محمود عباس
شكك باحثون في نزاهة العديد من المعارضين السوريين في الخارج، وبينوا عن فضاحة اختراقات السلطة لمعظم مؤتمرات المعارضة الخارجية، نشر البعض، تاريخ شخصيات من الذين عينوا في قيادتها، وبينوا عن انتماءاتهم للسلطة، وهي في الحقيقة، أعضاء من حزب البعث. من هذا المنطلق، كانت الاتهامات متنوعة، لكنها شبه دامغة، من خلال الأدوار التي لعبوه لخلق التشوهات الموجودة في المعارضة الخارجية، ودورهم الواضح، في تشتتها وتلكؤها عند العديد من القرارات، وخلقهم الصراع بين التيارات المتنوعة. لم يكن دور البعث ليقل عن دور التيارات الإسلامية السياسية في هذه العملية، والتي أدت إلى تأخر فظيع في نجاح الثورة حتى اللحظة، وظهور تأويلات عديدة لها، وخروج زمام القرارات والتأييد الكلي للثورة وتغيير السلطة في سوريا من المنطقة إلى الإطار الدولي.
لم تكن السلطة السورية بهذه الحنكة، لولا خبرة البعث في لعب الأدوار السياسية. يريد حزب البعث منذ بداية الثورة، دمج مصالحه الخاصة مع مصالح المعارضة الخارجية، لإضعاف أو القضاء على النظام الأمني الشمولي، وإلغاء سيطرة ضباط الجيش على الدولة، يحاول جاهداً إعادة مركزها كحزب حاكم مطلق الصلاحيات، كتلك الفترة التي كانت تصدر فيها القوانين العنصرية الاستثنائية، ومراسيم القيادة القطرية التي لم تكن تقل بشاعة عن مراسيم السلطة التنفيذية الشمولية نفسها، تبحث عن إعادة الفترة التي كانت تصول فيها، ضمن مجتمع رازح تحت الأحكام العرفية، وحيث السلطات الثلاث كانت تابعة لإيديولوجيتها المطلقة.
أصبح البعث في العهود الأخيرة واجهة شكلية تتلاعب به السلطة الأمنية الشمولية، تغيرت الأدوار، والقيادة القطرية أصبح هيكل فارغ المعنى، كثيراً ما استخدم في تأويل بعض القوانين الاستثنائية الجائرة، حتى أن العديد من القرارات التي كانت تصدر باسمها كانت لتبرير السلطة الشمولية من بشاعتها، أو لتشويه سمعة البعض من قادة البعث، وكان إلغاء المادة الثامنة من الدستور آخر مسمار في نعش سلطة البعث، وتأكيد على مطلقية القوة العلوية على الدولة السورية.
سيطر البعثيون على سوريا، دمجوا السلطات الثلاث ببعضها بمطلقه، غيروا في الرؤساء، خدمة لطغيان إيديولوجيتها، بقي الحزب الحاكم رغم المشاركة الاسمية لبعض الأحزاب معها في السلطة. إلا أن نجمه بدأ يأفل، منذ بداية رسوخ سيطرة الأقلية العلوية على السلطة السورية، عن طريق الانقلاب العسكري الذي قاده حافظ الأسد، تغيرت موازين القوى، مابين البعث وضباط الأقلية العلوية، الذين انتشروا في كل ثنايا الإدارات الأمنية وقيادات الجيش، فرضوا أنفسهم على جميع ثنايا المجتمع، الاقتصادية، والعسكرية، والثقافية، والسياسية، سخروا اسم الحزب في العديد من المجالات كواجهة، إلى أن دمغت سوريا تحت لهجتهم الخاصة، باستثناء البعض المثقف منهم وشريحة بسيطة لم يكن لهم مركز.
رغم استمرارية ماهية الحزب، اعتمادا على المادة الثامنة من الدستور السابق، وإقامة الدورات التثقيفية والتدريبية وعقد المؤتمرات القطرية أو الوطنية باسمه، لكنه في الحقيقة كان قد أصبح هيكلاً فارغاً من القوة، والسيطرة، عزل الأسدين، الأب بشكل خاص، والابن بمساعدة القوى العلوية العسكرية، قادته من القيادة الفعلية، حزب أصبح يتبع القيادات العلوية العسكرية أو الأمنية، فصل المعارضون منهم، ونفي البعض، أمثال الخدام، لكن الباحث في حقيقة الحزب، كان يستطيع أن يستشف على أنه هناك البعض منهم من لا يوافق على الدونية التي أسقط الحزب فيه، لكن الطغيان العلوي كان أفظع من أن يتجرأ قادة الحزب غير العلويين على المنافسة، فلزموا الصمت.
بدأت الثورة السورية، وشعار ” إسقاط النظام ” في بعضه تلاءمت ومدارك البعض البعثيين، بحثوا عن حيثيات متنوعة، للتناهي مع الثورة، وكما ذكرت سابقاً، فقد شاركوا في مؤتمرات المعارضة في الخارج، تحت مسميات متنوعة، في الوقت الذي كانوا ضد الثورة في الداخل، أصبح لهم بعض الشخصيات في اللجنة التنفيذية في المجلس الوطني السوري، ربما بشكل غير مباشر، لكنهم لم يجدوا الملاذ الآمن، أو التربة الفكرية المناسبة في المجلس الوطني السوري، فكان شعار ” إسقاط النظام ” بكليته لا تخدم غاياتهم، لذلك اتجهوا إلى إقامة معارضة داخلية مغايرة وتحت واجهة أحزاب قومية عربية سورية مهترئة، ليس لها قاعدة جماهيرية، فكان مؤتمر دمشق، وتشكيل المعارضة الداخلية تحت اسم ” هيئة التنسيق للتغيير الديمقراطي الوطني في سوريا ” المؤتمر الذي لم تعترضه الشبيحة والقوى الأمنية، وحصلت على موافقة ضمنية من السلطة السورية، لرفعهم شعار الحوار مع السلطة، والوقوف بقوة في وجه التدخل الخارجي، وغيرها من المواقف التي تنم عن عمق التلاقي بينهم وبين السلطة السورية الحاكمة، ومن المؤسف مشاركة أحد أكبر الأحزاب الكردية فيها، الحزب الوحيد الذي له قاعدة جماهيرية بين المجموعات الشكلية الموجودة في ” هيئة التنسيق..” وليس الكتلة البعثية التي تعطيها الثقل الحقيقي كمعارضة موجودة، و تلعب الأدوار الدولية المتماشية مع السلطة السورية من حيث المنطق السياسي وليس الأمني، وفعلاً رفعوا شعار ” إسقاط النظام ” مع تأويل داخلي، وهو أن إسقاط النظام ” الأمني ” وليس ” السياسي ” وهم بهذا يعلنون الحرب على النظام العلوي، أي على سيطرة الضباط والفروع الأمنية، وليس على الفكر السياسي، أو ثقافة البعث، والبنى الاقتصادية والاجتماعية التي تعود مداركها في أغلبه إلى إيديولوجية البعث.
سخروا لهذه الخطة شخصيات ذات خلفية ثقافية، عنصرية قومية، لا تقل عن شوفينية البعث العربي، مع تسخير للعديد من الأحزاب الكردية التي تجد نفسها الآن في المجلس الوطني الكردي والقريبة في بعضه من المجلس الوطني السوري، رغم تلكؤها حتى اللحظة من رفع شعار إسقاط النظام. وفي هذه السيرة نود أن نذكر مدى هشاشة مواقف الأحزاب الكردية، كمواقف ب ي د ومواقف الذين في المجلس الوطني الكردي! حيث الضياع في أروقة سياسة البعث وغيره من القوى العروبية العنصرية.
انبثاق تصريحين متشابهين، حول القضية الكردية في سوريا، من قيادة المجلس الوطني السوري، السيد برهان غليون، ومنسق هيئة التنسيق الوطنية، السيد حسن عبد العظيم، تأكيد على تجسيمهما لمفاهيم البعث، وتأثرهما العميق بإيديولوجيتها العنصرية تجاه القوميات والأقليات الأخرى في سوريا، وتثبيت على أن للبعث تأثير واضح المعالم في المعارضة السورية الخارجية. وسوف تؤدي هذه البنية الهشة للمعارضة السورية الخارجية إلى تطويل زمن الصراع بين الثورة والسلطة الطاغية وقواها المخفية، ومن خلفها سيحاول البعث جرف المعارضة الخارجية إلى طرق تبحث عن الحوار مع السلطة، وفي مقدمة هذه الخطوات، إيجاد الأساليب التي ستوحد مابين المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق ذات الكتلة البعثية المسيطرة، وبمشاركة أحد أكبر الأحزاب الكردية.
تشتت الحراك الكردي، وانقسامهم بين بعضهم، ووجودهم على شكل كتل مختلفة الآراء والرغبات حول الثورة السورية، وفي ساحات المؤتمرات الخارجية للمعارضة، تبين عن ضحالة في المدارك السياسية، وضعف في المواقف، تجرفهم إلى دونية أمام المجتمع الكردي أولاً قبل المعارضة، والهيئات الدولية، و المستقبل القادم لهم، بهذا التشتت والصراع الغير مباشر، تنبأ عن مستقبل مظلم، حتى بعد سقوط السلطة، في أيدي تيارات متنافرة، كالتيار الإسلام السياسي، الذي لا يقل عروبية عن التيار القومي العنصري، كتياري حسن عبد العظيم أو برهان غليون، في الجهتين. لو كانت الحركة السياسية الكردية موحدة، لتمكنت من التأثير على مسار المعارضة الخارجية، بتقديم دعم فعلي للثورة ومسارها، ولربما استطاعت أن تقف في وجه التغلغل البعثي في المعارضة الخارجية!.
الأمل لا يزال قوياً بحدوث تغيير كلي في بنية المجلس الوطني السوري، وتنقيته من الخلايا الفاسدة، وعلى قدرة القوى الوطنية الموجودة في هيئة التنسيق إبعاد عناصر البعث منه، وتقريب مواقفها من مواقف الثورة الحقيقية والتي تتمثل في ” إسقاط النظام ” بكليته. نجاح الثورة في الزمن القادم جدلية مؤكدة، وهي في خضم البعد الزمني، قرب أو بعد نهاية إسقاط النظام بكليته. ولا شك أن القوى الكردية التي لا تزال تتمرغ في ضحالة الجهل السياسي، توحيدها أو تشتتها، سيلعبان دور رئيساً في تقوية أو ضعف المعارضة، ومن ثم تقصير أو تطويل عمر السلطة.
الولايات المتحدة الأمريكية
ايلاف
