أبو علي
رزان زيتونـة
لم يتناقل الأصدقاء منذ أيام نبأ استشهاد “أبو علي خبية” بصيغة الخبر. غلبت صيغة السؤال الممزوجة بالدهشة وعدم التصديق، استشهد ابو علي؟! تساوى في ذلك من أحبّوه كثيرا ومن توجّسوا منه. مَن ساهموا في صناعة أسطورته ومَن حاولوا بلا جدوى تحجيمها. التشكيك في نبأ استشهاده كان يعود في جزء منه إلى محبة الناس لبطلها، وعدم الرغبة في تصديق أنه رحَلَ فعلاً قبل أداء مهمته التي عاهد السوريين عليها مرات ومرات.
وفي جزء آخر، يعود لأسباب تتعلّق بشخصية أبو علي وبغباء النظام وتهافته على التخلص من هذا الثائر.
فإعلام النظام سبق وأعلن نبأ “مقتل الإرهابي” أبو علي مرات لا تحصى، ليخرج بعدها أبو علي ويهزأ منهم بظهور علني جديد في هذه المنطقة أو تلك. بل إن البعض يزعم أنه هو من كان يسرب تلك الأخبار ليهزأ بعد ذلك بإعلام النظام ويحظى في الوقت نفسه بمزيد من فرص “التواصل” مع جماهيره!
أكثر من ذلك، تقول إحدى الحكايات عن أبو علي، إنه ذات مرة أعلن بنفسه نبأ استشهاده ليعود ويكذّبه من على مئذنة أحد المساجد.
لا يمكن الجزم بصحة الرواية، كما معظم الروايات حول أبو علي، رغم أنه ليس شخصًا ميّالاً إلى الغموض. فهو يتمتع بنزعة قيادية، ورغبة في الظهور. هذا ليس بالشيء النادر بين أهل الثورة، لكنه يفعل ذلك بطريقته الخاصة جدا التي لا يجاريه فيها أحد.
ظهر في العديد من الرسائل المصورة متحدّثاً على خلاف معظم القادة الميدانيين، باللغة العامية وبلا محاولة لإخفاء بساطته، ومن غير هدف واضح إلا التأكيد على “عهده”. فجميع رسائله احتوت على مضمون واحد، “أهرب يا بشار، جاييلك، أقسم بالله نازل لعندك.. جايين لعندك..”.
بعد سريان إشاعة استشهاده منذ أيام، بدأتُ بالرجوع إلى جميع الأشخاص الذين كانوا يتناقلون حكاياته البطولية ونوادره، أو الذين كانوا ينتقدون ما يسمّونه قسوة وارتجالية في أدائه العسكري.
فهو من قاد معركة الميدان الدمشقي التي وُجِّهت لها فيما بعد انتقادات حادة. وهو ينتقل في عمله العسكري من منطقة إلى أخرى غير مكتف بمدينته دوما التي كان من أوائل من أسسوا للمقاومة المسلحة فيها.
الغريب أن أحداً لم يتمكن من إعطاء أي معلومة دقيقة عنه، وتبين أن كل ما رُوي كان مثل الحكايات الشعبية لا نعرف تماما مصدره وكيف تطور من ناقل لآخر.
أُنشئت له العديد من الصفحات على “فيس بوك”، تنعاه وترثي مآثره. واحتفى إعلام النظام برحيله في العناوين العريضة. لكن حتى ذلك لم يكن من غير مسحة الغموض التي ميّزت حياته المتجددة! حتى المواقع الرسمية وشبه الرسمية، تناولت تفاصيل استشهاده بشكل مختلف من موقع لآخر، فهو مرة استشهد في الشيفونية، ومرة في مسرابا وأخرى في داريا.
رغم الضجة الكبيرة التي ترافقت مع إشاعة استشهاده الأخيرة، لم يخلُ الأمر من بعض الأصوات التي شكّكت. لا صورة ولا فيديو للشهيد. لكن الإعلان تم عن طريق الصفحات الموثوقة وذات المصداقية على “فيس بوك”.
هذه المرة اقتضى الأمرُ عدة أيام قبل إعلان نفي خبر الاستشهاد عبر بيان نشره “لواء شهداء دوما”. علت الابتسامة الوجوه بدل الدهشة. هذا هو أبو علي خبية، على الأرجح أنه لن يتغير. ثم إنه على موعد مع بشار، كيف يخلفه أو يترك حتى للموت أن يحول دونه؟!.
موقع لبنان الان