صفحات سورية

آفاق الثورة السورية


مروان عبد الرزاق

-1-

لقد حققت الانتفاضة السورية بدخولها الشهر الخامس, العديد من المكتسبات الهامة,أولها: تحطيم جدار الخوف عند الشعب السوري, مما يعني عدم العودة إلى الوراء. وثانيها: الاتساع الأفقي والتأييد الشعبي الواسع للانتفاضة في كل المدن والبلدات والقرى السورية. وثالثها: النضج السياسي لاتحاد تنسيقيات الثورة, والعمل على تشكيل قيادة سياسية. ورابعها: الحفاظ على سلمية الثورة رغم محاولات السلطة لعسكرتها ووصفها بالعنف, ورفض التدخل العسكري الخارجي. وخامسها: إعادة السياسة للمجتمع السوري على كافة المستويات.

وهذا يعني أنها انتقلت من مرحلة الاحتجاجات, إلى الانتفاضة, إلى الثورة الشعبية التي تمتلك كل المقومات على المستوى الذاتي والموضوعي. ومع أنها لا تدعو الى انقلاب جذري بنيوي للمجتمع كما هو الحال في الثورة الفرنسية(1789) والثورة الروسية(1917), إلا أنها ثورة سياسية شعبية جذرية بالدرجة الاولى, تعمل على نقل المجتمع من سيطرة الاستبداد الشمولي الطغياني, إلى دولة الحرية والقانون. إنها تفتح الباب أمام إعادة بناء الإنسان السوري الحر من جديد, وعلى كل المستويات الفكرية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية. إنها تزرع من جديد بذور الحرية, وهي مقدمة لكل الأشياء في الأرض السورية التي حولها الاستبداد إلى صحراء.

بالإضافة إلى ذلك, أصبحت الثورة منذ الآن قاطرة للمجتمع السوري كله, وآثارها وصلت إلى كل فرد الذي بدأ يشعر بإنسانيته ويفكر كمواطن في مستقبله, ومستقبل سوريا. وأصبح المجتمع منقسما بين متفائلين حالمين بالخلاص من الاستبداد, وخشيتهم بالوقت ذاته من وقوف الثورة في منتصف الطريق, والمتشائمين الذين لم يخطر في بالهم يوما أن هذا النظام يمكن أن يسقط, والأغلبية الصامتة في المدن الكبرى (حلب ودمشق) الخائفة من المستقبل والبديل عن النظام: هل ستعم الفوضى لفترة طويلة, وهل ستشهد سوريا حربا أهلية لن ترحم أحدا,وهل سيكون البديل إسلاميا أم علمانيا؟

وأيضا مع إعادة الانتفاضة السياسة إلى المجتمع, انبعثت الحيوية في النخب المثقفة المهتمة بالشأن العام, والمعارضة القديمة, وعقدت العديد من المؤتمرات –خمسة مؤتمرات حتى الآن– في محاولة لتقديم رؤيتها وبرامجها ودعمها للثوار الشباب. مؤتمران في انطاليا وبروكسل جمع رموز من المعارضة في الخارج ومن كافة الأيديولوجيات, وثالث في دمشق(سمير أميس) للمثقفين المستقلين, ورابع في دمشق تحت رعاية التيار القومي وبعض الأكراد, وخامس للإنقاذ الوطني في اسطنبول غلب عليه الطابع الإسلامي. ورغم الخلاف الأيديولوجي بين رموز المعارضة, إلا أنها متفقة على أنها لا تمثل كل الشعب السوري, بوجود انتفاضة شعبية على الأرض أصبحت تشكل القطب الحقيقي الفعلي لثورة الحرية, والنقيض بشكل كلي للنظام الذي تسعى لإسقاطه. وان هدفها واحد مشترك مع الثوار الشباب, وهو إسقاط النظام الاستبدادي, وبناء الدولة المدنية الديمقراطية.

وهذا التمايز, والتنوع, والتعدد, بين أطياف المعارضة, يعبر عن حالة صحية وطبيعية, باعتبار أن المجتمع السياسي الحر, يفترض وجود هذا التنوع الذي يعبر عن التنوع في المجتمع, بطبقاته المختلفة, وتنوعه القومي والاثني, وخاصة في المجتمعات التي أنجزت ثورتها الديمقراطية, وأقامت دولة الحرية والقانون.

لكن في الوضع الراهن للثورة السورية التي لم تنجز بعد الحلقة الاولى من ثورتها وهي إسقاط الاستبداد, يصبح هذا التمايز والتنوع عديم الأهمية, ويعبر عن الشخصنة والحساسيات غير الصحية, وبالتالي العجز السياسي لهذه المعارضة.

ويعود ذلك إلى أن المعارضة تواجه الآن تناقضا غير قادرة على الخروج منه حتى الآن. ففي السابق كانت المعارضة في وضع المُطالب الضعيف للسلطة كي تعمل على الإصلاح السياسي. وطبعا السلطة لم تلتفت إلى ذلك إطلاقا, مع ملاحقة وسجن أي مثقف معارض يحمل الرأي المختلف. ومع انطلاقة الثورة الشعبية وتشكيلها للقطب الفعلي النقيض للسلطة, والتي أصبحت تطالب بإسقاط النظام, عبرت المعارضة عن موقفها الداعم للثورة. إلا أن هذا الدعم اللفظي لم يعد كافيا أمام التطورات السريعة للثورة, واستمرار القتل اليومي للمتظاهرين. أصبح السؤال الأكثر أهمية: هل ننضم إلى الثوار على الأرض أم لا؟

لذلك بدأت المعارضة تعيش في دوامة الاختيار والانتماء إلى احد القطبين, السلطة أم الثورة, أو الانتماء إلى القطبين معا. وبالتأكيد لن تكون المعارضة مع السلطة, لكنها لم تصل إلى مرحلة الانضمام للثورة أيضا. ولذلك نجد أن كل المعارضة في الداخل لم تصل إلى شعار الثورة(الشعب يريد إسقاط النظام). بمعنى آخر لم تصل إلى القطع الفعلي مع السلطة, إنما قد نجد بعض المواقف تراهن على إمكانية أن تعمل السلطة على إصلاح سياسي حقيقي. وهذا يعني أنها مازالت تعيش في مرحلة ما قبل الثورة. وربما هذا يفسر حالة التشرذم للمعارضة, والتي لن يستفيد منها أحد سوى السلطة, وكيف يختبئ البعض حول الرؤى المختلفة لتفكيك الدولة الأمنية, لتبرير هذا التشرذم, أو البحث عن الحلول الوسط لئلا ينزلق الوطن نحو حرب أهلية ستكون تكلفتها كبيرة على الشعب السوري….الخ.

وبقاء المعارضة على هذا التشرذم, في هذه المرحلة المصيرية, لن يجعلها مفيدة للثورة, ولن تكون ذات مسؤولية, ما لم تكن قادرة على تشكيل قطب سياسي موحد للتغيير الوطني الديمقراطي. هذا القطب الذي يمكن أن يضم كل الاتجاهات التي تسعى لهذا التغيير, ويكون ضمن الثورة, وليس في موقع المتفرج على الرصيف.

-2-

وكذلك السلطة فإنها لم تتعرض خلال نصف القرن الماضي للخلخلة الفعلية وكسر الهيبة الأمنية التسلطية كما يجري الآن مع الشعب الثائر الذي يواجه الرصاص بصدوره العارية. إنها تواجه نقيضها الفعلي وهو الشعب.

إن السلطة في ورطة حقيقية, تتخبط بحثا عن حل للخروج من المأزق الذي دفعته إليه الانتفاضة. ولأنها لا ترغب بأي إصلاح حقيقي, فهي لا تملك إلا العنف وقتل المتظاهرين لوقف الانتفاضة, مع بعض الوعود للإصلاح, لكن الشعب يعرفها تاريخيا فلم يصدقها. ألغى النظام قانون الطوارئ واستبدله بقانون منع التظاهر, واستمر في اعتقال عشرات الآلاف من المتظاهرين والمثقفين. وقام بتشكيل لجنة للحوار, وتفصيل قوانين جديدة للانتخابات والإعلام والأحزاب, واقتراحا بتعديل الدستور وإلغاء هيمنة حزب البعث على الدولة. وربما بدأ النظام يفكر بتجسيد نوع من الديمقراطية المقيدة, كما كانت في مصر قبل رحيل مبارك, لكن تفكير النظام جاء متأخرا جدا. ولذلك قال له الشعب: ارحل.

لان الشعب يعرف أن المسألة لم تعد في وجود القوانين أو عدم وجودها, إنما بوجود أجهزة أمنية تدوس على كل القوانين والاعراف, وأسالت الدماء في كل المدن, وهي الحاكم الفعلي في السلطة. والمطلوب تفكيك هذه الأجهزة, وإفساح المجال لسيادة القانون. ومن جهة ثانية, عندما اكتشف الشعب نفسه من خلال الانتفاضة, لم يعد يقبل بموقع الرعية المتلقية للمكرمات من السلطة, انه يريد أن يصنع قوانينه ومستقبله بيديه. وهذا لا يتم إلا بإسقاط النظام.

بعد أربعة أشهر من الانتفاضة, لم تعد في الأفق أية فرصة للقاء المعارضة مع السلطة. الثوار في الميدان ليس لديهم أي حل وسط مع السلطة, مثل قيادة النظام لعملية الإصلاح. والنظام أيضا بطبيعته الاستبدادية, لا يقبل بوجود شريك له في سلطته التاريخية, وبالتالي لا يمكن أن يقبل بمطالب الثورة وهي الانتقال إلى دولة مدنية ديمقراطية, لان هذا بالنسبة له انتحارا لا يمكن أن يقبل به بملء إرادته.

لا يوجد مخرج, لا يوجد حل وسط. “لا حلقة وسطى بين الجنة والنار”. والسؤال الهام: ما هي آفاق الصراع بين الشعب والسلطة؟

لاشك انه السؤال الصعب واليومي والذي يطرحه الجميع في سوريا تجاه تطور الصراع والعوامل والمؤثرات الجديدة التي تدخل حلبة الصراع المتسارع., إلى أين يدفع الصراع الراهن بسوريا: إلى الحرية ونهاية الاستبداد, أم انتصار السلطة وإعادتها لإنتاج الاستبداد على أسس جديدة, أم يمكن أن تبرز حلول وسط لا يمكن التكهن من الآن بتفاصيلها, أم حرب أهلية وتقسيم سوريا..؟

يجب التخلي في البداية عن الأحلام التي تراود كل الشعب بالحرية, والأفكار المطلقة بأن الشعب سينتصر لأنه صاحب الحق في مشروعية مطالبته بالحرية, حتى نستطيع رؤية الواقع كما هو, ونعمل على تغييره كما نرغب ونحلم بأن يكون.

في الواقع لم تقطع الثورة السورية حتى الآن سوى منتصف الطريق, والنصف المتبقي الذي يمكن أن يستمر شهورا طويلة, هو الأصعب والأخطر حتى تجتاز الحلقة الاولى, أي تنحي الرئيس وعائلته, وليس إسقاط النظام. ومازال أمام الثورة العديد من التحديات والمخاطر:

أولها: أن تنجح وبسرعة في تشكيل قيادة واضحة للثورة, ومقنعة للرأي العام الداخلي والخارجي. مجلس انتقالي للثورة, وليس للدولة القادمة, يعمل كغطاء سياسي وإعلامي وثقافي وميداني. وليس من الخطأ أن يعمل الثوار على مبادرة تدعو كل الرموز المعارضة من أحزاب وجمعيات ومثقفين, للمشاركة في تشكيل هذا المجلس الموحد. وبدون ذلك سيكون من الصعوبة نجاحها في كسب الرأي العام والأقليات.

وثانيها: أن تنجح في انضمام الغالبية الصامتة في مدينتي حلب ودمشق إلى الثورة, وتطمين الأقليات الدينية والقومية والإثنية, بأن مصلحتها مع الثورة وليس مع الاستبداد. وهذا العامل هو من ضمن عوامل أخرى تفسر عدم نهوض مدينة حلب حتى الآن, والتي تضم حوالي أقل من مليون شخص بقليل من الأكراد والأرمن والمسيحيين والتركمان واليزيديين والشركس والشيعة وغيرهم.

وثالثها: أن تستمر في حرصها على سلمية الثورة, حيث أن هذه السلمية مهددة ببعض التصرفات الفردية, وانشقاق بعض أفراد الجيش وإعلانهم بأنهم سيدافعون عن الثورة بالسلاح. وبالتأكيد هذا يضع سلمية الثورة وهو السلاح الأقوى للثوار في حالة الخطر.

ورابعها: لا يقل خطرا عن سابقه, وهو الدعوات المتتالية للخارج الغربي والعربي كي يخرج من صمته ويقف إلى جانب الثوار. وهذا لم نلحظه مثلا في الثورتين التونسية والمصرية, ويعرف الجميع مخاطر التجربتين العراقية والليبية. وبالتالي فإن زيارة بعض رموز المعارضة لروسيا, ثم مقابلة كلينتون, وخروج بعض الرموز على الفضائيات الأمريكية, وتسمية الجمعة الماضية “صمتكم يقتلنا”, تؤشر على الإلحاح في الطلب من الخارج أن يتدخل ولو بالإدانة. رغم أن الثوار لا يقصدون التدخل العسكري لأنهم يرفضون ذلك. لكن كيف يمكن كسب الرأي العام الداخلي وهو الأهم, ورموز من التنسيقيات تطلب من كلينتون التدخل والإدانة؟. إن أي لقاء لرموز الثورة مع رموز السياسة في الغرب لا يمكن تفسيره من قبل الرأي العام بهذه البراءة التي يقصدها الثوار. كذلك فإن السلطة تستغل ذلك بشكل كبير لتبرير منطقها بأن الثورة هي مؤامرة خارجية. كما ستستفيد من تشرذم المعارضة بأن تحاول دعوة قسم للحوار ونبذ الآخرين, أي تقسيم العارضة وتفتيتها أكثر مما هي مفتتة الآن. فلماذا لا يقتصر الاتصال على منظمات حقوق الإنسان, ومنظمات المجتمع المدني غير الحكومية, دون رموز السياسة الغربية الملطخة سيرتهم بالدم؟ لماذا يتعجل الثوار على الخارج ليدين النظام, رغم معرفتنا بأن هذه الإدانة لن تجعل الثورة تتقدم خطوة إضافية إلى الأمام. ماذا استفاد الشعب السوداني من تقديم البشير للمحكمة الدولية, وماذا استفاد الشعب الليبي لمحاصرة ليبيا بعد لوكربي, وحصار العراق قبل التدخل العسكري؟ الأساس هو الداخل وقدرة الشعب على الصمود, حتى لو كان الخارج كله مع النظام, حيث سيلحق بالداخل-الشعب- ويتخلى عن النظام عندما يميل ميزان القوى على الأرض لصالح الشعب.

-3-

ومن الضروري التوقف, ليس عند توسع الثورة واستقطابها للشعب فقط, بل عند آثار هذه الثورة ومدى قدرتها على تفكيك السلطة. لأنه كلما تفكك جزء من السلطة, كلما تقدمت الثورة خطوة إلى الأمام. ووفق مبدأ “إعرف عدوك”, من المفترض وجود تقييم ميداني وسياسي واقعي, يومي أو إسبوعي أو شهري, يشير إلى درجة تفكك السلطة, وهذا بدوره سيكون مؤشرا على درجة تقدم الثورة. وقاعدة الثورات العامة في التاريخ تقول: لا ثورة ناجحة بدون تفكيك القديم, ثم كنسه إلى التاريخ.

وبالتالي يمكن الإجابة على السؤال: لماذا مازالت السلطة قوية ومتماسكة, رغم الخلخلة التي أحدثتها الانتفاضة في بنيتها, بعد أربعة أشهر من بدء الانتفاضة, وخاصة أن هذه الخلخلة لم تمس بعد المرتكزات الأساسية للسلطة الأمنية, وحاشيتها السياسية والنقابية والعصبية. سوى بعض الانسحابات الفردية من الحزب والجيش.

ويمكننا العودة قليلا إلى التشكل التاريخي للسلطة الراهنة.

تاريخيا لم يواجه الشعب السلطة بشكل جزئي أو كلي كما يحصل الآن. وبالتالي لم يكن قادرا على انتزاع أي هامش لحقوقه وحرياته, كما جرى في مصر, والمغرب, والجزائر, والأردن. والسلطة الاستبدادية كبنية لا تقدم أي مكسب للشعب اذا لم تكن هناك قوى فعلية على الأرض قادرة على انتزاعه, وخاصة في المجال السياسي. وبالتالي لم يطرأ أي تغيير فعلي على السلطة الراهنة منذ تأسيسها على يد الأب في (1970), وكان التوريث في غاية السهولة, باعتباره امتداد طبيعي للأب. وبالتالي هناك تماسك تاريخي عمره نصف قرن. وأيضا هذا التماسك يستند إلى قيادة عصبية دموية(رابطة الدم) لعائلة الأسد, وسيطرتها على كل المفاصل الأمنية والعسكرية والاقتصادية.

وهذا يفسر-من جهة- استمرار السلطة بالتعامل مع الانتفاضة الشعبية بعقلية الثمانينات من القرن الماضي, حيث تقوم بقتل المتظاهرين بدم بارد, وتمشيط المدن, واعتقال الآلاف, ومن جهة ثانية, عدم ظهور أية مؤشرات على بدء تفكك مرتكزات السلطة الامنية, كما حصل في تونس ومصر واليمن, حيث انضمت بعض النقابات الهامة, مثل الشغل والصحفيين والمحامين, والقضاة. أما النقابات في سوريا فهي تعمل كشبيحة إلى جانب الأمن. ومن مظاهر قوة السلطة, قدرتها على السيطرة على الأغلبية في المدن الكبرى (حلب ودمشق), وعلى الأقليات المنتشرة في كل المدن, رغم مشاركة عدد لا يستهان به من الأقليات في التظاهرات, وبشكل خاص كما عبرت عنه مدينة السلمية حيث اشتركت كل الطوائف قاطبة.

وأيضا مازال اقتصاد السلطة قويا, استمراره في دفع رواتب الموظفين, احتياطي البنك المركزي كبير, عدم وجود مديونية للخارج, عدم ارتفاع قيمة العملات الصعبة لأكثر من خمسة بالمائة, سيطرته على الأسواق, وتوفر المواد التموينية الضرورية. بمعنى أن اقتصاد السلطة لن يتأثر إلى حد الانهيار في المدى المنظور, كما يتوقع البعض. ومازال قادرا على فرض أتاواته على الليبرالية الصناعية والتجارية المتحالفة معه. وإضافة إلى ذلك, الدعم الإيراني مستمر, ولن يتركه ينهار. إنما اقتصاد الشعب, أي الطبقة الوسطى والفقيرة بدأ ينهار تدريجيا, وهذا سيكون له تأثيرات سلبية على الثورة وعلى السلطة. حيث سنجد في المستقبل, جزء من العاطلين عن العمل ينضمون إلى الثورة لأن النظام هو الذي يتحمل مسؤولية الأزمة, والجزء الآخر سيذهب للعمل كشبيحة جدد لحل أزمتهم المادية بشكل سريع.

والشيء الأهم هو الجيش وتركيبة بعض الفرق الخاصة والمتشكلة تاريخيا بانتقاء كل عناصرها للدفاع عن السلطة, وليس للدفاع عن الحدود وتحرير الأراضي المحتلة, والتي يرأسها ويديرها رموز من العائلة الحاكمة.

وليس غريبا أن يعمل النظام على التخطيط لحرب أهلية-طائفية, في محاولة لتحويل مسار الانتفاضة, حيث يعتقد بأنه سيكون المُنقذ.

إلا أن خطة النظام هذه ستفشل: لأن النظام أولا ليس ممثلا للطائفة العلوية, إنما ممثلا للاستبداد من كل الطوائف, بقيادة عائلة الأسد. وهذه الطائفة متضررة من هذا النظام كالطوائف الأخرى, سواء في معارضتها السياسية للنظام وتعرضها للسجن والتعذيب منذ استلام الأب السلطة في 1970 وحتى الآن, أو الإفقار الذي تعيشه, مثل كل الطوائف الأخرى. وثانيا: الاختلاط السكاني لكل الطوائف والأقليات والمصالح المشتركة للجميع في كل المدن. وثالثا: وعي الجيل الشبابي الجديد اكبر من التفكير الطائفي.

إذا استطاع النظام فرض الحرب الأهلية على المجتمع السوري, فإنها لن تستمر طويلا, وستكون بداية نهايته, لأنه لن يجد طائفة تحميه كما يعتقد. كما أن التقسيم الطائفي والذي يتخوف منه البعض غير ممكن نظريا وواقعيا.

لكن الخوف الأكبر أن ينقسم الجيش في الوقت غير المناسب, أي قبل أن تنضم المدن الكبرى للثورة. لأن هذا الانقسام سيزيح الثورة السلمية إلى الرصيف, ويتقاسم الحلبة العسكر في صراع دموي لا يمكن لأحد معرفة نهاياته المأساوية.

7-8-2011

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى