صفحات العالم

من واقعتي حمص وحماه إلى معركة حلب: عجز دولي مستمر أم نقطة تطفح الكأس؟


    روزانا بومنصف

مع انطلاق التجاذب الدولي حول سوريا قبل عام كان بعض وزراء الخارجية الغربيين يسأل ما هو عدد القتلى الذي ينبغي ان يسقط قبل ان تتدخل الدول او تتوافق من اجل ان تتخذ موقفا حاسما من الوضع السوري؟ وكان كل من وزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الفرنسي السابق آلان جوبيه أكثر من أثار هذه النقطة ليتبين بعد سنة ان المجتمع الدولي وكل الدول تستطيع ان تتحمل سقوط عدد كبير من الضحايا وقد تجاوز أخيرا الـ20 ألف ضحية في سوريا من دون ان تتحرك على نحو فاعل ومجد. وتستعيد مصادر سياسية هذه الوقائع لتشير الى المواقف الدولية التي اكتفت على عتبة تحضير الرئيس السوري بشار الاسد لشن حرب على حلب بالتحذير من وقوع مأساة، كما ورد على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف محملا الغرب وجيران سوريا تبعة اراقة الدماء، او “دعوة” الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون النظام السوري الى وقف الهجوم على حلب، او إعلان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان انه “لا يمكننا ان نلتزم الصمت امام ما تفعله قوات الاسد في حلب”، ودعوة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند مجلس الامن الى التدخل في اسرع وقت ممكن لوقف المجازر في سوريا وما الى ذلك من مواقف تشكل هذه النماذج بعضها ولكنها تصب في اطار “تبرئة الذمة” اذا صح التعبير ورمي الكرة في ملعب الآخرين. ولا يبدو طبيعيا في الزمن الراهن ان تكتفي الدول الكبرى من التحذير من وقوع مجزرة وتتوقع حصولها من دون ان تمتلك الوسائل او تستخدم الوسائل المناسبة للحؤول دونها ومنع سقوط المزيد من الضحايا، على رغم ان الدول الكبرى سبق ان شهدت وقوع مجازر كبيرة في البوسنة وفي سواها من دون ان تتحرك الا بعد حصولها. فهل تكون معركة حلب والضحايا التي يمكن ان تضيفهم الى اللائحة الطويلة من الضحايا السوريين النقطة التي يمكن ان تغيّر مجرى الامور لجهة اثارة الحمية الدولية في سبيل وضع حد لما يجري؟ ام ان الدول الكبرى ستستعيد التحذيرات التي وجهت قبل موقعة حمص وحماه باعتبار ان مواقف مماثلة صدرت قبل اشهر في الاطار نفسه؟ وما هو العدد المحتمل للضحايا والذي يمكن ان يرسم خطا فاصلا بين وصف ما يحصل مجزرة ووصفها بتعبير آخر؟

تقول المصادر ان المواقف الدولية المعلنة توحي فعلا العجز عن اتخاذ المواقف الحازمة والرادعة لاحتمال حصول مجزرة في المدينة، فضلا عن كشفها مدى الانقسامات التي لا تزال قائمة حول الموضوع السوري من دون اي تغيير فعلي قياسا على تبجح الغرب بحصول تغير في الموقف الروسي في وقت سابق لدى لقاء مجموعة العمل حول سوريا في جنيف والاتفاق على مرحلة انتقالية. وهذه التحذيرات هي بمثابة انذارات ضمنية بان وقوع مجازر قد يرتب رد فعل مختلفا عما حصل حتى اليوم. فسقوط عدد كبير من الضحايا سيلقي باللائمة على كل الدول وليس على واحدة من دون الاخرى لعدم القيام بأي عمل يمنع حصول المجازر، ويمكن ان يثير ضجة اعلامية وسياسية كبيرة مؤثرة. ولفت هذه المصادر صدور مواقف في الصحافة الاميركية تحذر الادارة الاميركية من ان زمن الانتخابات الرئاسية لا يبرر التهاون في احتمال او انتظار حصول مجازر من اجل البناء على الشيء مقتضاه. فالمسؤولون الاميركيون يدافعون عن مواقف بلادهم بالقول انها حازمة وجدية وان النظام السوري ساقط لا محالة، لكن زمن الانتخابات يقيد حركة الرئيس الاميركي ويشل قدرته على اتخاذ قرارات بالتدخل في اي مكان من العالم. ودور الولايات المتحدة في هذا الاطار حاسم واساسي باعتبار ان لا تحرك من دونه اقليميا او غربيا وقد يكون سببا لمحاولة تعزيز المواقع والاوراق في اعادة كسب الارض قبل الخريف المقبل واتضاح معالم الاتجاهات النهائية حيال التحرك المحتمل الذي سيعتمد ازاء النظام في سوريا.

الا ان الاكتفاء بالتحذير من مجازر لا يبدو كافيا، وليس واضحا ما اذا كان الاسد سيتجنب التسبب بمجازر كبيرة يمكن ان تكون مبررا لتدخل من اي نوع كان ضده، او انه سيضع المجتمع الدولي امام الامتحان مجددا في عمل من هذا النوع بعدما اطمأن منذ زمن بعيد الى ان لا تدخل ضده على غرار ما حصل في ليبيا، كما اطمأن الى حماية روسيا له ووقوفها بجانبه وتوجيه وزير الخارجية السوري وليد المعلم من ايران الشكر للافروف على مواقفه في حين يسعى الاخير الى النأي ببلاده عن دعم الأسد او تبنيه.

وتخشى المصادر ان تكون الامور في سوريا اصبحت اكثر تعقيدا مما كانت قبل عام وكذلك التدخلات المباشرة، بدليل المواقف الايرانية المتقدمة في دعم الاسد وتحديه اي عملية انتقال سياسي، وكذلك استمرار المواقف الروسية على حالها، وتاليا قد تكون المعالجات اختلفت سواء برد فعل على مجازر محتملة او اي امر آخر.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى