صفحات الناس

كلّما خسروا أكثروا، كلّما جندوا أكثر/ ميـرا عبـدالله

 

 

 

في أيار 2015، نشر موقع NOW تقريراً حول تجنيد “حزب الله” شباناً صغار السنّ من وادي البقاع وتدريبهم على القتال في سوريا. وفي تشرين الثاني 2014، تحدّثت صحيفة “النهار” كذلك عن تجنيد “حزب الله” لمقاتلين غير شيعة، بينهم مسيحيون.

وجرى هذا التجنيد المستميت الذي يتولاه “حزب الله” بسبب الخسائر الكبيرة التي مُني بها الحزب في سوريا في عدد مقاتليه. وخلال الأشهر القليلة الماضية، برزت تقارير في غاية الوضوح حول كيفية تعاطي الحزب مع ما يجري: فخسائر “حزب الله” في سوريا تزداد والحزب يخسر قوته في كل من سوريا ولبنان، ما يضطره الى إيجاد وسائل جديدة ليُرسل بواسطتها المزيد من المقاتلين الى سوريا.

لقد سبق لحزب الله أن جنّد عدداً كبيراً من أهالي البقاع، متصيّداً بشكل خاص العديد من الشبان، من طوائف مختلفة، ممّن هم في حاجة ماسّة إلى وسيلة ما لإعالة عائلاتهم. لكن الحزب واجه المزيد من عدم التجاوب مع هذا الأسلوب، ويوماً بعد يوم يزداد رفض هؤلاء الرجال وعائلاتهم للخدمة العسكرية، لأسباب إيديولوجية، ولارتفاع احتمال الموت كما يبدو. وهذا ما يدفع “حزب الله” الى ايجاد استراتيجيات جديدة لتلقين عقائده.

“لم تتوقّف أبداً محاولات حزب الله لتجنيد شبان”، يقول محمد، وهو لبناني من سكان برالياس، ويضيف: “مؤخراً، توقّفوا عن تجنيد أشخاص للقتال في سوريا، أو أقلّه ليس في طريقة مباشرة. حالياً، يقومون بتدريب شبّان على استخدام الأسلحة. وفي رأيي، الأشخاص الذين يدربونهم اليوم لن يذهبوا الى سوريا. إنهم يقنعونهم بأنهم يدافعون عن بلدهم ضد التكفيريين والإرهابيين”. ويعتقد محمد بأنّ هذا جزء من استراتيجية جديدة: هي تدريب الرجال الذين يعتقدون بأنهم سيبقون في لبنان، ومن ثم التمكّن من ممارسة ضغط أكبر عليهم للقتال في سوريا ما أن ينضموا إلى صفوف “حزب الله”.

كما أنّ “حزب الله” يعمل حالياً في البقاع من خلال “سرايا المقاومة” بشكل أساسي، وهي مجموعة تابعة له. وقيل أيضاً إنّه يتم اليوم تجنيد الفلسطينيين- وليس اللبنانيين فحسب. ومع تجنيد قرابة المئتي رجل من برالياس والبلدات المحيطة بها، بدأ القلق يساور المسؤولين الفلسطينيين في البقاع.

“الأسلحة في كل مكان هنا”، قال أبو محمد لـNOW، وهو فلسطيني في الستين من العمر من البقاع، وتابع: “من يمتلكون السلاح ليسوا لبنانيين فحسب، لكن المشكلة هي بأننا لا نعلم كيف سيُصار الى استخدام هذه الأسلحة. صحيح أننا نخشى دوماً صعود التطرف والمجموعات الإرهابية التي يمكن أن تصل الى بلدتنا في أي وقت، ولكننا نثق بأنّ “حزب الله” وجميع الذين يقاتلون مع الحزب يقومون بحماية الحدود. خوفنا الأساسي كأبناء الجيل الأكبر سناً هو حماسة الشباب ودافعهم. الشبان لا يفكرون دائماً بالعواقب. طالما أن لديهم أسلحة، وهم مدربون على استخدامها، لا يمكننا أن نتأكّد الى أين يمكن لحماستهم ان تقودهم، وأن تقودنا جميعاً”.

مع هذه الكمية الكبيرة من الأسلحة بين أيدي الناس في مختلف انحاء البلد، يقلق محمد من احتمال حصول توتر داخلي في لبنان، ويقول: “من غير المرجّح أبداً نشوب حرب داخل الحدود اللبنانية، لكننا نخشى الصراعات الصغيرة التي يمكن أن تحدث. الكثير من الناس يموتون. لسنا بحاجة الى المزيد من الموتي، لا سيما هنا”.

وفي حين يخشى مسؤولون فلسطينيون من إمكانية استخدام السلاح الذي يحمله الفلسطينيون في لبنان ضد اللبنانيين المعارضين سياسياً لحزب الله، لم تبرز بعد أي تفاصيل حول قيام الحزب بتجنيد رجال فلسطينيين.

“لم يتضّح الأمر بعد وليس لدينا تفاصيل حول تجنيد حزب الله لفلسطينيين”، قال أحد أعضاء “فتح”، الذي تحدث شرط عدم ذكر اسمه. وأضاف: “لكن الأمر لا يفاجئني. جميعنا نعلم بأنّ حزب الله في حاجة الى أي عديد من المقاتلين يمكنه الحصول عليه. وبوجود الحرب السورية وحقيقة ذهاب كافة مقاتلي حزب الله إلى سوريا، مما لا شكّ فيه بأنّ الحزب يعاني من نقص في المقاتلين في لبنان أيضاً، وهو بحاجة الى حد أدنى من الرجال المدربين للبقاء في لبنان كي لا يخسر قوّته هنا. ومن هنا سوف يحاول الحزب دائماً تجنيد المزيد من الأشخاص. فكلّما خسر أكثر كلما حاول تجنيد المزيد”.

لكن مع تناقص عدد الأشخاص الذين يصدّقون مزاعم “حزب الله” بالنصر، تزداد يوماً بعد يوم صعوبة مهمة الحزب في التجنيد، لا سيما مع محدودية الحوافز المالية بسبب النقص في التمويل.

“العام الماضي، كان من الأسهل تجنيد الناس من خلال دفع المال لهم”، قال علاء وهو لاجئ سوري يعيش في مخيم في برالياس. “كان حزب الله قادراً على تجنيد أشخاص من المخيمات من خلال دفع المال لهم، بما أنّ غالبيتنا كنّا مستعدين للقيام بأي شيء من شأنه أن يوفّر دخلاً لنا ولعائلاتنا. ولكن حالياً، من جهة لا يدفعون بقدر ما كانوا يدفعون من قبل، ومن جهة أخرى، معظمنا هربنا من الحرب في سوريا لإنقاذ أرواحنا ولا نريد العودة للموت فيها. ضف الى ذلك، في حال كانت تلك غاية حملات التجنيد الحالية، لن نقبل بالتأكيد القتال الى جانب حزب الله في لبنان ونحن نعلم بأنه يقاتل أهلنا في سوريا”.

“لستُ متأكداً من العديد الذي يمكن أن يجنده حزب الله من هنا”، قال أبو محمد، فـ”وادي البقاع استُنزف أصلاً ولا أعتقد بأّنه يحتمل إرسال المزيد من الرجال للموت في سوريا، أو الأسوأ من ذلك، تجهيزهم للقتال في لبنان”.

(ترجمة زينة أبو فاعور)

موقع لبنان ناو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى