صفحات العالم

الإقليمي قبل الدولي/ محمد ابرهيم

 

 

فيما تتوسع دائرة المنخرطين في الحرب الجوية على “داعش” بانضمام بريطانيا وتفعيل دور المانيا، تتوسع أيضا دائرة المقتنعين بأن سلاح الجو وحده لا يستطيع حسم المعركة، وأنه بحاجة الى قوات أرضية تستفيد من المظلة الجوية الدولية لدحر التنظيم الإرهابي.

في موازاة ذلك تبدو الأطراف الغربية قاطعة في استبعاد تطوير مساهمتها الجوية في اتجاه أرضي، لا الآن ولا في المستقبل. حتى روسيا التي دخلت بزخم على خط الحرب السورية، تبدو حذرة وحريصة للغاية في تعاطيها مع فكرة المساهمة البرية المباشرة.

لذلك تقتصر المساعي على حل مشكلة مساهمة الجيش السوري في عمليات مشتركة مع المعارضة ضد “داعش”، لا يقف دونها حتى الآن سوى العقدة المعروفة المتعلقة بموقع الرئيس السوري في التسوية المنتظرة. لكن حتى لو فرضنا أنه أمكن الوصول إلى حلّ، لفظي أوفعلي، لهذه العقبة ما الذي يضمن أن تصبح معركة استئصال الإرهاب في سوريا مضمونة النجاح؟ والذي يدفع إلى طرح مثل هذا السؤال هو المقارنة بين الوضعين السوري والعراقي. ففي العراق حكومة شرعية تحظى باعتراف المعسكرين الدوليين- الإقليميين المتقاتلين فوق سوريا، ومع ذلك عجزت هذه الحكومة، وعجز جيشها المدعوم بقوات الحشد الشعبي الشيعي والصحوات السنية المتجددة، عن استعادة الموصل والرمادي، مع أن الغطاء الجوي متوافر.

المشكلة ليست طبعا في أن “داعش” لا يقهر، لكن القوات الأرضية المطلوبة لقهره لا يمكن أن تتوافر بالاستناد إلى تسوية ملغومة في سوريا، والى كيان سياسي في العراق يحظى بالاعتراف العام، ظاهرا، لكنه ما زال يثير تحفظا إقليميا سنيا مضمرا. وبين قصور الجيشين السوري والعراقي عن تحرير بلديهما، والاستبعاد الكامل لتدخل بري دولي لاعتبارات تتعلق بتجربة العقد الماضي في العراق وأفغانستان، يأتي دور التدخل البري الإقليمي بصفته الوسيلة الناجعة، وربا الوحيدة، لاستئصال التنظيمات الإرهابية من المساحة المشتركة السورية- العراقية.

هذا التدخل الإقليمي المنسق يقف دونه كما بات معروفا حل مشكلات التعارض بين دور إقليمي مستجد، لكن متعاظم، لتركيا، وما باتت إيران تعتبره حقوقا مكتسبة في المشرق العربي، والحقوق السعودية والخليجية الطبيعية في مرحلة انهيار مواقع القوة الموروثة عن مرحلة المد القومي، ويشمل ذلك مصر رغم حفاظها على كيانها الوطني.

لذلك كله التوافق الأميركي– الروسي على حل لسوريا والعراق، اعتباراته تقع خارج منطقتنا، يقع في الدرجة الثانية من الأهمية مقارنة بالتوافق الإقليمي الذي بات غير محكوم، للمرة الأولى ربما، بتوازنات الوضع الدولي.

النهار

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى