران 2011 بعد اعتقاله وتعذيبه، سجل شهادته عن مدينته ومجتمعها وشبانها ويوميات انتفاضتها قبل ان يحاصرها “الجيش الأسدي” وأجهزة استخباراته ويدخلانها ويروعان أهلها. ويفصل حملات الاعتقال ونقل افواج من اهالي بانياس السنة بالباصات الى القرى العلوية القريبة التي قام اهلها بتحقير المعتقلين وإهانتهم والاعتداء عليهم والتبول في طقوس من الحقد والتشفي و”عبادة” الرب “بشار الاسد”.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى