صفحات العالم

لماذا الرهان على نتائج ما يجري في سوريا؟


    اميل خوري

يقول مسؤول سابق مخضرم: اذا كان كل طرف في لبنان يراهن على نتائج ما يجري في سوريا كي يستقوي بها على سواه، فهل في استطاعته ان يحكم وحده ويلغي الآخر مع انه معروف ان لبنان لا يحكم إلا بالتوافق وعلى قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وانه لا يحكم من فريق واحد ولا من حزب واحد ولا من طائفة واحدة؟ فما دام هذا هو واقع لبنان وهذه هي تركيبته الدقيقة السياسية والطائفية، وقد كان لها الفضل في منع الانقلابات العسكرية، فلماذا لا يتصرف الزعماء فيه على هذا الاساس ويقررون التعامل مع نتائج ما يجري في سوريا سواء كانت لمصلحة هذا الطرف او ذاك ولا يراهنون على انتصار طرف في سوريا يفيد منه طرف في لبنان وهو ما يجعلهم يتدخلون في الشأن السوري ويفتحون بالتالي ابواب التدخل في الشأن اللبناني؟

ويضيف: هب ان قوى 8 آذار وتحديدا  “حزب الله” نجح في رهانه على انتصار النظام في سوريا، فهل يستطيع توظيف هذا الانتصار ضد قوى 14 آذار، وتصفية حساباته مع اقطابها، ويكون الحكم له ولحلفائه؟ وهب ان رهان قوى 14 آذار على انتصار الثورة في سوريا، فهل في استطاعة هذه القوى ان تحكم بمعزل عن قوى 8 آذار وخصوصا عن “حزب الله” بالذات؟ لماذا اذا لا يتفق الزعماء على اختلاف اتجاهاتهم ومشاربهم ومذاهبهم على ما ينقذ لبنان من تداعيات ما يجري في سوريا فيحيّدونه عنها فعلا لا قولا، ويجلسون الى طاولة الحوار للبحث في ذلك ما داموا سيجلسون في النتيجة الى هذه الطاولة ولكن بعد خراب البصرة؟ فاذا كان انقاذ لبنان من تداعيات ما يجري في سوريا يتطلب تشكيل حكومة اقطاب فليكن، واذا كان الانقاذ يتطلب تشكيل حكومة من مستقلين ولكن بدعم من 8 و14 آذار، فلماذا لا يتم الاتفاق على تشكيلها؟ فالحكومة الحالية باعتراف غالبية اللبنانيين، موالين ومعارضين، لا تصلح للمرحلة الدقيقة ولا هي قادرة على اتخاذ القرارات المهمة خصوصا انها تمثل فريقا واحدا لا يحق له ان يستأثر في اتخاذها، وخصوصا ايضا ان البلاد مقبلة على انتخابات نيابية قريبة ومطلوب حكومة توفر الاجواء الهادئة والامن والامان للجميع، بحيث لا يشعر اي شخص بأنه مهدد في حياته، اذ كيف يمكن اجراء انتخابات اذا كان عدد من النواب والسياسيين مهددين  بالاغتيال؟

لذلك لا بد من البحث في تشكيل حكومة تنقذ لبنان وتبعده عن تداعيات ما يجري في سوريا وتوقف رهان كل طرف فيه على انتصار الثورة في سوريا او انتصار النظام، والاتفاق على التعامل مع نتائج ما يجري في سوريا اياً تكن.

أفما آن الاوان لكي يتعظ اللبنانيون وزعماؤهم بدروس الماضي ويتجنبوا الوقوع في الاخطاء ذاتها فينصرفوا الى البحث عن صيغة اتفاق ووفاق قبل الدمار والخراب وليس بعدهما؟ ففي عام 1985 قضى الخروج من حوادث تلك السنة بالاتفاق على انتخاب اللواء فؤاد شهاب رئيسا للجمهورية، ووافق حتى خصمه الرئيس كميل شمعون على انتخابه مع نواب كتلته، واضطر الرئيس شهاب الى تشكيل حكومة رباعية تمثلت فيها اطراف تلك الحوادث تحت شعار “لا غالب ولا مغلوب” بعدما سقطت قبلها حكومة اعتبر طرف ان فيها غالباً ومغلوباً… وحرب عام 1975 انتهت بعد الدمار والخراب باتفاق الطائف الذي دعا الى تشكيل حكومة وفاق وطني تخرج البلاد من حكم الميليشيات الى حكم الدولة.

وعندما وقعت احداث 3 ايار فرض اتفاق الدوحة تشكيل حكومة وحدة وطنية وتولى واضعو هذا الاتفاق، خلافا للاصول والدستور، توزيع الحقائب الوزارية والدعوة الى انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية واحياء قانون الـ 60 كي تجرى انتخابات 2009 على اساسه. فلماذا لا يتفق اقطاب 8 و14 آذار على الحكومة التي تنقذ لبنان من تداعيات ما يجري في سوريا في انتظار التعامل مع النتائج ولمصلحة اي طرف تكون عوض التفكير بمثل هذه الحكومة بعد امتداد الحريق السوري الى لبنان، وبعد فتنة لا سمح الله؟ فالحكمة تقضي بالتفكير العميق قبل اتخاذ القرار ليكون صائبا، وليس بالتفكير بعد اتخاذه ويكون خاطئا. والحكمة تقضي ايضا بحل قبل خراب البصرة وليس بعد خرابها.

النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى