صفحات سورية

آخر الدواء، الحماية الدولية.!


نادية عيلبوني

ربما يكون من الطوباوية الاعتقاد أن الثورة السورية ستنجح ، دون دعم دولي يرتقي إلى مستوى تأمين الحماية الدولية العاجلة للشعب السوري. المعارضة السورية ، بما فيها تنسيقيات الثورة ، تكون واهمة لو أنها تصورت ، أن شلال الدم الذي يتدفق كل يوم ، كفيل لوحده بجعل النظام السوري يتراجع عن قراره بوأد الثورة ، أو يتراجع عن مستوى هذا العنف الغير مسبوق ليقرر يائسا طي سلاحه ،وعودة جيشه المسعور إلى ثكناته مهزوما ، ليقرر النظام بعدها، الاستسلام لإرادة جموع الشعب الهادرة التي تطالبه بالرحيل. شعار شلال الدم هذا، جربه الفلسطينيون على مدى 63 عاما، ولم يحصدوا من ورائه سوى الخيبات.

لا يفل الحديد إلا الحديد

الحقائق العنيدة، والعنيدة جدا ،والغير بعيدة عن تاريخنا الحديث ، تؤكد جميعها ،وبما لا يدع مجالا للشك، أو الاجتهاد والتجريب ، أن النظام الفاشي لا يمكن أن يسقط من داخله، فنظام موسليني في إيطاليا ، ومثيله نظام هتلر في ألمانيا وكذلك اليابان ، ومثيلاته في كل من كمبوديا والعراق وليبيا، لم يسقطوا بفعل المقاومة من الداخل، بل بفعل تدخلات دولية حسمت بالقوة أمر خلاص هذه الشعوب من فاشييها.وسوريا بالتأكيد ليست استثناءً، ولا يمكنها مهما بلغت قدرات الشعب السوري على التضحية وبذل الدم ، أن تشذ عن تلك القاعدة لتشكل هذا الاستثناء.

المعارضة تتعفف حتى هذه اللحظة عن تجرع تلك الحقيقة بسبب طعمها المر . والمرارة بالنسبة إليها، لا تتعلق فقط بالحدود التي رسمتها لمسارها ، في مسالة الاعتماد على الذات،وعدم طلب عون المجتمع الدولي ،بقدر ما ينبع من الخوف على مظهرها الوطني بحسب المفهوم الذي وضعه ورسمه النظام لمعنى الوطنية، ولا شيء آخر غير مفهوم النظام الذي طالما ،اتهم صراحة، معارضيه بالتآمر وبالعمالة للخارج.وهذا برأينا هو أحد أهم الأسباب التي تجعل المعارضة في حال هي للشلل أقرب،فتلك المعارضة غير قادرة على اتخاذ ذلك القرار الوحيد الذي يكفل وقف شلال الدم المتدفق في الشوارع والحارات والأزقة في المدن والقرى السورية .لقد دخلت الثورة السورية شهرها الخامس ، دون وجود ما يؤشر على تراجع النظام، أو دون وجود أي استعداده للتنازل أمام مطالب شعبه،بل العكس هو ما يحدث عمليا، فالنظام كما يدل سلوكه اليومي ،مصمم على الاحتفاظ بالسلطة، ولو على جثة شعبه، وهو عندما يفعل ، إنما يستند إلى جملة من نقاط القوة التي يقوم باستثمارها أفضل استثمار، في مقدمتها بالطبع،الاستعانة بالخارج لمده بكل أسباب القوة من أجل الاستمرار ، فهو يعتمد على الدعم المباشر من دولة قوية ومستعدة لمده بالعون العسكري والمالي والسياسي – إيران- كما أنه أيضا مطمئن ربما وبالقدر نفسه ، للموقف الروسي والصيني اللذان يدعمان توجهه في الأمم المتحدة بوقوفهما دائما وأبدا، ضد أية اجراءت رادعة يحاول المجتمع الدولي اتخاذها في مجلس الأمن،لردع هذا النظام والتلويح له بالعصا.

وفي تقديرينا ، فإن جعل الشعب السوري ينزف بتلك الطريقة إلى ما لا نهاية، ودونما وجود أي افق يجعل الحصاد السياسي ممكنا، ستكون له نتائج كارثية على المجتمع السوري، فصور مشاهد العنف والدم ستدفع الناس ،عاجلا ام آجلا للجوء إلى العنف للدفاع عن نفسها، إذ من غير المتوقع أن يطلب من الناس أن تموت بتلك الطريقة العبثية ، أن تتحلى بالانضباط والصبر والالتزام بالطابع السلمي للثورة ،من هنا يطل علينا شبح الحرب الأهلية ليهدد المجتمع السوري كله بالعنف والتفتت وربما بأبشع مما شهدناه بالعراق.

طلب الحماية الدولية في الحالة السورية، هو مطلب وطني بامتياز، فهو بالإضافة إلى أنه يوفر حالة من الأمن التي تحفظ أرواح الناس وتصون حرماتهم المنتهكة كل يوم، فإنها ضرورية بصورة أشد ، كونها تمنع انزلاق الوطن السوري كله إلى أتون الحرب الأهلية . أما شعار ” على الجنة رايحين ، شهداء بالملايين” الذي يردده المتظاهرون ، فهو على الرغم من ظاهره الذي يعكس حال التحدي الكبير والبطولة الملحمية لدى الشعب السوري، واستعداده الكبير للتضحية ، فهو في عمقه يعبر أيضا ،عن حال من اليأس ، وربما عن بدء فقدان البوصلة المؤدية إلى هدف إسقاط النظام ،وبناء سورريا حرة وديمقراطية،وتدل على عدم وجود خيارات أخرى قادرة على صون حياة الناس وكرامتها وفي الوقت نفسه الوصول بها إلى أهدافها المبتغاة، فيصير الموت والحال هذه مطلوبا بذاته ولذاته ، ولأهداف أخرى تتجاوز الأرض وما عليها لتحط في فضاءات أخرى بعيدة كل البعد عن الهدف الأساسي الذي انطلقت من أجله الثورة.

المعارضة ، كما تنسيقيات الثورة السورية مطالبة الآن ، وأكثر من أي وقت مضى ، بحزم أمرها ، والابتعاد عن التنابذ والممحاكات ،والرتاشق بالشعارات الكبيرة ،والاستعراضات الوطنية التي تذكر بوطنية مزعومة لحزب البعث ونظامه،وذلك من أجل اتخاذ القرار الصحيح الذي تحمي من خلاله شعبها ، وتحمي دماء الناس التي لا يجب أن تنزف بأي حال من الأحوال ،عبثا ودون توظيف في معركة الحرية.

المطلوب من كل هؤلاء التخلي عن تلك السلبية والقدرية في تعاملهما مع الوضع الذي يزداد حراجة وتأزما يوما بعد يوم، فحسم المعركة مع النظام لا يحتمل انتظار المعجزات الإلهية ، ولا يحتمل انتظار “الطير الأبابيل” لترمي النظام “بجحارة من سجيل”، ولا يفل الحديد إلا الحديد، والحديد الوحيد والفعال والآمن ، هو فقط ، طلب الحماية الدولية لحماية سوريا وشعبها من مصير مجهول . لقد قدم السوريون كل غال وثمين على مذبح الحرية ولا يزالون ،وجربت المعارضة مختلف الوسائل السلمية، ولم يتبقى سوى آخر فرصة للعلاج: الكي بمبضع دولي ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى