صفحات العالم

«أفغانستانات» لا تخيف أحداً!


الياس حرفوش

فَعَلها من قبل زين العابدين بن علي وحسني مبارك ومعمر القذافي. ولا يزال رئيس اليمن يكرر كل يوم أن خروجه من الحكم سوف يلحق الكوارث بالمصالح الغربية وسيفكّك اليمن. ولعلنا نذكر ذلك التهديد الذي اطلقه سيف الإسلام القذافي للغرب، عبر التلفزيون الحكومي، بعد أيام على قيام الثورة الليبية، من المخاطر التي سيشكلها انتصار الثورة في ليبيا على الغرب، ومن مخاطر قيام «أفغانستان جديدة» في الشمال الأفريقي، تهدد امن السواحل الأوروبية بكاملها … انتبهوا أيها الأوروبيون لما تقومون به ولما انتم مقدمون عليه!

لذلك ليس جديداً تهديد الرئيس بشار الأسد بـ «عشرات الأفغانستانات» في المنطقة إذا سقط نظامه، ولا تهديده بأن أي تدخل غربي في بلاده سوف يحرق الشرق الأوسط برمته. غير أن الواضح من خلال ردود فعل الأطراف الغربية ومواقفها من هذه التهديدات أن هذه الدول اختارت الوقوف إلى جانب الشعوب، على حساب الأنظمة التي تواجه الثورات، والتي باتت القناعة الغربية أنها ما عادت تستطيع حماية نفسها، فكيف بحماية المصالح الغربية؟!

وبالنظر إلى النتيجة المأسوية التي انتهى إليها قادة سابقون في المنطقة، رغم تهديداتهم التي لم تُخف أحداً من الذين كان مطلوباً أن يخافوا، لا في الداخل ولا في الخارج، فإن التهديد الأخير يبدو أشبه بتكرار مشاهدة الفصل الأخير من مسرحية، باتت خاتمتها معروفة سلفاً قبل إنزال الستار.

رغم ذلك، لهذا التهديد معانيه التي من المهم التوقف عندها لمن يراقب التطورات التي تنتظر المشهد السوري:

فهو تهديد موجّه إلى الخارج، إلى الغرب (عبر صحيفة بريطانية) وإلى روسيا (الصديقة!) التي يحاول النظام السوري أن يستخدم ورقة الاستقواء بمصالحها (كما بمصالح الصين) في وجه مصالح شعبه. ومعروف بالطبع أن موقف كل من موسكو وبكين من الأزمة السورية لا علاقة له بمصلحة سورية ولا بالحرص على مستقبلها، بل هو يدخل في باب الابتزاز السياسي للغرب.

وإذا كان من معنى للحديث إلى الخارج، فهو أن هذا الحديث يؤكد مدى الاستخفاف الذي بلغه النظام حيال مطالب شعبه. ذلك أن الرئيس الذي تحدث إلى السوريين (في حديث إلى التلفزيون السوري) مرة واحدة منذ بداية الأزمة قبل اكثر من سبعة اشهر، لا يتردد في فعل ذلك عبر وسائل إعلام غربية، كانت آخرها صحيفة «الصانداي تلغراف» البريطانية، حيث اكتشف السوريون أن رئيسهم يعيش في منزل متواضع، وعنده جيران، ويأخذ أولاده إلى المدرسة، ولذلك فهو رئيس شعبي!

بناء على هذه «الشعبية»، كيف للسوريين أن يطالبوا بما حصلت عليه شعوب مصر وتونس وليبيا؟ هنا يكرر الأسد ما قاله في أحاديث سابقة من «أن سورية ليست ليبيا أو مصر» و»أي مشكلة في سورية سوف تحرق المنطقة برمتها». أما عن المعارضة السورية التي تنتظر جامعة الدول العربية رده على عرض الحوار معها، فيكرر الرئيس السوري ما قاله القذافي من قبل: «من انتم»؟ وإن بطريقة اكثر «تهذيباً»: «لا أحب إضاعة وقتي في الحديث عن هؤلاء. فأنا لا اعرفهم، ومن الأفضل أن نحقق في ما إذا كانوا يمثلون السوريين فعلاً».

في خلفية مواقف الرئيس الأسد حيال أزمة بلاده أن الأزمة في سورية هي أزمة مفتعلة من الخارج، الذي يقوم بتمويلها عبر أموال تأتي عبر الحدود كل يوم، كما قال. انه بذلك يقطع الطريق على حديث الإصلاح الموعود، وهو ما يؤكد مجدداً أن من المستبعد أن يقوم النظام بتلبية مطالب ترفعها جهات معارضة تخدم هذا المشروع الأجنبي الذي يعتبره الرئيس مشروعاً مشبوهاً!

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى