باسل العوداتصفحات سورية

آن أوان الوصاية الدولية/ باسل العودات

 

 

دخلت الأزمة السورية عامها الخامس ومازالت المأساة تتفاقم دون أن تظهر بارقة أمل بأنها ستنتهي أو حتى أنها ستهدأ، حتى أن الكثيرين من السوريين أعادوا ترتيب حياتهم مُفترضين أن الحرب ستستمر ربما لأكثر من عقد، كما أن الفشل الدولي في إيجاد حل يوقف الحرب والدمار مازال مستمراً.

فشلت كل المبادرات التي طُرحت لحل الأزمة السورية، أو بالأدق أفشلها النظام السوري، بدءاً من مبادرة تركيا المُبكّرة، ومبادرة الجامعة العربية في السنة الأولى من الأزمة، مروراً بمبادرة كوفي أنان ثم مبادرة الأخضر الإبراهيمي وخليفته دي مستورا، فضلاً عن مبادرات إقليمية وعربية ودولية جزئية أخرى، لم تنجح كلها في إقناع النظام بأن الماضي لن يعود وأن زمن الحكم الشمولي الأمني في سورية ولّى إلى غير رجعة.

بارقة الأمل الوحيدة التي برقت خلال الأربع سنوات الماضية كانت (إعلان جنيف)، لكن في الحقيقة سرعان ما تبدد هذا الأمل، بعد اكتشاف كل الأطراف أنه إعلان غير قابل للتطبيق لكثرة المفاهيم الغامضة وغير المحددة التي تضمنها والتي اختلفت أطراف جنيف على تفسيرها، وعدم وضوح بنوده وخاصة تلك المتعلقة بالأولويات وبمصير رأس النظام، وخلوّه من عقوبات رادعة للأطراف المُعطِّلة له وعدم وجود ما يحدد مدة زمنية لإنجاز بنوده.

لم يستطع النظام الانتصار على المقاومة المسلحة والحفاظ على وحدة الأراضي السورية على الرغم من الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي الهائل الذي تلقاه من حليفيه روسيا وإيران، وعلى الرغم من استخدامه العنف المفرط وأقصى درجات التدمير والقتل، كما لم تستطع المعارضة المسلحة حسم الموقف عسكرياً لصالحها، ولم يقبل أحد تزويدها بالسلاح النوعي القادر على كسر ميزان القوى، وحتى لو افترضنا جدلاً أن النظام سقط، فإنه من شبه المؤكد أن سورية ستدخل متاهة أمراء الحرب من كل ملّة وقومية وطائفة، ودوامة الحروب الهامشية بينها، وستواجه مخاطر تحوّل المقاتلين مؤيدين ومعارضين إلى ميليشيات فوضوية تخريبية تدميرية.

هذا الواقع التشاؤمي يدفع للبحث عن وسائل غير تقليدية لإنهاء الأزمة السورية قبل أن تُنهي هذه الأزمة الشعب السوري والدولة، وإيجاد حلول حتى لو كانت باهظة الثمن، خاصة وأن سورية باتت قاب قوسين أو أدنى من أن تُصبح دولة فاشلة ومستنقعاً لكل شرور العالم.

يرى البعض أن أحد الحلول الممكنة هو وضع سورية تحت الوصاية الدولية، بل ربما هو الحل الوحيد القادر على تخليص السوريين من النظام القمعي القائم، وحجب أي دور له في المستقبل، مع الحفاظ على ما تبقى من الدولة ومؤسساتها المدنية والعسكرية، ووقف أوحال الطائفية والمحاصصة والصراعات الداخلية، وهو أيضاً حل يُعطّل الفيتو الروسي الذي يحتمي به النظام.

إن الوجود الأممي على الأرض السوري لم يعد ترفاً، بل هو أمر جوهري لحل الأزمة، وحتى لو افترضنا أن الطرفين وافقا على تطبيق إعلان جنيف، لا يمكن أن يُنفّذ دون هذا الإجراء، للمراقبة والإشراف على التنفيذ وحفظ السلام، وأيضاً للإشراف على النظام السياسي الانتقالي، ولم يعد طرح وضع سورية تحت الوصاية الأممية أمر سابق لأوانه، فأمام انسداد أفق الحل السياسي وانعدام إمكانية الحسم العسكري لأي طرف، ووجود تشابك وتضارب مصالح إقليمية ودولية في هذا المجال الجغرافي الضيّق، وتحول سورية لمستقر ـ وقريباً لمنطلق ـ للإرهاب العابر للقارات، كل ذلك يؤكد على أن مبدأ الوصاية هو الحل الوحيد للأزمة في هذا البلد، أو بقايا البلد.

لقد حوّل النظام السوري بتطرفه وأوهامه الأزمة في سورية إلى مستوى لا يمكن أن يتحكم بها أحد، ومع مضي الوقت بدأت تفقد جميع الأطراف السيطرة على الصراع بمن فيها النظام نفسه، الذي مارس تجييشاً طائفياً كاد أن يقضي على مفهوم المواطنة ويعيد الفرد إلى المرجعيات الثانوية جميعها، وصار الأمر يحتاج إلى إعادة بناء الدولة والمجتمع ونشر مفاهيم المواطنة وثقافة العيش المشترك من جديد، وهو أمر قد يحتاج لعشرات السنين.

أحدثت الأمم المتحدة مفهوم الوصاية الدولية عام 1945، وهدفه الإشراف على بعض الأقاليم على طريق الاستقلال، بغرض النهوض بالتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي لها وتطورها نحو الحكم الذاتي وتقرير المصير، وحالياً لا يوجد أي منطقة جغرافية تحت الوصاية الدولية بعد أن استقرت أحوال هذه الأقاليم وقررت شعوبها الاستقلال والحكم الذاتي في اقتراعات عامة، وصحيح أن مبدأ الوصاية حدد أقاليم بعينها لكنها لم يحصرها، وبالتالي يمكن عبر رفع الملف السوري للجمعية العامة للأمم المتحدة بحث إمكانية وضع سورية تحت الوصاية الدولية بسبب تعقيداته الكبيرة جداً.

نظرياً، لا يمكن في ظل الوصاية أن تقرر دولة واحدة مصير سورية بل مجلس الأمن مجتمعاً، وهذا بدوره سيتيح المجال لوضع حد للنظام وتفكيك التنظيمات المسلحة المتطرفة واستيعاب المعارضة المسلحة في جيش يُعاد تشكيله وتغيير مهامه، تمهيداً لإعادة هيكلة الدولة ربما من الصفر، بدءاً من إقرار الدستور ووضع القوانين واختيار السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية وصولاً إلى إعادة بناء ما تبقى من مؤسسات الجيش والقطاع العام، وتهيئة المناخ لحكم ديمقراطي، ورغم أنها قد تفشل شأنها شأن مختلف السياسات في العالم، لكن أنصارها لا يرون في الأفق بقعة ضوء سواها.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى