صفحات الثقافة

جائزة البوكر العربية تزدهر… من دون معايير/ مارسيا لينكس كوالي

ترجمة وتعليق: حمد العيسى *

< تقديم المترجم: هنا تقرير تحليلي مميز لجائزة البوكر العربية لعام 2014، وهو بقلم مارسيا لينكس كوالي، وهي صحافية ومستعربة أميركية مستقلة متخصصة في الثقافة العربية ومقيمة في القاهرة منذ عام 2001، إذ تكتب للصحافة العالمية، وتحاضر عن الأدب العربي في الجامعة الأميركية بالقاهرة. ونشر التقرير في مجلة «فوين بوليسي» الأميركية في شباط (فبراير) الماضي. (الجمل بين الأقواس للمترجم).

تمهيد: أهم جائزة أدبية عربية تزدهر، ولكن كون العرب يقرأون بالفعل كتب القائمة القصيرة مسألة أخرى! وحش فرانكشتايني يروع شوارع بغداد بحثاً عن الانتقام، وتخنق أحلام أسرة ممتدة عبر الأجيال في حلب، وطبيب نفسي معذب يحقق في جريمة قتل في القاهرة خلال عهد مبارك، وثلاثة أخوة عراقيين يسعون إلى تحقيق الاستقرار ويعثرون على حيوات جديدة في الخارج، وامرأة مغربية تبحث عن زوجها الطيار المقاتل الذي اختفى منذ عقد. هذه الروايات التي تم اختيارها لتتنافس على «الجائزة العالمية للرواية العربية» لعام 2014، تمثل شرائح متنوعة من الأدب العربي المعاصر. تم الإعلان عن القائمة القصيرة (التي تضم ست روايات) في 10 فبراير في مؤتمر صحافي حاشد في العاصمة الأردنية عمّان، وسيتم الإعلان عن الفائز في 29 نيسان (أبريل) عشية افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب.

قضايا حقوق المرأة، والحريات السياسية والفساد، تروج في الأدب العربي، تماماً كما تحدث في الواقع في المدن العربية في مختلف أنحاء منطقة الشرق الأوسط. الجوائز مثل «الجائزة العالمية للرواية العربية»، تجمع معاً روايات من كل من المغرب إلى لبنان حتى المملكة العربية السعودية التي تتناول هذه القضايا، وتطرح الأسئلة نفسها التي أثارها «الربيع العربي». وعبر «الجائزة العالمية للرواية العربية»، فإن المؤلفين في جميع أنحاء المنطقة أصبح لديهم الآن منصة مشتركة لمناقشة الصفات المميزة لما يمكن أن نطلق عليه «رواية عربية عظيمة» (أي مبتكرة وناضجة ومثالية في الشكل والمحتوى وممثلة بامتياز لعصرها، وهو اقتباس من لقب رواية أمريكية عظيمة) وليتنافسوا للحصول على جائزة تعتبر جديدة في المنطقة

«الجائزة العالمية للرواية العربية» المعروفة شعبياً باسم «البوكر العربية» (والمقتبسة من جائزة «مان بوكر» المرموقة في بريطانيا) تموّلها دولة الإمارات العربية المتحدة، ولا تزال في عامها السابع، ولكن نتج منها بالفعل تأثير كبير في إنتاج ونشر وتوزيع الروايات العربية. إنها ليست أول جائزة عربية، كما أنها لا تقدم أكبر مكافأة، فجائزة الشيخ زايد للكتاب برعاية دولة الإمارات العربية المتحدة أيضاً تقدم مليوني دولار تقريباً إلى الفائزين من مختلف الفئات، ولكن هذا النوع من القوة الناعمة لم يغب عن بعض الجيران، ولذلك قررت دولة قطر المجاورة القفز إلى الحلبة بجائزتها أيضاً. فقد أعلنت القرية الثقافية في الدوحة (كتارا) في الشهر الماضي أنها تستعد لإطلاق جائزة بقيمة 200 ألف دولار للروايات العربية. وتسعى جائزة «كتارا» أيضاً إلى تقديم مكافآت (مبتكرة) للأعمال الفائزة مثل الترجمة إلى اللغة الإنكليزية وتحويل الرواية إلى فيلم أو عمل مسرحي، ولكن التفاصيل اللوجيستية للجائزة (القطرية) لا تزال غير واضحة حتى الآن.

ولكن لماذا نتج من «الجائزة العالمية للرواية العربية» مثل هذا التأثير على الأدب العربي؟ لقد مضت سبعة أعوام منذ أن منحت الهيئة المنظمة أول جائزة لها لرواية بهاء طاهر «واحة الغروب»، وعندما تم الإعلان عنها في عام 2008، كانت مرتبطة بقوة مع جائزة بوكر البريطانية، ووصفت بأنها مختلفة جداً عن الجوائز الأدبية العربية السابقة. وعلى رغم تمويلها من هيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، إلا أن «الجائزة العالمية للرواية العربية» ليست خاضعة للحكومة الإماراتية، ويؤكد منظمو الجائزة دائماً استقلال الحكام. ويؤكد المنظمون أن الجائزة لم تُنشأ وتُمول لتعزيز أو ترويج أي مصلحة إماراتية.

وفي كل عام، تمر «الجائزة العالمية للرواية العربية» بتجربة مثيرة مختلفة، ففي عام 2013، كانت القائمة القصيرة مفاجأة بحد ذاتها، إذ كان عدد من الكتاب العرب المشهورين دولياً، مثل إلياس خوري، وهدى بركات، وربيع جابر، مرشحين ضمن القائمة الطويلة، ولكن لم يصل أي منهم للقائمة القصيرة ذات الروايات الست. وبدلاً من هؤلاء المشهورين، اختار الحكام عدداً من المؤلفين الجدد، ما نتج منه قائمة شبابية بشكل استثنائي. وحوت لجنة الحكام لجائزة العام الماضي أيضاً اثنين من «المشاهير»، وهما رسام الكاريكاتور السوري علي فرزات، والخبير الاقتصادي وكاتب المذكرات (المصري) جلال أمين. ولكن لجنة التحكيم لهذا العام، وربما كرد فعل على الانتقادات، أصبحت أكثر تقليدية بكثير، فقد شملت (السعودي) سعد البازعي، وهو أكاديمي وعضو في مجلس الشورى السعودي، و(العراقي) عبدالله إبراهيم، الذي فاز عام 2014 بجائزة الملك فيصل لأعماله في الأدب العربي، كما أنه مستشار ثقافي في ديوان أمير قطر أيضاً.

الجائزة أيضاً تزيد من التوجه نحو الشفافية، على رغم بعض القصور أحياناً، ولا تزال بعض جوانب عملية الاختيار لغزاً، وكما هو الحال مع بوكر الإنكليزية، فنحن لا نعلم أسماء الـ 156 رواية التي قُدمت للجائزة عام 2014. وبالتالي لا يمكننا القول إن سبب عدم وجود رواية سليم بركات الأخيرة، «حورية البحر وبناتها» على القائمة الطويلة لأنها مثيرة للجدل للغاية (حُظرت في الأردن)، أو لأنها تجريبية (غرائبية) للغاية، أو لأن الحكام وجدوها متواضعة، أو ربما لأن الناشر لم يقدمها للجائزة! و ينطبق الشيء نفسه على رواية «نساء الكرنتينا» لنائل الطوخي، و«النباشون» لسوسن جميل حسن.

ولكن الصحافيين قادرون على سلخ الحكام عن قراراتهم، وهو الأمر الذي يبدو في بعض الأعوام أكثر غرابة عن باقي الأعوام، ففي عام 2010 تم تسريب أسماء الحكام قبل إعلان القائمة القصيرة، وراجت «إشاعات» عن وجود تلاعب بين الحكام، واستمرت أيضاً «إشاعة» سابقة أن دولة الإمارات العربية المتحدة توجه قرارات لجنة التحكيم من وراء الستار، ولكنها أصبحت لاحقاً أكثر خفوتاً.

وتضم القائمة القصيرة لهذا العام مجموعة عريضة من الروايات تراوح بين التاريخية والواقعية السحرية إلى التشويق السيكولوجي. وكما كان متوقعاً، فإنها تشمل رواية «لا سكاكين في مطابخ هذه المدينة»، للروائي السوري المعروف خالد خليفة، وهي الرواية التي فازت بالفعل عام 2013، بجائزة نجيب محفوظ. الرواية تتبع أفراد عائلة سورية عادية بينما يحاولون النجاة والبقاء على قيد الحياة في أعقاب الانقلاب البعثي في بلدهم، وتستكشف الجذور العميقة للبؤس في سورية الحالية، وتصور حلب المدمرة والمتدهورة. خليفة، المرشح الأوفر حظاً للحصول على الجائزة (لعام 2014)، وصل إلى القائمة القصيرة بسبب أسلوبه المكثف والساحر في روايته السابقة «مديح الكراهية»، وهي رواية ذات بعد ماركيزي (نسبة إلى الروائي غابرييل غارسيا ماركيز) نشرت ترجمتها باللغة الإنكليزية في عام 2012.

الرواية الثالثة للروائي المصري أحمد مراد، المتخصص بالجريمة، «الفيل الأزرق»، وصلت القائمة القصيرة لعام 2014، ما أسعد جمهوره العريض وأرعب الأدباء الأصوليين (أي التقليديين المغالين في الحفاظ على ما يسمى بالأصالة). قفز مراد إلى المشهد الروائي في عام 2007 مع «فيرتيجو»، والتي ظهرت باللغة الإنكليزية في عام 2011. مراد – المصور الرسمي السابق لحسني مبارك – انتزع اهتمام القراء بروايته المشوقة التي لا يمكن تركها بعد البدء بقراءتها لكثرة تحولاتها ومفاجأتها المثيرة، ولكن أيضاً لطرافته وجرأته في تصوير النخبة المصرية الفاسدة، وفي الفيل الأزرق، وهي مليئة بالجنس والمخدرات واللغة البذيئة، يستكشف مراد الخط الفاصل بين الخيال والواقع.

وعلى رغم أن وصول مراد لقائمة جائزة تعنى بما يمكن أن نطلق عليه «الأدب الرفيع» (أي النخبوي) كان مفاجأة للبعض، فإن العام السابع للجائزة شهد إثارة قليلة نسبياً. الروايات الأربع المتبقية على القائمة القصيرة روايات لاثنين من المغاربة، يوسف فاضل وعبدالرحيم لحبيبي، واثنين من العراقيين، إنعام كجه جي وأحمد السعداوي. وعلى رغم تنوع الروايات، فقد أشار رئيس لجنة التحكيم سعد البازعي إلى أن «التشظي» كان سمة متكررة في الأعمال الستة، ويمكن رؤية هذا التشظي في تدمير العائلة في «طشّاري» كجه جي، وانهيار المجتمع السوري في «لا سكاكين» خليفة، والتشظي الحرفي في «فرانكشتاين» السعداوي، إذ يتم بناء الوحش من مجموعة متنوعة من الجثث العراقية.

«ربيع عربي» يؤدي لانخفاض

المبيعات في صناعة النشر

وقالت عضو لجنة الحكم (المغربية) زهور كرّام، لاحظ الحكام خلال العام الماضي عدداً من «روايات الربيع العربي»، فضلاً على تلك التي حاول كُتابها التوفيق بين شخصيات رواياتهم وبين ماضي دولهم. ولكن في حين أن اضطرابات الربيع العربي ربما كانت مصدر إلهام للكُتاب، إلا أنها سددت ضربة مؤلمة لصناعة النشر في المنطقة – وهي صناعة أصبحت تعاني أخيراً من انخفاض المبيعات وزيادة تكاليف الإنتاج. وحتى الناشرون في البلدان التي لم تشهد اضطرابات سياسية رئيسة يعتمدون على المشترين في مصر وسورية. وقال ناشر لبناني إن مبيعاته في مصر انخفضت 40 في المئة، ومبيعاته في سورية انخفضت 90 في المئة.

«البوكر» تصنع تحولا لمصلحة صغار الناشرين: ولكن على رغم كل ذلك، حافظت البوكر العربية على مكانتها باعتبارها الجائزة الأدبية الأولى في العالم العربي. وقال شريف بكر مدير «دار العربي للنشر» في مصر، إن عدداً من الناشرين الآن يصممون جزءاً من خططهم (المستقبلية) للنشر حول الجائزة. ونظراً إلى أن الجائزة تسمح لكل دار نشر بترشيح ثلاث روايات، إضافة إلى رواية «إضافية» أخرى لكل من وصل إلى القائمة القصيرة سابقاً، يقول بكر إن الجائزة ربما صنعت تحولاً أيضاً في المشهد الأدبي لمصلحة الناشرين الصغار. بعض المؤلفين العرب يفضلون الآن التعاقد (السهل) مع ناشر صغير مع شرط (في العقد) بترشيح كتابه للجائزة. وفي الواقع، وعلى رغم استمرار الصعوبات في صناعة النشر، تواصل «البوكر العربية» ازدهارها. فقد تم ترشيح 156 رواية من الناشرين لعام 2014، وهو رقم قياسي يمثل زيادة ملحوظة على الـ133 عملاً المقدمة في العام 2013، والـ101 عمل المقدمة في عام 2012. وفي حين بلغ عدد الناشرين 68 لعام 2013 فحسب، شهد هذا العام 86 ناشراً.

جائزة من دون معايير! ولكن، يقول بكر، الناشرون ليسوا متأكدين تماماً من نوعية وسمات الأعمال التي ينبغي أن يرشحوها، لأن معايير الجائزة غير معلنة، ويبدو أن معاييرها تتبدل من عام لآخر بحسب طبيعة لجنة التحكيم. ولذلك فمن الصعب على الناشرين فك شفرة المعايير. وأضاف بكر: «إننا لا نفهم المعايير». وتساءل مستنكراً: «أي جائزة هذه التي لا تعلن معاييرها؟!».

* كاتب ومترجم سعودي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى