صفحات سورية

آن الأوان للزحف الكبير


جان كورد

قد يتساءل البعض منا عن الاسباب التي حالت دون سقوط نظام الأسدي السوري رغم إيغاله العجيب في الانتقام الوحشي من شعبنا البطل، منذ بداية الثورة السورية الكبرى في آذار 2011 وإلى الآن، والجواب هو أن هذا النظام قد بنى له خلال عقودٍ طويلة من الزمن ترسانة عسكرية – أمنية عظيمة، وابتكر مختلف الحيل السياسية والإعلامية لايهام العالم بأنه لا يزال “عنصر أمن واستقرار!” في المنطقة، وكما كتبنا في مقالنا السابق “المستضعفون في الأرض…والعولمة” فهناك أسباب عديدة أخرى تتعلق بأنماط التفكير السياسي والتبعية النفسية التي تخلقها النظم الفاسدة والعنفية في نفوس “التابعين”، مما يعزز بقاءها واستمرارها… ولكن أحد أهم هذه الاسباب هو عجز المعارضة حتى الآن عن انتهاج أساليب أشد تأثيراً في التصدي والتحدي للنظام

ومن سمات عجز المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية، هو تواجد وتوزع رجالاتها على مساحة الكرة الأرضية كلها، مما جعل لقاءاتها وتمركزها في نقطة ما قصيرة الأمد زمنياً ومحدودة كماً وضعيفة نوعاً، واضطرارها لقبول “النصائح!” المختلفة من قبل حكومات الدول المضيفة لمؤتمراتها، وهذا يعني خضوع سياسات المعارضة السورية بمختلف فصائلها ومجالسها وهيئاتها لضوابط وقيود وإطارات معينة، ربما لا تريدها أصلاً، ولكنها مضطرة لقبولها على مضض. ولا ينفع عقد هذه المؤتمرات في أماكن مختلفة من العالم، وانتقال رموزها وقادتها بين استانبول والقاهرة وتونس، للايحاء بالاستقلالية المنشودة، فالشعور العام لدى السوريين هو أن مجرد التواجد على مقربة من مبنى الجامعة العربية في القاهرة يعني الاقتراب من سياسات هذه المنظمة التي تنفذ سياسات أنظمة عربية، منها النظام السوري أيضاً، وتخضع لتوجهات عربية واقليمية ودولية معينة، قد تعرقل أي تقدم حقيقي كان، للمعارضة السورية على طريق نضالاتها

ومن ذلك الرضا بأن ترسل الجامعة العربية بعد شهور من التقتيل والتدمير في سوريا، من قبل النظام وشبيحته على مرأى العالم أجمع، بهدف التحقق لشهرٍ كامل، عما إذا كان السوريون والمعارضون السياسيون يكذبون بحق نظامهم السياسي هذا أم لا. وبمجرد قبول المجلس الوطني السوري وهيئة التنسيق الوطني وسواهما من تحالفات المعارضة هذه الإهانة لها وللشعب السوري، بدا شعبنا الأبي رغم كل الدم الذي نزف من جثامين شهدائه، مشكوكاً في اتهاماته للنظام المجرم، وتستدعي هذه الاتهامات التحقق على أرض الواقع، بعد سقوط ما لايقل عن 6500 إنسان ضحية القنص والتعذيب حتى الموت في شوارع مختلف المدن السورية. وهنا لم يتمكن المجلس الوطني السوري، المفترض فيه امتلاك مصداقية كبيرة، اقناع الجامعة العربية بضرورة الكف عن خطوتها التفتيشية والتحقيقية والانتقال مباشرة إلى ممارسة حقها كمنظمة عربية عليا في ردع الظالم عن الاستمرار في جرائمه ضد الإنسانية

ومن سمات العجز الصارخ ل”حكومة السيد غليون!” حتى الآن، هو أنها تبدو كهيئة تنسيق مع “الجيش السوري الحر” الذي يجب خضوعه بكل مؤسساته وتراتبه العسكري إلى سلطة المعارضة الغليونية وليس تحركه وكأنه طرف معارض آخر، أو رديف نهري آخر، طالما أقسم اليمين على حيادية الجيش السوري واعتكافه عن السياسة

في الشارع الثائر لايكفي أن يحمل المتظاهرون مشكورين لافتات عريضة تقول بأن “المجلس الوطني السوري” ممثلهم، بل من الضروري تصعيد وتيرة التعامل السياسي والتنظيمي للمجلس مع الشارع السوري، وايجاد الوسائل وابتكار الخطط وانتهاج التاكتيكات التي تصعد من حالة الثورة الشعبية، فمن الضروري – مثلاً- تحويل هذه المظاهرات التي تحدث في مئات النقاط وفي مختلف المدن إلى مسيرتين حاشدتين في دمشق وحلب فقط، لاظهار قوة الشارع السوري في هاتين النقطتين اللتين يعتمد عليهما النظام حتى الآن، وذلك عن طريق التنسيق التام مع اتحاد التنسيقيات وهيئة قيادة الثورة وكل الروابط والمجموعات التي تساهم في بذل دماء أعضائها ومناصريها بهدف دعم الثورة وتطويرها، وعدم استثناء أي قوة مؤمنة بأهداف هذه الثورة حقيقة وعملياً

لابد من الزحف على دمشق وحلب من خارجها، فذلك يرغم النظام على الرحيل المفاجىء والسقوط الحر، وعدم حدوث مثل هذا الزحف حتى الآن، مهما كانت العراقيل والعوائق كبيرة، هو تقصير رموز المعارضة في إدارة الأحداث، والاكتفاء بلعب دور المشجع على الفعل المنتج، كمل لكل فريقٍ رياضي مناصروه، وهذه نقطة سلبية كبيرة في سجل المجلس الوطني السوري قبل غيره

آمل أن يكون الشهر الأول من هذا العام الجديد، الذي يدخله السوريون بقلوبٍ ملؤها الحزن والأسى لما لاقوه من ظلم وإرهاب لنظامهم السياسي القائم، شهر الزحف الكبير لدحر النظام في عقر داره وارغامه على السقوط نهائياً، وهذا يجب أن يكون أحد أهم أهداف المعارضة الوطنية والديموقراطية السورية، وليس فقط بعث المناشدات على الصعيد الدولي وترتيب الكراسي داخل المجلس

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى