خورشيد دليصفحات سورية

أبعاد الخلاف الأميركي التركي على كرد سوريا/ خورشيد دلي

 

 

حجج واشنطن ومخاوف أنقرة

الخلاف يتعمق

العلاقة في عهد ترمب

تحول كرد سوريا وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب إلى نقطة خلاف حساسة بين أنقرة وواشنطن، فتركيا التي تنظر إلى الصعود الكردي على حدودها الجنوبية على أنه تهديد لأمنها القومي والوطني، ترى أن مشكلتها الأساسية باتت مع سياسة الإدارة الأميركية التي لا تتوانى عن مواصلة الدعم العسكري للكرد رغم مطالبتها إياها مرارا بوقف هذا الدعم، وهو ما أثار الكثير من الجدل بين البلدين ولاسيما في الفترة الأخيرة من حكم باراك أوباما، حيث تنظر أنقرة بقلق شديد إلى احتمال استمرار هذا الدعم في عهد الإدارة الأميركية الجديدة، خاصة بعد الأنباء الأخيرة التي تحدثت عن وصول دفعة جديدة من الأسلحة والمعدات المتطورة إلى قوات سوريا الديمقراطية التي تشكل الوحدات الكردية عمادها الأساسي.

حجج واشنطن ومخاوف أنقرة

مع قناعة الإدارة الأميركية بأن وحدات حماية الشعب ولاحقا قوات سوريا الديمقراطية بأنها القوة الأكثر خبرة ومصداقية في محاربة داعش (تنظيم الدولة الإسلامية)، ومضيها في تسليحها، نجح كرد سوريا في تشكيل إدارة ذاتية على الأرض وإقامة ما يشبه إقليم كردي يتطلع إلى الفيدرالية، ومع هذا التطور الميداني ركزت الإدارة الأميركية على إقامة وجود عسكري لها في المناطق الكردية السورية من خلال إقامة قواعد ومقار وغرف عمليات مشتركة وإرسال مستشارين يشرفون على المعارك والعمليات العسكرية ضد داعش.

في مقابل التحالف الوظيفي الأميركي الكردي الناشئ، رأت تركيا الحليفة التاريخية للولايات المتحدة في الدعم الأميركي انقلابا على ثوابت العلاقة الأميركية التركية منذ أن انضمت تركيا مبكرا إلى الحلف الأطلسي عام 1952 وأعطت واشنطن أهمية خاصة لتركيا في إستراتيجيتها تجاه منطقة الشرق الأوسط ومن قبل خلال صراعها مع الاتحاد السوفييتي قبل انهياره.

ولعل ما زاد من الشكوك والمخاوف التركية هو عدم مبالاة الإدارة الأميركية بمطالبتها إدراج الوحدات الكردية على قائمة الإرهاب على اعتبار أنها تشكل الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف في قائمة الإرهاب الأميركية. وهو ما عمق من مخاوف تركيا التي قالت مرارا إن جزءا من الأسلحة التي ترسلها واشنطن إلى القوات الكردية تتسرب إلى حزب العمال الكردستاني، وهو الأمر الذي زاد من شكوك أنقرة بأن واشنطن لديها خطط سرية تهدف إلى إقامة دولة كردية في المنطقة، وأن إقامة هذه الدولة سيؤدي إلى تقسيم تركيا لاحقا، وهكذا تحول الدعم الأميركي للكرد إلى نقطة خلاف متصاعدة في العلاقات التركية الأميركية وصلت إلى حد مطالبة الرئيس رجب طيب أردوغان مرارا الإدارة الأميركية على الهواء مباشرة بالاختيار بين تحالفها الإستراتيجي مع تركيا وتحالفها مع كرد سوريا.

لواقع، من الواضح أن كرد سوريا هم المستفيد الأكبر من الخلاف الأميركي التركي هذا، ولعل ما قد يفاقم هذا الخلاف في المرحلة المقبلة هو استمرار الدعم الأميركي للقوات الكردية، بما يشجع هذه القوات على التقدم أكثر، سواء في إيصال الكانتونات الكردية بعضها بالبعض من المالكية (ديرك) شرقا إلى عفرين غربا، أو حتى القيام بدور أساسي في معركة تحرير الرقة من داعش، إذ في جميع هذه الأحوال أصبح الكرد مفردة صعبة في المعادلة السورية حربا أو سلما، وبما يكرس دورهم كرديا في المنطقة.

الخلاف يتعمق

رأت تركيا أن اللغة الدبلوماسية الأميركية التي حاولت التوفيق بين العلاقة الإستراتيجية مع أنقرة والحليف الكردي الجديد عبر لعبة التوازنات مجرد أسلوب دبلوماسي للتهرب من مطالب أنقرة، وأن مثل هذا الأسلوب لم يعد ينطلي عليها، وفي الوقت نفسه حرصت على عدم تفجر الخلاف مع واشنطن من جهة، ومن جهة ثانية استثمرت ورقة التوجه شرقا نحو موسكو للتعويض عن الحليف الأميركي وربما عقوبة له على ما تعتبره تركيا خيانة أميركية لثوابت العلاقات بين البلدين.

لكن من الواضح أن واشنطن لم تأبه كثيرا للسلوك التركي هذا، إذ واصلت دعمها لكرد سوريا وأصرت على القول بضرورة التمييز بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني، ولعل تصرفها هذا، نابع من قناعة أميركية بأن علاقاتها مع موسكو لن تتأثر بتوجه تركيا نحو الأخيرة، اعتمادا على التفاهم الأميركي الروسي بشأن الأزمة السورية بعيدا عن التفاصيل ولعبة الميدان في الساحة السورية.

في أسباب تعمق الخلافات الأميركية التركية، اعتقاد الإدارة الأميركية بأن أنقرة لم تفهم جيدا دور الكرد المهم في محاربة داعش، وسعيها إلى القفز فوق قضيتها الكردية الداخلية من بوابة شعار مكافحة الإرهاب، فيما نظرت تركيا على الدوام بريبة شديدة إلى الدعم الأميركي للكرد الذين يتطلعون إلى دولة مستقلة، وعليه تحركت عسكريا في شمال سوريا بهدف أساسي، هو ضرب المشروع الكردي والحيلولة دون ربط الكانتوتات الكردية مع بعضها البعض، لقناعتها بأن هذا الربط إن حصل سينعكس على قضيتها الكردية في الداخل حيث الصراع المرير مع حزب العمال الكردستاني، وهنا ترى انقرة أن انعطافتها نحو موسكو جاءت بفوائد إستراتيجية، وأبرزت قوة تركيا خارج المنظومة الغربية التي تريد دورا وظيفيا لتركيا في إستراتيجيتها لا أكثر. وفي النهاية فإن تركيا ترى أن الأولوية هي لمصلحتها حتى لو تعارضت مع الإستراتيجية الأميركية.

العلاقة في عهد ترمب

لا نبالغ إذ قلنا إن العلاقات الأميركية التركية في نهاية عهد أوباما وصلت إلى الحضيض، ولعل السبب الأساسي لذلك هو أن كلا من أوباما وأردوغان خيب آمال الآخر. وعليه، فإن السؤال الأساسي الذي يطرح هنا، هو هل سنشهد علاقة مختلفة في عهد ترمب؟

بداية، لا بد من القول إنه رغم الخلافات الحالية بين الجانبين فإن العلاقات التركية الأميركية تبقى إستراتيجية للجانبين، لكن ما سبق لا يعني عدم حاجتها إلى إجراءات ملموسة تعيد الثقة إليها وتؤكد مصيريتها للطرفين، مع التأكيد على أن تركيا تنظر بحساسية شديدة إلى عهد ترمب، لاسيما في ظل شعاراته المعادية للإسلام وانخراطه في إجراءات إقصائية بهذا الخصوص والحديث عن احتمال تصنيف الكونغرس الأميركي جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.

وهناك قضيتان ستمثلان امتحانا للعلاقة بين البلدين في المرحلة المقبلة هما:

-الأولى: التحالف الأميركي الكردي والدعم الأميركي لكرد سوريا، ولعل وصول أول دفعة من السلاح إلى الكرد في عهد ترمب وتصريحاته السابقة حول كرد سوريا وإشادته بمقاومتهم ومحاربتهم لداعش، كل ذلك يشكل مؤشرا سلبيا بالنسبة لتركيا إزاء عهد ترمب.

– الثانية: أن قضية تسليم واشنطن لزعيم حركة الخدمة فتح الله غولن ستبقى تظلل العلاقات التركية الأميركية في المرحلة المقبلة، لاسيما وأن الموقف الأميركي ينظر إلى هذه القضية من منظور قانوني وليس سياسي حتى الآن، وهو ما قد يعرقل تسليم غولن، وبما قد يؤزم العلاقات بين البلدين في ظل إصرار تركيا على تسليم غولن بوصفه المتهم الأول بالوقوف وراء الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو/تموز الماضي حيث انخرطت تركيا بعد ذلك في عملية بناء داخلي.

في الواقع، إذ كان من المبكر التهكن بسياسة ترمب إزاء القضيتين المذكورتين، فإنه ينبغي النظر إلى الأمور في إطار كيفية مقاربة ترمب للأزمة السورية، وتحديدا معركة الرقة كمؤشر يمكن البناء عليه بشأن العلاقة مع كل من تركيا والكرد، فالعناوين التي طرحها ترمب بخصوص هذه الأزمة تبدو غامضة جدا، سواء فيما يتعلق بإقامة مناطق آمنة أو معركة الرقة.

فحسب ما تروجه الأوساط المقربة من ترمب فإن معركة الرقة ستكون حاسمة وخلال فترة قصيرة، ومثل هذه المعركة تحتاج إلى تقديم المزيد من الدعم العسكري للكرد، وهو ما يعني أن سياسة ترمب ستضع تركيا أمام موقف حاسم طالما أن أنقرة ترى أن هذا الدعم سيكون على حساب تحالفها التاريخي مع واشنطن، لكن ما سبق ليس أكثر من تحليل ينبع من معطيات الواقع الحالي فيما الثابت أن العلاقة التاريخية بين واشنطن وأنقرة تظل مصيرية للطرفين لأسباب جيوسياسية لها علاقة بالصراعات الدولية الجارية.

جميع حقوق النشر محفوظة، الجزيرة

2017

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى