صفحات العالم

مقالات تناولت مهمة الابراهيمي


مهمة الإبراهيمي.. فن إدارة وتقطيع الوقت

                                            غازي دحمان

يستدعي العقل السياسي الطبيعي التعاطي مع المبادرات الخاصة بالأزمات الحادة، كحال الأزمة السورية، بكثير من الفهم العميق والتمحيص الدقيق دون اللجوء إلى إطلاق الأحكام القيمية أو المواقف الأخلاقية كنتيجة لتقديرات متسرعة ومنحازة أو عاطفية على أقل تقدير.

ينطبق هذا الأمر بدرجة كبيرة على مهمة الأخضر الإبراهيمي، المبعوث العربي والدولي لحل الأزمة السورية التي امتدت على مدار عام ونصف العام، وما تمخضت عنه من كوارث إنسانية صادمة ومؤلمة، وتنذر بالمزيد في حال بقائها من دون حل، ولعل هذا الهاجس هو ما دفع بالدبلوماسية العربية، ممثلة باللجنة الوزارية العربية، إلى التعاطي الجدي مع هذه المهمة وإيلائها الأهمية التي تتناسب والدور الموكل لها، ونزعم بأن الدوافع ذاتها تشكل الخلفية النفسية والسلوكية لدبلوماسي عربي عريق كالأخضر الإبراهيمي.

وإنطلاقاً من هذه المسألة، فإن المنطق السياسي يستدعي تقدير حصول تغيرات معتبرة في بيئة الأزمة السورية، وخاصة لجهة التوافق على حد أدنى من التفاهم بخصوص الخطوط العريضة للحل بين الأطراف الفاعلة والمؤثرة في الأزمة، سواء كانت أطرافا داخلية أو خارجية، علماً بأن البعد الخارجي للأزمة يحظى بأهمية أكبر في التحرك الدبلوماسي للإبراهيمي، فالرجل حتى اللحظة لم يكشف عن تفاصيل مهمته وأبعادها، في حين أنه أفاض في الحديث عن ضرورة التوافق الدولي ورغبته في الحصول على الضمانات الدولية المساندة واللازمة لإنجاح مهمته.

في الوقائع الدولية للأزمة، لم يظهر ثمة انزياح أو حتى تطور منطقي في مواقف الأطراف، وليس ثمة مؤشرات بوجود تفاهمات معينة بين هذه الأطراف، صحيح أن الحدث السوري يشهد تطورات دراماتيكية مؤلمة تدلل عليها وقائع القتل والدمار التي تمارسها عصابات الحكم المنفلتة بحق البشر والحجر، لكن ذلك بحد ذاته لم يكن ولن يكون المعطى الذي يؤسس لتحول في المواقف الدولية..

إذ من الواضح أن ثمة تفاهماً ضمنياً قد جرت صياغته بين الأطراف الدولية المختلفة يقضي بتحييد البعد الإنساني في الثورة السورية وعدم السماح له بالتأثير على المواقف الدولية المؤيدة والمعارضة والتعامل بعقلية باردة مع تطورات الأزمة مهما كانت سقوفها مادامت محصورة في الداخل السوري، والدليل على ذلك أن العالم، باستثناء بعض العرب وتحديداً دول الخليج، لم يكن جاداً في تعاطيه مع الأزمة إلا يوم اعتراف النظام السوري بأنه يملك أسلحة دمار شامل، وخوف هذه الدول من استخدامها ضد إسرائيل أو وصولها إلى منظمات متطرفة.

والسؤال هنا: على ماذا يؤسس الإبراهيمي معمار مهمته في شقها الدولي، وهل حصل على ضوء أخضر من الدول الفاعلة والمؤثرة في الأزمة وصاحبة الفيتو في مجلس الأمن، وهو الذي اشترط أن يحصل على توافق دولي حول أسس الحل وملامحه العامة، وبشكل أكثر تحديداً طلب دعماً دولياً بإصدار قرار من مجلس الأمن يعاقب من لا يلتزم بأي خطوة في أي اتفاق معين يمكن الوصول إليه؟

إذا كان الأمر على هذه الشاكلة، بمعنى إنجاز الإبراهيمي لاتفاق دولي نهائي وناجز بشأن الحل، بما فيه أسس هذا الحل وملامحه وآلياته، فإن المهمة تكون قد حققت نصف الحل، شريطة أن يكون الاتفاق محكماً ولا يلقى مصير مجموعة الاتصال التي انبثقت عن مؤتمر جنيف والتي انفرط عقدها لحظة خروج المتفقين من قاعة المؤتمر، حيث تبين أن كل طرف فسّر الاتفاق على هواه وحسب رؤيته للحل.

لكن هل يمكن الركون إلى هذا التصور في حين أن الواقع يشهد سلوكيات ووقائع مخالفة لروح هذا التصور؟

إذ بينما تؤكد روسيا مواقفها الداعية إلى الحفاظ على سلطة النظام الحالي وتبشر العالم بأنه من السذاجة التصور بأنه سيعمل على وقف القتل وتؤيد ذلك قولاً وفعلاً، وتستميت إيران بالدفاع عنه عبر الإمدادات العسكرية والبشرية التي تضمن استمرار تشغيل آلة القتل لديه، أمام كل ذلك تشير المعلومات المتسربة من بعض عواصم القرار الغربية إلى أن مرحلة ما بعد بشار الأسد شهدت تقدما نظريا مهما، على غرار الاجتماعات التي عقدت في شكل متواصل في برلين في الأشهر الأخيرة من أجل بلورة صيغ لمرحلة انتقالية بكل تفاصيلها، والتي تكللت بالنجاح وفق المصادر المعنية إذ أعدت صيغة متكاملة لكل جوانب الحياة في سوريا مستقبلا سياسيا واقتصاديا وماليا وإداريا.

أما على المستوى الداخلي، تبدو بيئة الأزمة وقد أصبحت أكثر تعقيداً من أي وقت مضى، حتى قياساً مع فترة مهمة كوفي عنان قبل بضعة أسابيع، ذلك أن زيادة حدة العنف وكثافته أسهمتا في خلق مزاج عام لدى غالبية الشعب السوري، حتى أولئك الذين كان يتم تصنيفهم في خانة الواقفين على الحياد، بضرورة رحيل النظام ورأسه بعد كل الدمار الذي سببه في سوريا.

ولا شك أن ذلك سيشكل عاملاً ضاغطاً على المعارضة السياسية السورية التي مهما عقلنت مواقفها وحاولت الرضوخ والتكيف مع المتطلبات والتفاهمات الدولية لن تستطيع خفض سقف مطالبها إلا للحد الذي يسمح بالتفاوض على إقامة سلطة مؤقتة بديلة للنظام الحاكم لفترة انتقالية بإشراف دولي وعربي، توافق عليها الأطراف الغربية وحلفاء النظام السوري؛ أيضاً يكون بإمكانها وقف العنف من جهة، وإعداد البلاد لانتخابات ديمقراطية ودستور جديد يحققان تطلعات الشعب السوري في الثورة من جهة أخرى.

من جانبه ما زال النظام يقاتل على أساس أنه يخوض حرب وجود من عدمه، وذهب إلى حد استدعاء قواته الإحتياطية، وما زال يمارس عملية تدمير المدن بشكل ممنهج وسادي ولا يبدو أنه يفكر في أي حل باستثناء بقائه في السلطة ولو على جماجم السوريين كلهم.

وتشير الوقائع الميدانية إلى أن الحلول التي قد يلجأ إليها النظام، بعد تدميره البلاد وقتل العباد، دويلة طائفية بدأت ملامحها بالتشكل غرب سوريا بحيث يتم نقل أفضل أنواع الأسلحة والأموال السورية إليها، وخلق منطقة حيوية بعد أن جرى إفراغ مناطق حمص وأرياف حماة وإدلب، لتعزيز القدرات الاقتصادية للدولة الناشئة وتدعيمها جغرافياً.

أما بخصوص قبول النظام مهمة الإبراهيمي والترحيب بها فهو ليس دليلا على استعداده للبحث عن مخرج للأزمة، بل هي لا تخرج عن إطار إستراتيجيته التفاوضية التي تقوم على قبول المبادرات لفظياً، وقتلها عبر المماطلة والتسويف وإغراقها بالتفسيرات والتأويلات.

لا شك بأن المواطن العربي المشغول بهم أشقائه السوريين يدرك مدى نبل مقاصد الإبراهيمي، وأن الرجل يراهن على وجود فرصة ولو أخيرة للعمل السياسي كمحاولة لمساعدة الشعب السوري خصوصاً، ويدرك أن هذا الدبلوماسي العريق له من الخبرات ما يجنبه الوقوع في فخ لعبة الأمم، أو القبول بممارسة دور المخدوع في لعبة سياسية دولية.

لكننا وأمام معطيات الواقعين الدولي (بفرعه الإقليمي) والداخلي بشقيه النظامي والشعبي (الثوري) نتساءل: كيف يمكن حلحلة كل هذه العقد المحيطة ببيئة الأزمة، وكيف يمكن السير وسط حقول الإستراتيجيات والتكتيكات والأهداف والمصالح والرؤى المتضاربة، وإنجاز صيغة حل تنقذ سوريا مما تعانيه، وإيصال سفينة سلمها الأهلي ووحدتها الوطنية إلى بر الأمان؟

ليس تسرعاً ولا تجنياً القول إن مهمة الإبراهيمي تشكل في تقدير الأطراف الدولية من جهة، والنظام من جهة أخرى، فرصة لمزيد من الوقت بانتظار تبلور معطيات ما زالت غير متوفرة، إن في واقع التفاوض الدولي أو على صعيد اكتمال صورة المشهد السوري، وهي مرحلة ستمارس فيها هذه الأطراف فن إدارة الوقت وتقطيعه قي عملية مفاوضات من أجل المفاوضات، والخبرة الدبلوماسية تشير إلى أن الإبراهيمي قد حقق كل نجاحاته الدبلوماسية في ظل مناخات دولية ومحلية مساعدة، وهو الشرط الذي لم يتوفر حتى اللحظة للملف السوري.

والحقيقة أن الأطراف الدولية الصاعدة والهابطة والطامحة ووسط انشغالاتها الاقتصادية والانتخابية وصراعاتها الجيوإستراتيجية، ربما تجد في الجدل السوري فرصة إنعاش نظرية ودبلوماسية، وفي مهمة الإبراهيمي إمكانية لتشحيم مسننات مكائنها ومنطقة عازلة تجنبها الانكشاف السياسي والقيمي، غير أن الأكيد أن الإبراهيمي ذاته وبتصميمه على قبول المهمة هو من سيكشف الحقائق للرأي العام العالمي ويظهر الخيط الأبيض من الأسود.

الجزيرة نت

الأخضر… دربه أحمر

مها بدر الدين

بعد الدابي وكوفي أنان جاء دور الأخضر الإبراهيمي ليستعرض مهاراته الديبلوماسية في المهمة الموكلة إليه من قبل الأمم المتحدة والجامعة العربية لإيجاد مخرج مناسب للأزمة السورية التي تتسع حلقاتها وتتشابك يومياً بحيث بات من المستحيل إيقاف النزيف البشري على مسرح الأحداث السورية دون إجراء عملية جراحية كبيرة تسمح لهذا البلد المنكوب بالتقاط أنفاسه واستعادة حياته الطبيعية.

ورغم أن الرجل يتمتع بخبرة طويلة في مجال فض النزاعات والتوسط بين الأطراف المتنازعة وله تاريخ طويل في هذا المجال حيث كان مبعوثاً ومفاوضاً ومندوباً في الكثير من الحالات المشابهة، إلا أن مهمته في التعامل مع الملف السوري مهمة معقدة وشبه مستحيلة ومحكوم عليها مسبقاً بالفشل، بل أن الإبراهيمي في قبوله لهذه المهمة المستحيلة إنما يغامر بتاريخه السياسي الطويل ويخضع خبراته وقدراته لامتحان غير منصف لحالة استئنائية.

فالإبراهيمي يتعامل في مهمته هذه مع ملف متشعب ومعقد وخطر، اختلطت فيه الأوراق، وتعارضت عنده المصالح والتوجهات، وتجاوز النزاع فيه حدود المنطق والإنسانية، وأصبح الصراع فيه على الوجود بعد أن كان على السلطة، واختار طرفا النزاع فيه الطريق الذي يراه الحل الوحيد للقضاء على الآخر، وأصبح الحل الديبلوماسي والسياسي أشبه بالإبرة التي ضاعت في كومة قش، خصوصا في ظل إصرار النظام السوري على استخدام آلته العسكرية لقمع الثورة التي يراها تهدد حلمه التاريخي في السيطرة الأبدية على مقاليد الحكم في المنطقة، وإصرار الشعب الثائر على المضي قدماً في ثورته ومواجهة هذه الآلة العسكرية لينهي حكماً ظالماً استعبده لسنوات طويلة خلت، وأصبح من الضروري التخلص منه لاستعادة حريته وكرامته وبناء مستقبل حر للأجيال القادمة.

وتأتي خطورة وصعوبة التعامل مع الملف السوري من أن التشاور والتفاوض لا يقتصر على طرفي النزاع على الأراضي السورية، وعلى محاولات تقريب وجهات النظر بين النظام السوري ومعارضيه، ونزع فتيل الأزمة بين نظام جائر و شعب ثائر، فالصراع في عمق الداخل السوري إنما هو في حقيقة الأمر إنعكاس لصراع دولي قائم بين معسكرين دوليين يحاول كل منهما الحفاظ على مصالحه في المنطقة والفوز بأكبر مساحة من المكاسب في هذه المعركة الضروس.

فقد انقسم المجتمع الدولي في مواقفه السياسية من الأزمة السورية إلى معسكر مؤيد للنظام السوري وداعم مطلق لها متمثلاً بإيران وروسيا والصين، وإلى معسكر معارض لهذا النظام بدعوة تبني الديموقراطية والحرية وأحقية الشعوب بتقرير مصيرها متمثلاً بالولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي وبعض الدول العربية، فإذا أضفنا بعض الفصائل والأحزاب والجماعات المعنية بهذا الصراع في الداخل والخارج نجد أن على الإبراهيمي أن يبذل جهدا مضاعفاً ونشاطاً تشاورياً خارجياً قبل أن يزور دمشق لتقييم الوضع على أرض الواقع.

ولكن يبدو أن الرجل الأخضر لم يعط هذا الملف الشائك حق قدره، وبدا من خطواته الأولى نحو دمشق أنه يتعامل مع الوضع السوري بطريقة روتينية وديبلوماسية بيروقراطية لا تتناسب مع حجم المعاناة التي يعانيها الشعب السوري وعدد الشهداء الذين يسقطون يومياً والدمار الممنهج الذي يطول جميع الأراضي السورية، وما محادثته مع المعارضة السورية المسلحة والتي تعتبر الفصيل المعارض الأقوى على الأراضي السورية عن طريق (السكايب) إلا تكلفاً منه وترفعاً عن النزول إلى الشارع السوري لتقييم الوضع من قلب الحدث رغم دعوة الجيش الحر له لزيارة الأراضي المنكوبة لتوثيق شهادته بشكل عملي، كما أن زيارته لمخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن إلا تأكيد على أنه يورد الإبل من حيث لا تورد، وهو بهذا يسطح مهمته ويحولها من مهمة نزع فتيل حرب قائمة إلى مهمة إغاثية لشعب يرفض هذا التفضل منه.

وما تصريحاته التي تساوي بين الحق والباطل، وبين القاتل والمقتول بعد زيارته لقصر المهاجرين إلا تأكيد على أن الهدف الأساسي من مهمته كانت لإعطاء المزيد من الوقت للنظام السوري لترتيب أوراقه وإعطاء ورقة توت للمجتمع الدولي يغطي بها عوراته السياسية والإنسانية التي كشفت في هذه الأزمة، وربما تأكيد لشكوك المتشككين في توجهات الإبراهيمي في هذا الملف وهو الجزائري الجنسية والذي تربطه بنظامه الداعم للنظام السوري علاقات جيدة.

الأخضر الإبراهيمي ليس لدربه إلى دمشق من اسمه نصيب، فدربه أحمر.

الراي

نقول للإبراهيمي: السلام له كلمته الأخيرة!

مطاع صفدي

عندما شَرَعَ الأخضر الإبراهيمي للتوسّط في حل معضلة الحرب الأهلية اللبنانية المتمادية سنوات بعد أخرى، كان هناك قرارٌ إقليمي مشفوع بآخر دولي في وقف هذه الحرب. كان ذلك هو المدخل المساعد من أجل حصر جهد الوسيط، في فرض شبكة هدنةٍ على مختلف المقاتلين، أي كانت مهمته محض داخلية تقريباً، وكان الآخرون الكبار إقليمياً ودولياً مؤيدين ومساعدين وداعمين للجهد.

في حين أن هذا الشرط الضروري واللازم معاً للمساعدة في إنهاء الأزمة في سورية، ليس متوافراً بعد، بل أن الأمر على العكس، إذ أن هناك مواقف متعددة متضاربة للقوى الخارجية المؤثرة، وهذه لم تصل بعد إلى حد أدنى من الشعور على الأقل بالمسؤولية الأخلاقية عن النكبة المستمرة، حتى تتفق على مبادئ معينة تسهّل أمر الوساطة السلمية. فمن الواضح جداً، أن بعض القوى العظمى ليست مهتمة بفرض صيغ معينة من التفاهمات لا تجد فيها مصلحة مباشرة لها في تضاعيفها، بل ربما هناك شبه إجماع على جعل هذا الاقتتال بلا نهاية في المدى المنظور، فماذا تفعل إرادة رجلٍ واحدٍ في مثل هذا الخضم من تعارضات الآراء والاتجاهات المحيطة بظروف الصراع السوري إذا لم يُعَوّض فراغ الخارج بظهور توجهات داخلية من قوى فاعلة في الميادين اللاهبة، وتكون عازمة حقاً على وضع حد للدم المهدور.

مثل هذا التصور لن يصح إلا عندما يدخل في روع الأطراف المتصارعة نوعٌ من اليقين بأن أحداً منهم لن يصل إلى الحسم الأخير لصالحه وحده دون الآخر، هذا اليقين سوف تغذيه نتائج المعارك العابثة على الأرض، التي لا تكاد تتجاوز خطوطاً حمراء أساسية في هذا الصراع، فإذا كان الاعتقاد سابقاً أن الثورة السلمية هي الناجحة في المآل الأخير، ولم يتحقق هذا الأمل، ومن ثم فإن الصراع العسكري لا يبدو أنه كذلك قادر على فرض نهاية معينة، فالنصر بالمعنى الرومانسي لهذا الفريق أو ذاك أصبح أمراً خيالياً متعذراً، لكن المشكلة هي صعوبة الإقرار بالواقع المتحصّل فعلاً، كأنه اعترافٌ بالهزيمة.

نعم فالأطراف مهزومة بالعنف، ولا ضير من الاعتراف بملء الفم بمثل هذه الهزيمة، لكن الاندفاع السريع نحو حد أدنى من تلاقي الإرادات قد يوفر على الجميع، وبالأخص على الوطن، أهوالاً لا حدود لها.

ليست الحرب سوى الوسيلة الأخيرة لمَنْ فَقَدَ كل الأسباب العقلانية لمواجهة المشكلة المستعصية، ولقد التجأ النظام إلى الحرب ضارباً عرض الحائط بكل الوسائل العقلانية الأخرى التي كان يمكنه أن يتبع بعضها لمواجهة الأزمة عندما لم تكن سوى مجرد احتجاجات شعبية محدودة. العجيب حقاً في هذا الموضوع هو التمسك اللامعقول بالعنف بأقصى أشكاله وأشنع وسائله، كان النظام مستعداً للمغامرة بكل مسؤوليته السياسية والأخلاقية أمام شعبه والرأي العام الدولي حوله، من أجل أن يكبح بعض مظاهرات شبه عفوية تخرج من قرى ريفية من وقتٍ إلى آخر. فالطريق الذي اختاره لم يكن ليصل به، مهما فعل، إلا نحو النهاية المعروفة التي لا تحتاج إلى براهين جديدة في علم السياسة أو في وقائعها التاريخية، فالنظام هو المسؤول عن طريق الأشواك الذي أراده لذاته وشعبه، والنتيجة الراهنة هي أنه هو أيضاً مازال المسؤول عن رسم مخرج لهذه النهاية، وليس صحيحاً أن إطفاء النار تفيد منه القوى الشعبية وحدها، بل لا بدّ لأن يفوز النظام بحد أدنى من سلامة بعض أشخاصه، كما يعتقد. أما التفكير في أن تستعيد الديكتاتورية كل أمجادها السابقة، وأن تحكم البلاد مجدداً كما فعلت خلال نصف قرن، فهذا أصبح من نوع الأوهام الجنونية.

لقد تغيرت سورية كلياً خلال هذه المحنة الكبيرة، كل شيء فيها أضحى معرّضاً لدلالات ومظاهر وتحولات مختلفة عن سابقاتها، والاختلاف يمسّ المؤسسات الكبرى قبل الصغرى.. مؤسسة الحكم لن تكون هي نفسها أبداً، وبالتالي لا بدّ للعقلاء في هذه اللحظة الحرجة من التفاهم حول مخطط لإنهاء الأزمة، ليس اعتماداً على بعض وسائلها بالذات من أدوات العنف أو سواه، بل بتحييد هذه الوسائل جملةً وتفصيلا.

إن مستقبل سورية لما بعد هذا النظام لن يكون من صناعة أية فئة مخصوصة بعينها، وإذا كانت بعض القوى الغربية متمهلة حتى الآن بانتهاج الضربة الحاسمة لخوفها من ورثة السلطة، فليس من المحتم أن يكون هؤلاء الورثة هم من الصنف عينه الذي استولى على حصائل الربيع في أقطار عربية أخرى. من هنا كان على الوساطة الدولية الجديدة أن تستفيد كثيراً من مبادئ التوازن التي نصَّ عليها اتفاق الطائف بالنسبة لإنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، هذا على الرغم من اعتراضات ذات قيمةٍ تقوم في وجه هذا الاتفاق، خاصة من فئة كبرى شعرت بأنها تتلقى نتائج الهزيمة أكثر من غيرها وهي فئة المسيحيين.

أيُّ منهج يمكن أن تخرج به هذه الوساطة لا يمكنه أن يُهمل وزن القوى الحقيقية لمكونات المجتمع السوري، فالديمقراطية المطلوبة ليست مجرد نظام انتخابي، ينبغي لها أن تتكيف بحسب ظروف المجتمعات التي تطبقها، لا بدّ أن يصاحب التفكيرُ الديمقراطي عمليةَ الوساطة منذ بدايتها، لا أن يتم النظر إلى أدوار قوى وفئات دون أخرى، إلا بقدر تأثيرها الفعلي، مع الاهتمام بالفئات الاخرى التي ليس لها تأثير حتى اليوم في مجمل الحياة السياسية العربية والسورية خاصة.

الامتحان الحقيقي للوساطة المختلفة المطلوبة من الأخضر الإبراهيمي، قد تتلخص في توفر الفهم الواقعي والشامل لكثير من خصوصيات الأزمة السورية. وهذا الوسيط المتميز ليس غريباً عن هموم القضايا العربية، فقد عايشها من داخلها كواحد من رواد دعاتها الإصلاحيين، ولعله يعرف استثنائية ما يُسمّى بالدور السوري بالنسبة للحدث السياسي العربي عامة، فالحلول المفكّر بها قد تتوقف على اختيار الأفضل منها ليس بالنسبة لمستقبل الربيع العربي وحده، بل لمستقبل النهضة المغدورة طيلة نكسات الربع الأخير من القرن الماضي، التي لحقت بها وشوّهت الكثير من معالمها، وحرّفت مسيرتها حتى أمسى أكثر أدعيائها من أبطال الثورة المضادة القاتلة لجوهر تلك النهضة، وسوف يتحمل النظام الأسدي المسؤولية العظمى عن أخطر انحرافات هذه الحقبة أمام كل نظرة تاريخية نزيهة تريد أن تطرح سؤال ماذا حدث لأول نهضة عربية في العصر الحديث؟ كانت واعدة بالتغيير الشامل لذاتها وحضارة الإنسان معها.

سورية اليوم، لا تحتاج فحسب إلى وقف سيول الدم الجارفة للأخضر واليابس للناس والعمران، بل حاجتها تتجاوز لحظة السلام المأمول إلى ما سوف يعنيه عصر السلام نفسه بالنسبة لحاضر المجتمع وغده القريب، ولذلك يعظم الشعور بالواجب الملقى على عاتق كل وساطة لا تهتم بقشور المشكلة بقدر اهتمامها بجوهر أسبابها، والعمل لا من أجل هدنةٍ عابرة بل من أجل عودة المجتمع إلى رشده وتمكّنه من إعادة بناء كيانه القانوني والثقافي والاقتصادي بإرادة معظم طلائعه المتنورة. فإذا كان الأخضر الإبراهيمي متهيباً من تعقد الأزمة، فله الحق في ذلك، لأنه يدرك عظم المسؤولية المترتبة على كل محاولة لرأب الصدع إن كانت تبلغ غايتها المنشودة أو أنها تضع على الجرح غشاوة لا تلبث أن تتمزق عن عفونة مخيفة.

المراقبون العارفون يدركون أن الوقت قد فات بالنسبة للتجارب والمحاولات المحدودة، كما أن الفشل أصبح من الخطر بحيث قد يصل بالواقع المحلي والإقليمي إلى أسوأ ظروفه، بهذا المعنى ينبغي القول ان الفشل ممنوعٌ، ولا بدّ أن يستمد الوسيط كل طاقةٍ له من أجل أن يُقنع الطرف المسؤول ليكفَّ عن إجرامه اللامحدود، وقد قلنا ان النظام كما كان هو البادئ نحو سلوك المجازر على أنواعها، فإنه ما زال ممسكاً بمفتاح أول للقفل الدموي. ينبغي أن يُوقف قتله لشعبه، فإذا ما تحقق هذا الهدف الذي أمسى أشبه بالمستحيل نظراً لتضاعف التناقضات الدولية حول حلوله ووسائله. إذا توقف النظام عن قصف المدن والأحياء والناس الآمنين في بيوتهم فذلك مدخلٌ وحيدٌ لمرحلةٍ أخرى من الحراك السياسي والدبلوماسي لا بدّ أن تتوصل في النهاية إلى وضع أقرب الى حكم التاريخ نفسه.

المطلوب في هذه المرحلة هو هزم العنف كيفما كان ومن أية جهة أتى، خاصة من الجهة المتملكة لقوى الإبادة العسكرية الشاملة.

لكن السؤال هو، ما الذي سيدعو النظام حقاً إلى سماع صوت العقل أخيراً، فيخفي أنيابه وأظافره ولو مؤقتاً؟ إنه لا يعترف بأقل الحدود من ضعفه وتمكن الاهتراء من كيانه، وقد يخيل إليه أنه قادر على تجاوز كل التحديات ما دامت اللعبة الدبلوماسية الدولية تخدم أهدافه بطريقتها، وفي الوقت ذاته ليست الثورة مرشحة لأن تنقلب كلياً إلى مجرد جيش مقاتل، فهي لم تخسر سلميتها الأصلية، كما أنها لن تدع نفسها تقاد بالمليشيات العسكرية، هذا يعني بكل بساطة أنه لا أمل حقيقياً للفرد في الإطاحة بالسلطة الغاشمة إلا بقوة عسكرية من جنسها تكون أقوى منها، ولن تتوفر هذه القوة إلا من الخارج فحسب. وهذا أصبح خطاً أحمر ممنوعاً، فما العمل إذاً.

لم يبق ثمة إمكانية لضغط مادي في يد الوساطة السلمية سوى قدرة الوسيط ذاته على الاقناع بالمعقول المتبقي كفرصةٍ أخيرة، لن يكون بعدها أيُ مجالٍ للتوسط على أنواعه.

كل حربٍ لا بد لها من نهاية، مهما تفاعلت أحداثها وتشابكت عواملها المتناقضة، ولقد حان وقت النهاية بالنسبة لمصير هذه المذابح المتناسلة من بعضها في سورية. فمن عقلانية القدر أو من سخريته أحياناً، أن المتورطين في الدماء لا بد لهم من منقذٍ أخير من جحيمهم الذاتي، لن يأتي منهم بل هو منتظرٌ من أية جهة كانت، شرط أن يكون قادراً على فعل ما يشبه المعجزات، وإن لم يكن العصر العربي واعداً بأمثالها في هذه الأيام، لكنه على كل حال قد أتى بنسائم الربيع، وحوّل بعضها إلى أعاصير، وكانت سورية هي الساحة المتميزة بالإعصار الأخطر. فالتحدي بالغ الأوجه، ولكن محاولة الحلول السلمية لا تزال أيضاً واثقة بجدواها..

‘ مفكر عربي مقيم في باريس

القدس العربي

الأخضر… يا حصرم الأسد!

    راجح الخوري

كثر الطبّاخون ولكن ليس على النار سوى أجساد السوريين ومنازلهم. واضح ان الطبخ طويل، وواضح ان النفخ في النيران أطول، فبعد 18 شهراً من الدمار والمآسي بات من المؤكد ان العالم مستقيل من المأساة وان كل البيانات والاجتماعات ملهاة تافهة على حافة نهر من الدم.

هكذا يخرج الاخضر الابرهيمي من دمشق “يا حصرماً” خالي الوفاض من أي تصوّر للحل تماماً كما دخلها. فاذا كان يريد فعلاً “الاستماع الى كل الاطراف الداخليين والاقليميين والدوليين”، كما اعلن يوم السبت بعد لقائه بشار الاسد، فإن ذلك يعني انه سيدخل في متاهة ومن الصعب ان يصل الى حل لا يصطدم باعتراضات، ولا بد انه يتذكر جيداً ان الجامعة العربية فشلت على امتداد اشهر، وان مجلس الامن عطّل بالفيتو الروسي – الصيني، وان اجتماعات “اصدقاء سوريا” لم تؤد الى شيء، وان عليه الا يشتري مزيداً من الوقت للنظام لتصبح مهمته “رخصة جديدة للقتل” كما تتخوف المعارضة!

ان العودة الى تصريحات الابرهيمي عشية قبوله خلافة كوفي انان تؤكد انه كان في نزاع ذاتي بين”الوضع الانساني” الذي لا يجوز للمرء ان يرفضه وبين “السياسي الميداني” الذي لا يستطيع المرء ان يجد حلاً له، ولهذا قال:”كيف يستطيع المرء ان يرفض القيام بمهمة توقف المأساة في سوريا”؟

ولكن بعد اربعة ايام في دمشق لم يتمكن من ان يوقف رصاصة واحدة، بينما استغل النظام زيارته للحديث تكراراً عن مؤتمر لمعارضة الداخل التي يضعها في ثلاجته، في محاولة لاسقاط معارضة الخارج والمضي في القول ان “الجيش السوري الحر” مجموعة من “الارهابيين”، ولهذا اعلن الاخير: “نحن واثقون من ان الابرهيمي سيفشل كما فشل الموفدون الذين سبقوه لكننا لا نريد ان نكون السبب، فالفشل مرده الى ان المجتمع الدولي لا يرغب في مساعدة الشعب السوري”.

عملياً، كشفت مواقف النظام انه استغل زيارة الابرهيمي لدفن خطة كوفي انان ونقاطه الست، وخصوصاً الدعوة الى وقف النار وسحب الدبابات من المدن ليذهب الى الحديث عن “مواصلة محاربة المتمردين والبحث عن حل يرتكز على رغبات السوريين” الذين يخرجون من عباءته طبعاً!

مهمة الابرهيمي ستضيع في خضم المبادرات الكثيرة الفاشلة وآخرها مجموعة الاتصال الرباعية (مصر، تركيا، السعودية، ايران) التي اطلقها محمد مرسي والتقطتها طهران، التي تؤكد علناً مساعدتها للنظام عسكرياً وتريد ضم العراق وفنزويلا الى هذه المجموعة لتعطيلها، اضافة الى تحرك روسيا مجدداً في اتجاه مجلس الامن في محاولة لتمرير”اعلان جنيف” الذي تريده ان يسقط الجوهر”المبادرة العربية” بالغاء مبدأ الانتقال السياسي!

النهار

هل بدأت خطوات الإبراهيمي متعثرة؟

د. نقولا زيدان

تبرز ملامح الإخفاق واضحة بجلاء على مسعى أو مبادرة الأخضر الابراهيمي تماماً كما سادت التوقعات واستشرف المراقبون المحللون منذ ان اتخذ من القاهرة الأسبوع المنصرم موقعاً ليجري من خلاله الاتصالات مع عواصم الدول الاقليمية المؤثرة في الأزمة السورية. لا بل تسنى له أن يطلع مباشرة على وجهات نظرها خلال الاجتماع الرباعي الاقليمي الذي دعا إليه الرئيس المصري محمد مرسي والذي ضم بالإضافة إلى مصر كلاً من السعودية وتركيا وإيران. ومن المرجّح أنه والآخرون قد سمعوا من نائب وزير خارجية الجمهورية الإسلامية كلاماً متشدداً فيه من التصلب في الموقف الايراني حيال الازمة المطروحة للنقاش ما لا يبعث بتاتاً على التفاؤل والارتياح. وتذهب بعض التسريبات للحديث عن تهديدات إيرانية بإشعال منطقة الشرق الأوسط برمتها في حال إسقاط نظام بشار الأسد بالقوة كما تدل المؤشرات الميدانية، حيث فقد حليفه السوري عملياً السيطرة على كبريات المدن مثل حلب وحمص وحماه ودرعا ودير الزور وادلب بل تدور المعارك في دمشق العاصمة نفسها حيث يتدخل الطيران الحربي لايقاع أكبر الأضرار الممكنة في الأحياء الثائرة من دون أن يتمكن من سحق الانتفاضة.

وما إن وطأ الأبراهيمي أرض دمشق وقابل الأسد حتى فوجئ بكلام قطع فيه الرئيس السوري الطريق على أية محاولة جدية يقوم بها الابراهيمي للخروج بالأزمة السورية من النفق الدامس الذي تتخبط فيه. ويروج الاسد الآن لبدعة جديدة يحاول من خلالها جرّ الابراهيمي إلى موقع يتحوّل من خلاله المندوب الدولي والعربي إلى ألعوبة بيده. ومفاد هذه البدعة هو ضرورة الفصل بين المسار السياسي للأزمة وما يجري على الأرض. أي أنّ ما هو مطلوب الآن برأي الأسد هو بذل جميع المساعي والمبادرات جهدها للوصول بالأزمة إلى تسوية سياسية ترتكز إلى حوار سياسي مع المعارضة تبقيه هو في السلطة، من دون أن تتوقف في المقابل الآلة العسكرية الاسدية عن شن حرب داخلية تدميرية أفلتت من عقالها كما تثبت الوقائع الميدانية “على الأرض”. فعن أية مطاردة وملاحقة أو ضرب للعناصر الإرهابية يتحدث وهو يعمد إلى ضرب المدن بأكملها بالطائرات الحربية والمروحيات ومدافع الدبابات البعيدة المدى، بل سحق قرى بأكملها ومحوها عن الخارطة، فهل يعقل أن يصل به الأمر إلى تفجير الأحياء بأبنيتها وسكانها وشوارعها ببراميل الـTNT؟ إنّ ما يدور على الأرض هو نفسه ما يفضح ادعاءات الاسد وما تبقى من نظامه المتداعي بأنه بصدد استئصال بعض الإرهابيين الذين ينفذون مؤامرة دولية مزعومة.

إنّ ما يجري في سوريا الآن هو ثورة شعبية مسلحة ضدّ نظام ديكتاتوري دموي فاشي وليست حرباً أهلية بين طوائف ثائرة وأخرى موالية كما كانت الحال في لبنان. إنّ طائفاً سورياً مماثلاً لاتفاق الطائف اللبناني هو ضرب من الأوهام يروّج له نظام بشار الاسد الآن وكما ينسبه بعضهم للأخضر الابراهيمي, ربما لأنّ الابراهيمي ما زال يحمل في عقله وذاكرته ونهجه آثار الحروب الاهلية التي وصل بها إلى تسويات سياسية مقبولة.

إنّ تصريح رئيس أركان الحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري الذي أكد فيه وجود عناصر وضباط من هذا الحرس في سوريا ولبنان، لتقديم الخبرات التقنية والاستشارات بوجه المعارضة المسلحة التي تهدد النظام الأسدي، يهدف إلى أمرين: الأول توجيه تهديد لدول المنطقة والخليج تزامناً مع المناورات الضخمة المتعددة الجنسية في خليج وبحر عمان وبحر العرب. والثاني: وضع اللمسات الأخيرة على تحوّل الأزمة السورية وحرب التحرير الشعبية إلى أزمة اقليمية ودولية.

إنّ المعلومات التي أصبحت مؤكدة على ان عناصر من فيلق القدس وهو تابع للحرس الثوري الايراني متورطة في دعم مباشر وعملاني للنظام الأسدي تدل الى أي مدى ساءت أوضاع الآلة العسكرية الأسدية، كما ان المعلومات التي تؤكد تورط حزب الله اللبناني في المعارك الدائرة الآن في سوريا (حوالى 2000 مقاتل) لتدل الى حد يربط الحزب المذكور مستقبله ليس بالنظام الايراني فحسب بل بالنظام السوري الأسدي.

ثمة حلقة لوجستية في غاية الخطورة لا يجوز الاستخفاف بها بين النظام الايراني والنظام العراقي الغارق في الممارسات المذهبية حتى أذنيه، مروراً بسوريا ووصولاً إلى لبنان. فنظام نوري المالكي يمرّر لوجستياً عبر العراق الأسلحة والمقاتلين إلى سوريا ولبنان، وقد سبق له في غير مرة ان فتح أجواءه للطيران الحربي السوري في غاراته الانتقامية على البوكمال والقائم ودير الزور. وعلينا أن نأخذ على محمل الجد تصريحات طارق الهاشمي في هذا الاطار. انه في الوقت الذي يخيم الفشل على مهمة الأخضر الابراهيمي والذي يحضر فيه لمؤتمر دولي اقليمي يتصور انه من خلاله بمقدوره فرض تسوية على سوريا على غرار اتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية في لبنان، يتساءل اللبنانيون بحق عن حقيقة ما تفعله بعض عناصر فيلق القدس الايراني على أرضهم. فإن كان هؤلاء يحضّرون بالتعاون مع حزب الله لمغامرة عسكرية جديدة مماثلة لحرب تموز 2006 في حال حدوث أية مواجهة عسكرية بين إسرائيل واميركا من جهة وإيران من جهة اخرى، فمن حق اللبنانيين أن يصابوا بالذعر الآن من فرط خشيتهم ان يتحول لبنان في معمعان هذه الحرب الى رماد.

المستقبل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى