صفحات العالم

التدخل، أو عدم التدخل، في سوريا


جوردي باكير **

ترجمة: الحدرامي الأميني

القيام بفعلٍ ما في هذا البلد بدون ضمان عدم التسبب في المزيد من المعاناة للناس سيكون عملاً غير مسؤول

وصلت مهلة الأمم المتحدة الأخيرة لنظام الأسـد من أجل تنفيذ الخطة المقترحة من كوفي أنان إلى نهايتها يوم الثلاثاء. لكن يبدو أن أفعال حكومة دمشق، مثلها مثل أقوالها، تشير إلى أن الاتفاق سيبقى حبراً على ورق. وتشتد الحملة القمعية للقوات الموالية للحكومة، لكن المواطنين المعارضين للنظام لا يستسلمون ويستمرون في الاحتجاج في سوريا كلها. أمام حالة كهذه، تتزايد كل يوم الأصوات التي تطالب بعدم الالتفات إلى التفاوض مع النظام والتدخل عسكرياً. ألا يتحمل المجتمع الدولي المسؤولية نفسها عن حماية السوريين كما تحملها عن حماية الليبيين؟ هذه حجة قوية، لكننا لا نستطيع التعامل معها بمعزل عن السؤال الحاسم: كيف سيكون هذا التدخل؟. بتحليل الأجوبة الأكثر شيوعاً عن هذا السؤال، يبدو التمسك بخطة عنان، أو ما سيليها، والاستمرار في الطريق الديبلوماسي، الخيارَ الأقل سوءاً.

خيارات التدخل تتلخص بشكل أساسي في اثنين: عملية عسكرية دولية رغماً عن النظام السوري، أو تسليح الجماعات التي تقاوم القمع. الخيار الأول لا يحظى بدعم قسم هام من المجتمع الدولي، وخاصة روسيا والصين. أضف إلى ذلك، أنني لم أقرأ في هذه الشهور أية خطة مقنعة للتدخل. معظم الناس يتحدثون عن الممرات الإنسانية والمناطق الآمنة والعازلة. لكن من الناحية العملية ليس هناك مناطق محررة للدفاع عنها، وإنما هي فراغات متقطعة، مدن أو أحياء، يستحيل الدفاع عنها دون وجود عسكري كبير على الأرض. وفيما يتعلق بالمناطق العازلة من أجل اللاجئين. أليس أمراً أكثر سهولة وأماناً تقديم الدعم الاقتصادي للبلدان المستضيفة بدلاً من الإبقاء على اللاجئين في الأراضي السورية تحت الاحتلال الدولي، مع تعرضهم للتهديد من قِبَل الأسـد؟

الخيار الثاني الذي يكثر ذكره هو تسليح جماعات المقاومة، وهو شيء قد تكون المملكة العربية السعودية وقطر تقومان به بالفعل. إن هكذا تدفق للأسلحة لا يبدو أنه سينتج عنه عدد أقل من الموتى على المدى القصير أو تغيير للنظام بدون تدخل خارجي، وهو يحمل معه بالفعل خطر الانزلاق إلى عنف قابل للتكرس، وعذاب للبلد على مدى سنوات، كما حدث في لبنان والعراق.

لا يصدر جميع من يؤيدون الخيار العسكري عن همٍّ وقلق إنسانيين صارمين. فالتدخل الدولي في سوريا يمكن أن يكون بديلاً عن الحرب المفتوحة ضد إيران التي يريدها بعض الصقور (في القدس، واشنطن، والرياض). وحيث أن هجوما مباشراً على الأراضي الإيرانية قد يكون له آثار كارثية مُحتَمَلَة تمتد من البحر المتوسط إلى آسيا الوسطى (وعلى أسواق البترول والغاز) فإن حرباً غير مباشرة قد تكون خياراً جيداً بالنسبة لأعداء طهران. فسوريا، الحليف الأفضل لإيران في الشرق الأدنى، يمكن أن تتحول إلى ساحة حرب في المعركة الجيوبوليتيكية. والجماعات الأهلية والمواطنون السوريون سيصبحون مجرد بيادق، يُستعملون عند الحاجة ويُرمون حال انتهائها، ودوامة العنف قد تجرف الجار اللبناني. هذا هو المشهد الذي يجب تجنبه مهما كان الثمن: حل من أجل سوريا قائم على مصالح القوى الخارجية وليس على مصالح السوريين. حتى في صفوف الثائرين هناك خوف من تدخل ينتهي بسوريا إلى الحالة التي يوجد فيها بلد جار آخر، العراق.

في الوقت الراهن تجنب الأسـد تدخلاً كالذي أطاح بصدام حسين والقذافي، وهو يبذل كل ما في وسعه لسحق الثورة قبل أن تؤدي إلى تدخلات خارجية. من المستحيل أن نعرف كم من الدعم تبقى له، وبشكل خاص، الدعم الذي هو ثمرة الخوف من النظام، أو الخوف من مواجهة طائفية، أو من الاثنين معاً. لكن الأمر المؤكد أكثر من أي شيء آخر هو التصميم الذي لا يتزعزع للمعارضين على تغيير الحكم. الوقت في صالحهم: فالشيء الذي تأخر أياماً في مصر، وأسابيع في تونس، وشهوراً في اليمن، يمكن أن يتأخر إلى سنوات في سوريا، لكن لا يبدو أن التيار العميق الخفي أقل قوة. فما حدث ليس انتفاضات محلية، وإنما هو انقلاب كوبرنيكي (جذري) في الوعي السياسي للسوريين، أثبت النظام السوري الحالي أنه غير قادر على احتوائه.

بالنسبة إلى المجتمع الدولي سيكون عملاً غير مسؤول القيام بالتدخل بدون ضمان أن لا يؤدي التدخل إلى معاناة أكبر للسكان المدنيين الذين يدعي حمايتهم، أو المخاطرة بالوقوع فريسةً لمصالح جيوبوليتيكية لا علاقة لها البتةَ بالاعتبارات الإنسانية. التدخل بشكل سيء، حتى لو كان بنية طيبة، هو أسوأ كثيراً من عدم التدخل. وليس هذا هو الوقت لاستبعاد أي محاور، ولا حتى الأسـد نفسه. إن المهل الديبلوماسية، والآمال المُحطَّمة، والعودة إلى نقطة الصفر، هي أمور مُسخِطة بينما تحدث وسط المجازر. لكن الهمَّ الإنساني المشروع لا يمكن أن يجعلنا نغفل، يوماً بعد آخر، عن أن التدخل العسكري، المباشر أو المستتر، يمكن أن يسهم في إغراق سـوريا في دوامة من العنف المدمِّر.

** مدير المركز الدولي للدراسات والتوثيق في برشلونة.

– صحيفة ال باييس الاسبانية

http://internacional.elpais.com/internacional/2012/04/09/actualidad/1333996684_788199.html

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى