زين الشاميصفحات سورية

«الفيسبوك» في مواجهة الدبابة

 


زين الشامي

لو كنت مقرباً من الرئيس بشار الأسد لنصحته بالتالي: توقف عن لقاءات الوجهاء والطاعنين في السن الذين يعينهم ويرسلهم أمناء فرع «حزب البعث» في المحافظات للقاءك والتباحث معك في الوسائل الناجعة لإخماد الاحتجاجات في المدن السورية، فهذه عدا عن كونها أساليب غالباً ما كانت تلجأ إليها سلطات الانتداب الفرنسية خلال مرحلة الثورة الفرنسية لشق صفوف الثوار السوريين، هي في الوقت ذاته أساليب بدائية وغير مجدية. ان الأفضل لك أيها الرئيس ان تلتقي وتعقد حوارات مباشرة مع «أولاد الفيسبوك». هم كل شيء، هم من يخططون ويرتبون وينفذون. هم عقل الثورة وجمهورها.

لكن وبما أن الرئيس السوري الذي تلقى تعليماً غربياً وقيل انه يقضي ساعات مطولة أمام الكمبيوتر والشبكة العنكبوتية، قد قرر خيار قمع التظاهرات عن طريق العنف، فإن نصيحتي لن تصل إليه، وهي متأخرة أيضاً.

صدق جون ريتش حينما قال ان «غوغل هي واحدة من درر تاج الأمبراطورية الأميركية، وقد تكون الأثمن على الإطلاق».

هذا ما أثبتته وقائع الأحداث في كل من إيران 2009 حين أبدع الشبان هناك في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي العالمية وبالأخص منها «تويتر» ثم المصريون والتونسيون من خلال استخدامهم موقع «يوتيوب» ولاحقاً السوريون الذين أبدعوا في استخدام الهواتف النقالة وتقنية التصوير و«الفيسبوك». فلولا هؤلاء الشبان، جيل التكنولوجيا وثورة الاتصالات الحديثة، لما وصلتنا الصورة الحقيقية لما حدث في تونس ومصر وما يحدث الآن في سورية. بشكل أدق وصريح، ربما لولا الصورة المأخوذة من الهواتف النقالة ونشرها لاحقاً على مواقع التواصل الاجتماعي، لما كانت هناك ثورة.

هذا لا يعني أن الأصل هو في هذه التقنيات، نحن ندرك أن أصل الثورات دائماً وعبر التاريخ ارتبط بالظلم والقمع والاحباط وبروز قوى اجتماعية جديدة، لكن في هذا العصر ونتيجة لحجم القوة العسكرية الباطشة التي تملكها الدولة، أي دولة، وحجم النفوذ والسيطرة التي تملكها في الإعلام والمال واستحواذها على كل مناحي الحياة العامة، صار من الصعب جداً أن تنجح أي ثورة اجتماعية وفقاً لمعادلة الثورات التقليدية، كان لا بد من تقنيات اتصال عامة تجمع كل شرائح المجتمع حول هدف، وتلعب الدور الجمعي نفسه الذي كان يلعبه القائد أو الدين أو الأيديولوجيا في التاريخ.

بعيداً عن إيران وتونس ومصر وسورية، ألم تحصل ثورة حقيقية في الولايات المتحدة حين انتخب المجتمع الأميركي، الذي ألغى قوانين التمييز العنصرية فقط عام 1964، رجلاً أسود هو باراك اوباما، من ساعد هذه الثورة أن تتحقق في المجتمع الأميركي، أليست مواقع التواصل الاجتماعي والشبان الأميركيين الذين يستخدمونها بشكل بارع ولديهم ثقافة مختلفة تماماً عن ثقافة الآباء الذين لم ينظفوا بعد من تأثيرات ما قبل إلغاء قوانين الفصل العنصري؟

سياق الحملة الانتخابية الأميركية في عام 2008 وإدراك أوباما والفريق الذي كان حوله لأهمية هذه الوسائل الحديثة التي صارت في متناول كل شاب ودخلت كل بيت هو ما جعله يحقق الانتصار التاريخي في مواجهة الساسة التقليديين وأساليبهم القديمة.

الشبان في سورية، ينتمون للجيل نفسه الذي اتى بأوباما إلى الحكم، وإلى الجيل نفسه الذي صنع الثورة في مصر وتونس. إنه جيل الهاتف النقال والفيسبوك واليوتيوب وتوتير، على عكس جيل «المنطلقات النظرية لـ «حزب البعث الاشتراكي» وجيل «ما العمل؟» لكارل ماركس، وجيل «هكذا تكلم القائد» للعماد مصطفى طلاس.

في ظل غياب، أو تغييب الإعلام العالمي عن تغطية ما يجري في سورية، لاعتقاد السلطات أنها ستنفرد في الشعب وتفعل ما تشاء كما فعلت في 1982 خلال صراعها مع «الإخوان المسلمين» حين دمرت مدينة حماة، وبالتالي انهاء الاحتجاجات خلال بضعة أيام، اكتشف العالم من خلال سورية، أن لا أهمية تذكر اليوم لوسائل الإعلام التقليدية والمراسلين الحربيين والميدانيين على الأرض، لقد تحول كل شاب سوري إلى مراسل حربي على الأرض، ينقل ويعلق خلال تسجيله المجزرة أو موت الرفيق والصديق أو الأخ، لا بل ان «أولاد الفيسبوك» أثبتوا أنهم يملكون قلباً قاسياً، حين صوروا الأشلاء والدم والرأس المفجور برصاصة، والعين المقلوعة للأحباب والمقربين، بيد ثابتة لم ترتجف… من خلال صورهم، من خلال أجهزة الهواتف النقالة، من خلال كمبيوتر مرتبط بغوغل والشبكة العنكبوتية، أوصلوا للعالم، وخلال دقائق، ما يجري في سورية، لكن قبل ذلك، وقبل أن يعرف العالم، فمن خلالهم عرف السوريون أنفسهم ماذا يجري في بلادهم. على عكس ما حصل في حماة في الثمانينات حين احتاجت بعض المحافظات السورية إلى أعوام لتعرف حقيقة ما جرى على الأرض.

الفرق بين الأنظمة السياسية العربية التقليدية وبين جيل «أولاد الفيسبوك» أن الأنظمة، تخاطب الوجهاء والمنتهية صلاحياتهم، والمرفوضين من قبل أبنائهم والجيل الجديد لاعتبارات تتعلق بصراع الأجيال، هذا عدا عن أن الجيل القديم لا يتكلم ولا يفكر بلغة العصر، وربما أن بعضهم لا يستخدم الكمبيوتر أبداً. على عكس الجيل الجديد الذي يستخدم هذه التقنيات ما يزيد على عشر ساعات يومياً ومن خلالها يتواصل مع كل ما يجري في العالم.

النظام العربي القديم خسر لأنه أنزل الجمال والأحصنة إلى الساحة لتدهس المتظاهرين. بينما «أولاد الفيسبوك» سينتصرون لأنهم ينزلون صوراً على الفيسبوك، صوراً تروي حكاياتهم وأحلامهم.

هذا الجيل هو ما دفعني لتحطيم جهازي النقال القديم واستبداله بـ «الآيفون» الحديث، فقبل نجاح «الأولاد» في صناعة الثورات هنا وهناك، كانت نظريتي تقول ان «الهاتف النقال خلق وصمم لنتكلم به عند الضرورة وليس للعب وصرف الوقت وتبادل الرسائل النصية، و…، لقد كنت مخطئاً جداً، كان علي أن أغير هاتفي وعقلي لأفهم ما يجري حولي.

كاتب سوري

الراي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى