صفحات الثقافة

التشكيلي الكردي السوري كيتو سينو وبصمة تشكيليّة جديدة على جسد بلجيكا


بروكسل ـ هوشنك أوسي: في ‘البدء كان الحرف’، ثمّ أتت ‘الكلمة’ ثمّ الكتاب. والأخير، في طوره البدائي الأوّل، كان لوحاً، ‘رقيماً’، خطّته ـ نحته يدٌ مبدعة، لئلا تضيع ذاكرة المكان وقاطنيه.

ولئن الكتابة كانت في بدايتها، أشكالاً على الجدران والالواح، فخيرُ الكتبة آنئذ، كان أمهرُ التشكيليين ـ النحّاتين. وعليه، ثمّة آصرة حميمة، وشجية ووطيدة بين فنّ الكتابة وفنّ التشكيل. وهذه العلاقة، لمّا تزل حاضرة وقويّة، رغم تعاقب العصور على الكتابة والفنون التشكيليّة. في هذا السياق التبادلي، الابداعي التاريخي، يأتي العمل التشكيلي الذي قدّمه الفنان الكردي السوري كيتو سينو، بعنوان ‘وداع الكتاب’. هذا العمل، اقتنته إحدى أضخم وأبرز دور رعاية المسنين في بلجيكا، حيث تمّ رفع الستار عنه مؤخّراً في مدينة ويفلكيم البلجيكيّة، بحضور وزيرة الاتصالات والخدمات وعمدة المدينة وحشد من الفنانين والاعلاميين والمهتمين.

الكتاب ـ الكرسي

فكرة العمل، تتأتّى من العودة الى الكتاب الحجر، ليس كما كان، رقيّماً لوحاً، بل كتكوين جمالي، ابداعي، باعث على الدهشة والالفة والحميميّة. هكذا، اراد سينو الاحتفاء بالكتاب، بأن حوّله الى مقعد، ونصبه في حديقة، وأهداه لدار راعية المسنين، واسمى عمله ‘وداع الكتاب’، لكّأنّه نصب تذكاري لجنديٍّ مجهولٍ معلوم. هو وداعٌ واحتفاءٌ بالكتاب في آن، على أنه يبقى، والى الأبد؛ ‘نعم الأنيس في ساعة الوحدة ونعم القرين ببلاد الغربة’، كما أوصانا الجاحظ، و’خير جليس في الزمان كتاب’، كما قال المتنبّي.

استغرق انجاز العمل (الكرسي ـ الكتاب) شهرين ونصف، ويزن نحو 500 كليوغرام، بارتفاع174 متر، وعرض 1735متر، وطول 2 متر. تتكون كتلة العمل من مجموعة مواد معالجة لتوائم الطقس والظروف المناخيّة، منها: الخشب، الحديد، الاسمنت، والسيراميك، قام الفنان بطبخ الوانها، خصيصاً لهذا العمل. وبالتالي، اتى المقعد على شكل كتاب مفتوح، صفحتيه الداخليتين، مطليتان بقطع صغيرة من السيراميك الأخضر، وعبر تدرّجات معيّنة، بحيث دوّن بها كيتو سينو على هاتين الصحفتين اسماء بعض عظماء ومشاهير الفن والادب والفلسفة في العالم من عرب وكرد وفرس وترك وغربيين، في إشارة الى ان الجامع بين الشعوب والاقوام هو الثقافة والكتاب. وخصصت منطقة معيّنة من حديقة المبنى لهذا النصب (الكتاب ـ الكرسي)، ولاقى اعجاب واستحسان ودهشة الحضور.

حول عمله، قال كيتو سينو لـ’الحياة’: ‘انه كتاب، لمسته الريح فانفتحَ، لثير ويشجّع نديمه على القراءة والتوحّد مع المكان. ويطرح الاسماء وتأويلاتها باللون والحجر والملمس’. ويشير سينو الى ان عمله ينتمي الى ‘الفن النحتي والتركيبي وحتّى التطبيقي’.

الباب ـ اللوحة

والفنان السوري كيتو سينو، سبق وان نفّذ عدّة اعمال فنيّة ـ تركيبيّة، لصالح مؤسسات رسميّة ومدنيّة بلجيكيّة، وكان آخرها لوحة جداريّة، بعنوان: ‘حماية’، بطول 4،2 متر وعرض 1،66 متر. دخل في تكوينه الحديد والرصاص ما يزيد عن 1000 قطعة زجاج ملوّن، بتقنيّة الزجاج المعشّق ‘الفيتراج’. وجرى رفع الستار عن العمل في مجمّع يضمّ المنظّمات المدنيّة والاهليّة في بلجيكا، يسمّى ‘المجمّع العام للمصلحة العامّة’، وذلك بحضور وزراء الصحّة والرياضة والاتصالات، بالاضافة الى برلمانيين وحشد زاد عن 200 شخص بين صحافي وفنان ومهتم.

وهذه اللوحة الجداريّة ـ الباب، تنتمي للمدرسة التعبيريّة، وتضمّ طفلاً يحمل بيضة تمثّل الخليّة الاولى او الحياة، ليوصله الى المشاهد عبر طريق طويل، ليل نهار، عبر وجود الشمس والقمر في أعلى اللوحة. وتوجد فيها ورود، مكوّنة على أيادٍ، تحاول ان تدلّ الطفل على الطريق. ومع المنظور الذي يشكّل والقوس الداخلي نفق ممتد، في نهايته الطفل حاملاً الحياة لحمايتها، عبر الخطوط الحديديّة المشكّلة النفق، والتي تلتقي في مركز البيضة، دون ان تخترق التكوين. ما يجعل المشاهد، ودون ان يدرك العمليّة، ينتبه فوراً الى البيضة.

اللوحة زاخرة بالالوان والحيويّة، رغم اختراقات الحديد، لكأنّ سينو يريد القول: ان اللون، يمكنه تطويع الحديد، وجعله مدغماً في العمليّة الابداعيّة المنتجة لقيمة جماليّة. غزارة الألوان، زد على كونها تضع المشاهد ضمن دائرة الابهار والدهشة، تجعله يقف مليّاً امام هذا الباب اللوحة، لكأنّه امام ‘سفر التكوين’ وقصّة الحياة، ما يدفعه للطرح السؤال التالي على نفسه: وماذا عن العوالم الموجودة خلف هذا الباب؟.

كيتو سينو، فنان تشكيلي كردي سوري، يحمل اجازة في الفنون الجميلة من العاصمة الروسيّة موسكو، ويزاول الفنّ التشكيلي منذ 25 سنة، ويقيم حاليّاً في العاصمة البلجيكيّة بروكسل منذ 11 عاماً. ويعتبر سينو من الفنانين التشكيليين السوريين الأوائل الذين دعموا الثورة السوريّة ضدّ نظام الاسد.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى