جهاد صالحصفحات الثقافة

آه يا حمزة !!

 


جهاد صالح – واشنطن .

آه يا حمزة يا وجع البلاد الغارقة بين الحياة والموت..آه يا طفل قلبي…كيف تغدو الحرية من بعدك..كل النهارات تشيخ في لحظة وتغدوا طفل أسمه حمزة…

هلمّ يا حمزة نكتب في مدرستنا حكاياتنا..نرسم وجه البلاد في الصباح، وننشد موطني، سنحمل الطبشورة بين أصابعنا ، سنعيد كتابة ما خطّته أنامل أطفال درعا في نهار سقط من السماء، سنكتب الشعب يريد اسقاط النظام، سنكتب حرية، نعم منْ يقتل أطفال المدينة ، ومن ُيشرّد العصافير ويحرق أعشاشها هو ليس منّا..يقول حمزة وفي عينيه دهشة الحياة( لماذا قتلوا أهل قريتي ؟  أنا سأخرج غدا وسأصرخ يا حرية..أيها العسكر أنا لست خائفا، أنا قوي وصلب مثل هذه الأحجار البركانية المتناثرة..سأكون حُرّا كالرّيح..كشعاع الشمس الذي يدخل كل بيت…).

حمزة أين أنت يا طفل الثورة..يا وجع الحرية وبكائها في ليالينا التي كُسرت تحت نعال العسكر والشّبيحة الجبناء الذين يخافون من غناء الأطفال، حمزة لا تتسلق سلالم السماء، عُد هنا، عُد ! نحن في زمن الأجنحة التي تظل  مفتوحة ، سنظل نطير ، كالفراشات التي تبحث عن الربيع، عن الزهور.

ها هو حمزة مع العصافير، مع أسراب النوارس فوق بانياس والساحل، أين تطير يا حمزة ، لقد حلّ الربيع يا صغيري، أحملْ سلّتك ، إنه أوان الورد وقطف ربيع الحياة.. ستكون حُرا يا طفلي ، لا ترحل ،  عُد  ؟

آه من وجع النايات حين تبحثٌ عن لحن تاه في عيون الطريق، والجيزة تنتظر   حمزة ، لقد خرج ليفك الحصار عن غزة، ليفك الحصار عن الجيزة، عن درعا ، عن حوران..حصار أولاد الضيعة الواحدة، والتربة الأولى والأخيرة،  لقد حاصرونا بالبنادق والأسلاك وسكاكين تخجل من ذاكرتها وهي تقطّع جسد الوطن…

عاد حمزة …… جسد يحمل في ذاكرته حقد المحتلين لصباحات دمشق، جلده أزرق كالبحر الحزين، في جنبيه  علامات طلقتان اخترقتا  جسده الطري، وفي صدره صرخة طاغية أخترقت قلبه كالهشيم، كسروا عنقه ،  وكأنهم يريدون كسر الحياة واكسيرها….كم الصمت في حضور الموت وجلاله مُثقل حتى النخاع، حتى حشرجة العظام ، وجنون العقل والقلب لأجلك يا حمزة……

آه يا حمزة ، ستغدو السنابل يتيمة في هذا الموسم المليء بالخير والأمل، ستغدو اشجار الزيتون منكسرة ، منحية الظهر دونك، كيف تكون شوارع قريتك وهي تشتاق  لشقاوتك التي كانت تبعث الروح والنشوة في جدران طينية ما زالت تبتسم لأطيافك الملونة، ستفقد شوارع درعا  الاسفلتية  تنهيداتها ،حين كنت تركض حافي القدمين وراء حلمك، حلمك أن  تكون لك مدرسة وليس معتقلا، حلمك بلعبة وكسرة خبز طرية، حلمك بمرج أخضر، ووطن تغني فيه دون غيوم داكنة، ودون رجال ملثمون بالشّر، بعيونهم التي تكره ضوء الشمس ويعشقون الظلام..

حمزة هو حكاية البلاد التي كسرت الأصفاد ومزّقت السلاسل الحديدية، وخرجت من ركام الموت ، تبحث عن منبع الانسان والبشرية،  هو طفل  رسم على جدار مدرسته حلم أطفال سوريا في الحرية وسماءات كبيرة ، ملونة بكل ألوان الربيع.

حمزة  بياض ياسمين الشام وصباحاتها التي ما زالت تتنفس من نوافذ تسرق نور الشمس عبر زجاج النوافذ وشقوق الجدران، وتكسر جليد الخوف  لتتحول دمشق لحمامة اندلسية .

حمزة أبجدية حمص التي   نقشت نفسها على فوهات البنادق والدبابات التي كتبت نارها على مدن تنتفض لجذورها التي ُطمرت  منذ أزمان عمياء، وأمكنة فقدت خرائطها ، حين دجّن الطغاة  كل الحياة تحت سوطهم وأصواتهم الرمادية .

حمزة طفل كردي ، صلبوه على كرمة شاخت من الظلم، جرّدوه من هويته الكردية، من تربته السورية، سلخوا عنه أسمه وتاريخ ميلاده، جعلوه صفرا، عَدما، حمزة أنت كل أطفال  كاوا ، حجل جبال جودي، صوت حقول القمح القادم من الشمال .

حمزة تعال نصنع طيّارة ونفرح  بالربيع، بالصباح الجديد، بأطفال الحارة وهم يمدّون بعيونهم نحو طيارتك التي فقدت عيونها ومطاراتها ، لقد حجبوا عنك  الشمس والسماء والحلم، ورحلت يا نبض الحرية باكرا باكرا…..

ستغدوا كل البلاد تسافر أليك، وحلم الأطفال سيشبه لون عينيك، وسنزرع على صهوة الأسفلت والشوارع الثائرة لهفتك للحرية والغناء، سنظل نصرخ ونلمس نور الشمس، سنخرج قبل الفجر ، قبل النهايات الحزينة، سنكون أبناء الجن والنار والنور والماء والروح والملح والسكر، وسنفرش ظلالك أفقا يعانق عيوننا التي ستنتظر حماماتك وطياراتك الورقية ، وسنطلق أسمك على كل مدارسنا وحاراتنا  وحدائق الورد.

كنت يا حمزة شهيد الحرية، شهيد الوجدان وكبرياء الأوطان التي لا تشيخ أبدا، لقد  أخذتك الشمس في ضوئها ، في ذلك الربيع الذي يفرش نهاراتنا الغاضبة، غدوت طفل الحرية، فهنيئا لك بالحرية، وهنيئا بالحرية بك طفلها الأبدي.

حمزة علي الخطيب ، طفل ذو الـ 13 ربيعاً ، خرج من قريته الجيزة مع آخرين لفك الحصار عن أهل درعا ، تم اعتقاله عند حاجز للجيش قرب مساكن صيدا

بعد مدة تم تسليم جثمانه الطاهر لأهله ، و بدت على جسمه آثار التعذيب الذي تعرض له و مكان طلقات الرصاص في جسمه الطري ، و لم يكتفي جلادوه بذلك بل عمدوا إلى التمثيل بجثته فقاموا بقطع عضوه التناسلي و أطلقوا النار عليه

حمزة علي الخطيب أحد ضحايا النظام السوري المجرم ، تقبله الله من الشهداء و ألهم أهله الصبر و السلوان .

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى