صفحات العالم

نظرة سوداوية بشأن سورية/ يزيد صايغ

ملخّص

إن الوقت الذي كان يمكن فيه إلحاق الهزيمة بالأسد بواسطة قيادة معارضة غير كفؤة وحركة تمرّد ممزّقة، قد انتهى.

جادل الكثيرون بأن انهيار محادثات مؤتمر جنيف 2، أواسط شباط/فبراير الماضي، والتي كانت ترمي إلى وضع حد للصراع السوري، جعل البلاد رهينة مأزق عسكري دائم. لكن، وفيما يدخل الصراع عامه الرابع، فإن المأزق ليس ساكناً البتّة.

إنّ احتمالات بروز إطار دبلوماسي جديد قابل للتطبيق لتهدئة الوضع تبدو أبعد من أي وقت مضى. ومن المستبعد أيضاً أن تصبح سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية أكثر حزماً. وفي ظل غياب هذين العاملين الخارجيين الرئيسين، سيتم تحديد مسار واتجاه الصراع خلال ماتبقى من العام 2014 وكذلك في العام المقبل من خلال التغييرات التدريجية في المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية داخل سورية.

لكن تلك التغييرات تتجلّى بطرق متناقضة. إذ يعاني الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية – والذي يعتبر ظاهرياً الممثل السياسي الرئيس للمعارضة – من أزمة دائمة وماحقة، لم ينقذه منها سوى اعتراف تقادم عليه الزمن من جانب مجموعة أصدقاء سورية، التي يقرّ أعضاؤها الرئيسيون في مجالسهم الخاصة بأنه لا صلة للائتلاف بشكل متزايد بالتطورات على الأرض. ثم أنّ التمرّد المسلح، الذي ما زال يتّسم بالتأثير و القوة، يتراجع حتى في الوقت الذي يبدو أنه يتعزّز.وبالواقع، فإن محصلة التأثير المتراكم للتطورات منذ خريف العام 2013 يميل لصالح نظام الرئيس بشار الأسد. صحيح أن النظام لايزال بعيداً عن تحقيق انتصار عسكري شامل، وربما لن يحققه أبداً. كما لاتزال المكاسب التي يحققها النظام بطيئة ومكلفة، ومؤقتة في أحيان كثيرة، وعرضة إلى التغيّر والانتكاس. إلّا أنه في حال تواصُل الاتجاهات الحالية، (وليس ثمّة دلائل تشير إلى أنها لن تستمر)، سيكون النظام في وضع مهيمن وسيحقق سيطرة فعالة على “الكتلة الحرجة” من البلاد بحلول نهاية العام 2015، إن لم يكن قبل ذلك.لاتقيم مجموعة أصدقاء سورية علاقات دبلوماسية مع دمشق الأسد، وعلى الرغم من حصول اتصالات مباشرة معه من جانب ست وكالات استخبارات غربية في أوائل العام 2014، فمن غير المرجّح أن تعيد المجموعة العلاقات هذه. لكن في مرحلة ما، من المحتم أن تعترف المجموعة بأن بقاء النظام لم يعد موضع شكّ وتعدّل سياساتها وفقاً لذلك. ومن المفارقات أن بقاء النظام قد يكون وحده القادر على تمهيد الطريق أمام انبثاق معارضة جدّية إلى العلن داخل الحاضنة الاجتماعية للنظام و قاعدته المؤسّسية .

فشل الائتلاف الوطني فشلاً ذريعاً، حتى الآن، في إيجاد انعطاف سياسي حاسم من هذا النوع. ومع مرور كل يوم، يصبح من غير المرجّح أكثر أن يتمكّن الائتلاف من اغتنام الفرصة التي يتيحها مثل هذا الانعطاف في حال ظهوره واستقطاب كتلة حرجة من الجماعات الثائرة المسلحة للحاق به. غير أن نوعاً أكثر فعّالية من المعارضة السورية قد ينشأ في هذا الفراغ.

حدود الدعم العسكري للثوار في سورية

في ظل ثبات الدعم الروسي والإيراني لنظام الأسد، على مايبدو، والذي يرجّح أن يستمر بالمعدلات الحالية المرتفعة في المستقبل المنظور، فإن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يبطئ أو يغيّر أو حتى يقلب الاتجاهات داخل سورية، هو حصول تحوّل جذري في ماتبدو مجموعة أصدقاء سورية مستعدة للقيام به لدعم المعارضة السورية وتحسين فرص نجاح عملية انتقال سياسي حاسمة. بيد أن الأعضاء الرئيسين في مجموعة أصدقاء سورية، أي الدول الإحدى عشرة المعروفة باسم “المجموعة الأساسية”، لن تفعل أكثر مما فعلت بالسابق لتغيير المسار الحالي للتطورات على الأرض. فالولايات المتحدة وشركاؤها الرئيسيون في أوروبا، على سبيل المثال، لن يتخذوا مثل هذا الإجراء، وليس بمقدور للمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة اتّخاذه.

تسعى الولايات المتحدة على أبعد تقدير، والتي قيل إنها زادت حجم التمويل والمساعدات الأخرى التي تقدمها للثوار السوريين منذ فشل الجولة الثانية من محادثات جنيف، إلى تأمين نفوذ كافٍ لإجبار نظام الأسد على التفاوض بجدّية. غير أن نطاق وحجم المساعدات العسكرية الأميركية ليس كافياً لتحقيق حتى ذلك الهدف المتواضع. فبين العام 2012 ونهاية آذار/مارس 2014، تضمنت المساعدات الأميركية عناصر غير فتاكة مثل سيارات الإسعاف والشاحنات ومعدات الاتصالات والفرش والبطانيات ووجبات الطعام المعلبة والمستلزمات الطبية بقيمة بلغت نحو 26 مليون دولار، في حين خضع مايقدر بـ 1000-3000 من مقاتلي المعارضة لبرنامج تدريب وتجهيز تديره وكالة المخابرات المركزية في الأردن. وحتى لو تم الآن صرف المبلغ الإجمالي البالغ 80 مليون دولار من المساعدات العسكرية غير الفتاكة التي تم التعهّد بها منذ العام 2012، فإنه لن يغيّر الميزان على الأرض.

غير أن واشنطن بقيت مصرّة على معارضتها تزويد الثوار السوريين بصواريخ مضادة للطائرات، وتستمر في منع آخرين في مجموعة أصدقاء سورية الأساسية من القيام بذلك، مايحدّ من قدرة المعارضة على إبطاء أو إضعاف تقدّم النظام. والواقع أن الولايات المتحدة، وعلى الرغم من تسهيلها سراً وصول بعض شحنات الأسلحة المموَّلة من بلدان الخليج إلى المعارضة، لاتزال متردّدة في تزويدهم بمساعدة عسكرية فتاكة بصورة مباشرة، وكذا الأمر بالنسبة إلى حلفاء غربيين آخرين مثل بريطانيا، التي جدّدت معارضتها تسليح الثوار في أواخر آذار/مارس و أصرّت على عودة الجميع إلى طاولة المفاوضات.

في آب/أغسطس الماضي، عندما تم استخدام الأسلحة الكيماوية بالقرب من دمشق، هدّدت الولايات المتحدة وحلفاؤها بتوجيه ضربة عسكرية ضد نظام الأسد. غير أنه تم إيجاد حل سياسي، وافقت دمشق بموجبه على تدمير مخزونها من الأسلحة الكيماوية. ربما كان من المحتمل لو تلكّأ النظام في تفكيك قدراته في مجال الأسلحة الكيماوية أن يبرّر تجديد التهديد بتوجيه ضربة عسكرية له، و لكن العملية تمضي قدماً. فعلى الرغم من التأخير، تم التخلّص من 54 في المئة من مخزون العناصرالكيماوية الفتاكة بحلول أوائل نيسان/أبريل، وفقاً لرئيس البعثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الذي أكّد أيضاً أن 40 في المئة إضافية باتت معبأة بالفعل لنقلها إلى الخارج أو تدميرها داخل البلاد.

لايزال من المستبعد جداً أن تعتبر إدارة أوباما استمرار النزاع حول تدمير اثني عشر موقعاً لإنتاج الأسلحة الكيماوية في سورية – وهو الأمر الذي يعارضه النظام – سبباً كافياً لشنّ ضربات عقابية. لاتبدو تحفّظات الرئيس الأميركي المعلنة حول وضع قوات أميركية على الأرض ذات أهمية، لأن هذا الأمر ليس على المحك في الحقيقة، لكن تخوّفه من الاضطرار إلى توجيه ضربات إضافية لاحقة في إطار دوامة نزاع متصاعد، و هو الأمر الذي لا يريده البتة، سيستمر في ردع أي عمل أميركي مباشر.

في المقابل، يبدو أن المملكة العربية السعودية، التي تولّت قيادة محور الدول العربية الذي يدعم التمرد المسلح في سورية في حزيران/يونيو الماضي، لازالت تسعى أكثر من واشنطن إلى إحداث تحوّل حاسم في التوازن العسكري كافٍ لفرض شروط على الأسد أو تنحيته تماماً. بيد أن السعودية تفتقر إلى الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك من دون الولايات المتحدة. فهذه الأخيرة هي التي تمتلك القرار بشأن احتمال أن يكون الأردن منطلقاً لهجمات يشنّها الثوار بدعم من السعودية. لكن من غير المرجّح أن تمارس واشنطن النفوذ اللازم للقيام بذلك. فقد صرّح المتحدث الرسمي باسم الحكومة الأردنية، الوزير محمد المومني، بشكل قاطع يوم 6 نيسان/أبريل قائلاً: “لم ولن نسمح بعبور أية أسلحة أو مقاتلين للأراضي السورية”. العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة ليست متينة، حيث جرى التأكيد على مدى سوء الفهم والاختلاف بين البلدين عندما ادّعى مصدر سعودي رفيع لم يذكر اسمه أن أوباما رفع الحظر الأميركي المفروض على توريد صواريخ مضادة للطائرات إلى الثوار السوريين خلال لقائه مع العاهل السعودي الملك عبدالله، غير أن وزارة الخارجية الأميركية سارعت إلى نفي ذلك على الفور.

من المستبعد جداً أن تحيد السياسة السعودية تجاه سورية عن أهدافها الأساسية، لكنها قد تفقد تماسكها. وهذا يرجع جزئياً إلى حقيقة أن المسؤولية عن ملف سورية انتقلت مرة أخرى في شباط/فبراير 2014، من رئيس الاستخبارات السعودية، الأمير بندر بن سلطان، الذي تولاّها في تموز/يوليو الماضي، إلى وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف. الأهم من ذلك هو أن التحوّل الذي يلوح في الأفق في القيادة السعودية والذي تمت الإشارة إليه من خلال تعيين ولي عهد جديد في 27 آذار/مارس قد يسهم في التباس وغموض عملية صنع سياسة المملكة الخارجية. فقد تتوزّع عملية صنع القرار، وهي عملية مشخصنة للغاية، لأن ثمّة مراكز سلطة متعدّدة تستعدّ للتنافس على خلافة الملك عبدالله.

خيبة أمل الدبلوماسية

سيكون المجال أمام الدبلوماسية الممكّنة من أي نوع لوضع حدّ للصراع السوري محدوداً بالقدر نفسه في المستقبل القريب. ففي البيان الصادر عن قمتهما المشتركة يوم 26 آذار/مارس، أكدت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مجدداً أن “عملية مفاوضات جنيف ضرورية لتحقيق انتقال سياسي حقيقي في سورية”. بيد أن إطار جنيف معطّل في واقع الأمر.

إذا، ومتى، أصبح التوصّل إلى صفقة دبلوماسية بشأن سورية ممكناً، فلن تشبه للإطار المنصوص عليه في البيان المشترك الصادر في 30 حزيران/يونيو 2012 و المعروف بِ “جنيف 1″. بدلاً من ذلك، من المرجح أن تجسّد الصفقة اعترافاً صريحاً بالحقائق على الأرض، والتي لاتزال في صالح النظام، وإلا فلن تتم صفقة دبلوماسية على الإطلاق.

مع ذلك، ومنذ انهيار محادثات جنيف في شباط/فبراير الماضي، تفاعل البعض إيجاباً من خلال السعي إلى استئناف العملية الدبلوماسية. ويقال إن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والمبعوث الخاص الأخضر الإبراهيمي لازالا يأملان في إقناع أطراف النزاع السوري بالمشاركة في جولة ثالثة من المحادثات الرسمية، في حين يشارك بعض السوريين وغير السوريين في مناقشات المسار الثاني وراء الكواليس. ويقترح آخرون استخدام مسألة وقف إطلاق النار الإنساني، مايتيح وصول المساعدات، كنقطة انطلاق لمفاوضات أكثر جدوى.

ومع ذلك، لايوجد مايشير إلى تحقيق أي تقدم. ويعود هذا في جزء منه إلى حقيقة أن التوصل إلى نهاية دبلوماسية للصراع السوري، يتطلب مقاربة جماعية توافقية كي تحظى بالصدقية، غير أن التطورات الإقليمية والدولية تكاد تجعل هذا الأمر شبه مستحيل.

اندلع التناحر العلني بين المملكة العربية السعودية وقطر في شباط/فبراير، وفي موازاة ذلك توتّرت العلاقات بين تركيا والسعودية. وهذا يؤدّي بطبيعة الحال، إلى جانب احتمال فك ارتباط تركي جزئي بالشؤون العربية وإمكانية تطبيع تركيا لعلاقاتها مع إسرائيل، إلى انقسام الداعمين الإقليميين الرئيسين للمعارضة السورية وإضعاف قدرتهم على تنسيق المواقف الدبلوماسية والعسكرية في مشهد استراتيجي متغيّر.

ويحول التدهور الحاد في العلاقات الأميركية – الروسية بشأن أزمة أوكرانيا إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة دون الوصول إلى حدّ أدنى من التوافق بشأن سورية بين القوتين اللتين تتمتعان بأهمية حاسمة. في هذا السياق، كان حديث بعض الدبلوماسيين من مجموعة أصدقاء سورية عن سعيهم لاستصدار قرار بموجب الفصل السابع من مجلس الأمن الدولي يسمح بفرض عقوبات إلزامية والقيام بعمل عسكري جماعي ضد نظام الأسد مرائياً إلى حدّ التضليل.

لم يكن في الحسبان اللجوء إلى دبلوماسية أكثر قوة. فقد وضع قرار مجلس الأمن 2139 الصادر في 22 شباط/فبراير، والذي ركّز الجهود الدولية على تأمين وصول المساعدات الإنسانية إلى سورية من دون عوائق، الحدّ الأقصى لما يمكن للأعضاء الغربيين في مجموعة أصدقاء سورية القيام به في المستقبل المنظور. لكن حتى هذا السقف يتجاوز مايرغب أصدقاء سورية في تنفيذه. وكنوع من التأكيد على ذلك، قدمت لجنتا العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ومجلس النواب الأميركي، كل على حدة، مشروعي قرارين في منتصف آذار/مارس ركّزا بشكل كامل تقريباً على تنفيذ القرار 2139. بالإضافة إلى ذلك، حثّت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الإدارة وحلفاءها على “سحب اعترافهم رسمياً بنظام بشار الأسد بوصفه الحكومة الشرعية لسورية”، كما حثّت مجلس الأمن الدولي على أن “تعلّق الجمعية العامة حقوق وامتيازات عضوية الحكومة السورية “، غير أن كلا القرارين غير ملزمين، ولايعدوان كونهما مجرّد لفتات معنوية.

في الوقت نفسه، بدأت مظاهر الإعياء تصيب المانحين. إذ لم يتمكن النداء الذي أطلقته الأمم المتحدة يوم 16 كانون الأول/ديسمبر 2013، لجمع 6.54 مليار دولار لخطة المساعدة الإنسانية في سورية ولخطة الاستجابة الإقليمية في سورية في العام 2014، من جمع أكثر من 1.57 مليار دولار على شكل تعهدات، بما في ذلك نحو 400 مليون دولار مخصّصة للوكالات والمشاريع الأخرى. ومع بداية نيسان/أبريل 2014، لم تتلق خطتا الأمم المتحدة سوى 1.06 مليار دولار – 16 في المئة مما تم طلبه في النداء الأصلي – ما خلّف عجزاً بواقع 5.48 مليار دولار. وسوف يستمر الأمين العام للأمم المتحدة واللجنة الدولية المستقلة للتحقيق في الجمهورية العربية السورية، بالتوازي، في إصدار بيانات وتقارير دورية عن الوضع الإنساني وانتهاكات حقوق الإنسان في سورية، لكن في ظل غياب الوسائل اللازمة لترجمتها إلى عواقب ذات مغزى بالنسبة إلى الأطراف المسؤولة عن الخروقات، ولاسيّما نظام الأسد، تبقى تلك البيانات والتقارير مجرد طقوس وشعائر.

كان دعم روسيا وإيران حيوياً بالنسبة إلى استراتيجية نظام الأسد في معارضة إجراء مفاوضات ذات مغزى وإعطاء الأولوية للبقاء على أي اعتبار آخر. لكن لاموسكو ولاطهران تبدو متشبثة بالأسد، ووفقاً لمصادر مطلعة موثوقة يعترف حتى المتشدّدون في معسكر المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي بأن الأسد لايمكن أن يبقى في السلطة.

مع ذلك، ثمّة احتمال ضئيل في ظل الظروف الراهنة للتوصّل إلى حلّ وسط يتوخّاه الآن البعض الذين يفترضون أن بالإمكان جعل روسيا وإيران تماشيان مجموعة أصدقاء سورية في السعي إلى إنجاز عملية انتقال سياسي هادفة. لكن روسيا وإيران لن تستغنيا عن الأسد تحت الإكراه، طالما أن المعارضة السورية وداعميها الخارجيين في تراجع. فقد جدّد نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية أمير عبداللهيان التأكيد على هذا بصراحة في 2 نيسان/أبريل، قائلاً: “نحن لانسعى لأن يبقى بشار الأسد رئيساً مدى الحياة. لكننا لانتّفق مع فكرة استخدام القوى المتطرّفة والإرهاب لإسقاط الأسد والحكومة السورية”.

الحقيقة المحزنة هي أن أحدث خطة سلام إيرانية والتي تتكون من أربع نقاط، ربما تكون العرض الوحيد المجدي المطروح على الطاولة بالنسبة إلى المصمّمين على إيجاد مخرج من الأزمة الدبلوماسية في ظل الظروف الحالية. و تدعو الخطة إلى وقف عام لإطلاق النار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتألف من النظام والمعارضة السورية “الداخلية”، وإلى النقل المتعاقب لمجموعة واسعة ولكن غير المحدّدة من السلطات الرئاسية للحكومة على مدى سنوات عدة، وإجراء انتخابات عامة ورئاسية.

لن تقبل مجموعة أصدقاء سورية هذه الخطة رسمياً كأساس لاتفاق سلام. لكن مبعوثي بعض الدول الرئيسة في المجموعة يُسِرّون، في مجالسهم الخاصة، بأن الخطة لا حيل لهم. وهم يأملون الآن في أحسن الأحوال في احتمال التوصل على نحو ما إلى صفقة تسمح للأسد بالبقاء في منصبه لمدة عامين آخرين بينما يتم تنفيذ ترتيبات الحكم الانتقالي. في منتصف آذار/مارس، على سبيل المثال، ذكر الموقع الإخباري السوري المعارض “زمان الوصل” أن وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير حثّ رئيس الحكومة المؤقتة للمعارضة أحمد طعمة على إيجاد “حل وسط” يتيح للأسد بأن يبقى موجوداً في المرحلة الانتقالية، “ولو لفترة قصيرة”.

و لكن كانت الفرصة لمثل هذا التفكير قبل عام كامل، عندما ألمح الأسد من خلال إشاراته المتكررة إلى انتخابات الرئاسة القادمة في العام 2014 إلى استعداده لجعل تلك الانتخابات محور التوصل إلى اتفاق. ومهما كانت نواياه يومها، يبدو واضحاً الآن أن الأسد يرى نفسه باقياً لولاية ثالثة مدتها سبع سنوات. لم يعد مهماً إذا كان سيتم ترتيب هذا الأمر من خلال انتخابات غير مقنعة أو عن طريق تمديد ولايته الحالية لمدة سنتين، كما ألمح البعض إلى أنه قد يفعل، على أن يتبع ذلك إجراء انتخابات بمجرّد أن يتضح أن النظام بات يسيطر على الجزء الأكبر من الأرض والسكان. وهكذا فإن إصرار القمة المشتركة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على أن الانتخابات في سورية “ينبغي ألا تتم إلا ضمن هذا الإطار [بيان جنيف]” سيصبح قريباً أمراً لا يمت للواقع بصلة.

نوع جديد من المعارضة؟

إذا ما تم إجراء الانتخابات وانتخب الأسد مرة أخرى، فلن يكون النظام قد حقق نصراً كبيراً أو دائماً حتى لو كان بمقدوره أن يفوز، كما يعتقد بعض الدبلوماسيين الغربيين، في منافسة حرّة حقاً وليس في استفتاء مفتعل. سيواجه النظام حتماً توتّرات وتحدّيات جديدة وهو كلما ينجح في تثبيت وضعه وتعزيز قبضته العسكرية، لأن الذين قاتلوا من أجله سيقدمون مطالب كانوا قد أجّلوها في ذروة الصراع المسلح.

وهذا لن يسفر سوى عن تحريض بعض الحاضنة الأساسية للنظام (بما في ذلك قطاعات من الطائفة العلوية التي قدمت المقاتلين وتكبدت خسائر رهيبة، والجيش بشكل عام، والكثيرين في أجهزة الدولة وحزب البعث) ضد دوائر أخرى (بما في ذلك أفراد عائلة الأسد والمقربين الزبائنيين منها، والجيل الجديد من أمراء الحرب الموالين للنظام). إذ تبدو معارضة هؤلاء واضحة بالفعل عندما يتعلق الأمر  بالتجاوزات التي تقوم بها قوات الدفاع الوطني السوري، وهي ميليشيا النظام المتهمة بممارسة النهب و فرض الأتاوات حتى في المناطق الموالية، وأفراد عائلة الأسد، مثل عم الرئيس هلال وابن عمه سليمان (الذي قتل خلال هجوم معارك منطقة كسب الشمالية أواخر آذار/مارس)، و الذين كان يديرون المنطقة الساحلية باعتبارها إقطاعية خاصة بهم كزعماء محليين.

تشكّل هذه الأنواع من الاحتجاجات والمطالب الاجتماعية من داخل صفوف الموالاة للأسد نفسه تحدياً لايمكن الردّ عليه بالقوة الغاشمة، على عكس التحدّي الذي فرضه التمرّد المسلح. غير أنه سيكون من الصعوبة بمكان أيضاً تهدئة المعارضة من خلال زيادة الإنفاق الحكومي، نظراً إلى الحاجة إلى تقليص و تفكيك اقتصاد الحرب تدريجياً والتحوّل من السياسات المالية الموجهة نحو البقاء إلى الاستثمار العام. كل هذا ناهيك عن الحاجة لتغطية تكاليف إعادة الإعمار في المناطق الحضرية التي تعتبر مهمة من الناحية السياسية للنظام، وتأمين عودة رؤوس الأموال السورية الهاربة وجذب رجال الأعمال من خلال سياسات وحوافز مناسبة، وفي نهاية المطاف، سداد ديون الحرب الضخمة.

قد تمضي سنوات عدة قبل أن تتمكّن مثل هذه المعارضة، التي تعتمد جزئياً على موالين سابقين للنظام، من عبور الفجوة العميقة التي خلفها الإرث الطائفي للصراع السوري. وليس ثمّة ضمانة بأنها ستبرز، و لا أنها ستأخذ هذا الشكل أو ذاك أو تتبنّى هذه الوجهة أو تلك. وللأسف، فإن الائتلاف الوطني ليس أقرب اليوم من أي وقت مضى لأن يكون قادراً أو مستعداً سياسيا لعرض المشاركة وفقاً لشروط يمكن أن يعتبرها أنصار النظام ذات صدقية إذا ما سنحت الفرصة. وما من شك في أن التمرد المسلح يخلق معارضة سياسية داخل القاعدة الاجتماعية للنظام من خلال تكبيدها حصيلة مرتفعة من القتلى ومواصلة التهديد بجلب الحرب إلى مناطق النظام الآمنة نسبياً. غير أن هذا الأسلوب فشل سابقاً في ترجيح الكفة في الأحياء العلوية المعرّضة في دمشق وحمص وحماة أو حتى في أحياء الطبقة الوسطى ذات الغالبية السنّية في العاصمة وحلب.

تبقى الثورة الديمقراطية حقيقة واقعة يستمر الكثير من السوريين في النضال من أجلها. ومع ذلك، فقد لايتحقق أي بديل جديد إلى أن تخسر المعارضة السياسية القائمة والتمرد المسلح الحالي المعركة. هذه بالطبع نظرة سوداوية. غير أن الوقت الذي كان يمكن فيه إلحاق الهزيمة بالأسد بواسطة قيادة معارضة غير كفؤة وحركة تمرّد ممزّقة، قد انتهى.

معهد كارنيغي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى