صفحات الحوار

حوار مع المفكر اللبناني رضوان السيد: ‘القاعدة’ أنهاها ‘الربيع العربي’ والسلفيون داخليو الاهتمام عكس ‘االخوان’!


اجرى الحوار:عبد الخالق بدري: يعد المفكر اللبناني رضوان السيد، من بين أهم المفكرين الذين يقدمون للقارئ العربي تلكم الرؤية النقدية الثاقبة لطبيعة الأدوات التي يستعين بها في تفكيك بنية الفكر الإسلامي ومكوناته المتجلية في المجتمع اليوم، ولِمَا تزخر به أفكاره، أيضا، من وضوح منهجي وعمق في التحليل، وتشخيص دقيق للواقع؛ كما نتلمس أيضا قدرته في الوقوف على ‘المستجدات اليومية’، والتي تُمَكِّنُنُا من امتلاك المؤشرات والتنبؤ لمآلاتِ ومستقبل الأمة وأقطارها.

هنا حوار معه على هامش مشاركته في ندوة عن مقاصد الشريعة في الرباط مؤخرا:

*صعد مؤخرا الحديث عن ‘الإحيائية السلفية’، وأنتم في أغلب كتاباتكم خصوصا في كتاب ‘الصراع على الإسلام’ لم تقفوا بشكل دقيق على ‘الإحيائية السلفية’، في مقابل وقوفكم بعمق على حركات الإسلام السياسي، هل تتفقون مع المرحوم حسام تمام في قوله براهنية ‘الزمن السلفي’؟

* أنت تعرف أن مصطلح الإحيائية هو مصطلح لي، وهو ينطبق طبعا على الإخوان المسلمين أكثر مما ينطبق على السلفيين. بدأت استعمال المصطلح منذ أواسط الثمانينات، وفي مطلع التسعينات استعملتُ مصطلح ‘الإسلام السياسي’، لأنني مَيزتُ بين إسلامين؛ الإسلام الجهادي والإسلام السياسي، الإسلام الجهادي المقاتل، والذي نجمت عنه القاعدة والتنظيمات الأخرى، والإسلام السياسي هو الذي يعمل دونما عنف، وذلك بالمشاركة في السلطة أو الوصول إليها بطريقة غير عنيفة، مع انتهاجه معارضته للحكومات القائمة. بعد ذلك حاولتُ أن أُحَلِّلَ ظاهرة الصحوة الإسلامية وقلت إنها إحياء إسلامي أو إحيائية إسلامية، وكنت أقصد بدرجة أساسية، خصوصا بعد الستينيات، ظاهرة الإخوان المسلمين.

أما بالنسبة لحسام تمام فهو تلميذي، رحمه الله، أخذ عني مصطلح الإحياء، لكنه اشتغل عدة سنوات على ‘تَسَلُّف الإخوان’ واشتغل أيضا على مسألة ‘اختراق السلفية للإخوان’، كتب كتابين عن تسلف الإخوان، صدرى قبل وفاته. وجهة نظري هي؛ أن مسألة ‘الهوية’ هي من أنشأت الإخوان المسلمين عام 1928، خصوصا في خضم المصارعة الغرب، واستطرادا إنشاء النظام الاسلامي الكامل، وتطبيق الشريعة والحاكمية، ليستولوا على السلطة من الداخل على مدى خمسين عاما.

الذي حصل؛ هو أن السلفية تعد بمثابة انشقاق داخلي، عكس الإخوان؛ بمعنى أنها في الأصل عبارة عن انشقاق داخلي صرف، إذ كانت السلفية في القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين حركة إصلاحية، ولكنها الآن هي انشقاق داخلي؛ وأول ما حصل في الانشقاق، أن جزء من الوهابية انشق عن وهابية الدولة السعودية، ثم تحول إلى انشقاقات، ولم أكن منتبها لذلك، إذ كنت ألاحظ الظاهرة السلفية الصاعدة فقط، (حتى في المغرب) ولكنني ما كنت أعرف أن هذه السلفية الصاعدة آتية أصلا من ‘الإسلام المُسَيَّس’، ومنه فهي ليست بظاهرة جديدة، أي أن السلفيين ليسوا جماعة عادية تتحول إلى تيار سلفي فقط، ولكن لهم ثقافة في الأصل، يمكن أن يكون في المغرب أصلهم من عبد السلام ياسين أو من أية جماعة أخرى ثم تَسَلَّفُوا (أقصد القادة) وهذا في مصر أبرز منه في المغرب، لأن المشكل بالنسبة لهم داخلية، عكس الإخوان الذين هم حركة ‘هوية’ لها جانب كبير من الصراع مع الخارج والتغريب والغزو الثقافي، والسلفية بهذا؛ هي جانب في أصله انشقاق داخلي نحو مزيد من التشدد والإنعزال عن المجتمع، الآن هذا الانعزال والتشدد ينعكس باتجاه هجومي؛ الهجوم الأول يكون على الإخوان، فَيَسِمُونَ الإخوان بالتخاذل، أما الهجوم الثاني فيكون على الفئات الاجتماعية الأخرى.

أنا مع حسام تمام لأنه، رحمه الله، فَهِمَ المسألة وراقبهم عن كثب، طوال سنوات، وكنا نتناقش، حتى قبيل وفاته بشهرين، على مسألة ‘تسلف الإخوان’، وكنت أجادله في أن هذا ‘التسلف’ هو انشقاق داخلي، ومُخْتَلِفٌ في النوع عن تدين الإخوان المسلمين وعن توجههم.

*كيف تنظر الى السلفية تاريخيا؟

* على صعيد تاريخنا، السلفية بالذات، هي حركة تجديدية داخلية، تأملية داخلية، طهورية داخلية، وبذلك فهي ليست ردة فعل مباشرة للصراع مع الخارج، بل هي، من وجهة نظرهم، حركة إصلاح داخلية عن طريق إزالة البدع وتلوثات المجتمع، وهذا ما فعلوه في مراحلهم الثلاث:

ــــــ مرحلة القرن التاسع عشر

ــــــ مرحلة قياما الدولة السعودية

ـــــــــ المرحلة الحاضرة

وحتى ‘الجهادية’ مع أسامة بن لادن، ماهي سوى انشقاق سلفي يقول بالعنف، لأن سلفية دولة السعودية سلفية مسالمة تقول بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سلميا، ذلك أن السعودية دولة سلفية وشرعية وهذه الشرعية يطمئنون إليها، إنما خارج النظام السعودي هناك بدع كثيرة بين المسلمين. سيطرت في الثمانينات على هذا الإنشقاق أفكار ‘إخوانية’ في الأصل، جهادية إخوانية، وليست سلفية، فظهرت ‘القاعدة’ نتيجة ذلك التلاقح بين الفكر السلفي المتشدد الطهوري و’الإخوان’، هذا التلقيح استمر؛ ‘الإخوان’ يؤثرون على السلفيين والعكس صحيح، الإخوان يؤثرون على السلفيين بأن يُسَيِّسُوهم، أي أن يكونوا مهتمين بالشأن العام، والسلفيين يؤثرون على الإخوان بأن يزيدونهم تشددا، وجهة نظري أنه خارج المملكة العربية السعودية نجد تحالفا ضمنيا وليس صراعا، إنه تنافس على روح ما يسمى ‘الصحوة الإسلامية’ بين الإخوان والسلفيين، ولكن في الواقع عندما وصلوا إلى هذا القلب، وهم يتشاركون ويتنافسون، كالولايات المتحدة الأمريكية وإيران في العراق، يتنافسون ويتشاركون، أمريكا وإيران هما من نصبا نظام المالكي، وفي نفس الوقت يتنافسون ويتشاركون، كذلك الإخوان والسلفيين، إنما الجانب الداخلي للسلفية وهمها الداخلي مُقدم على همها الخارجي، لأن السلفيين أصلا لا يفكرون حقا بالمصارعة مع الخارج، وبالتالي بن لادن كان شذوذا بجهاديته، هم يريدون الزيادة في الطهورية بالداخل، والإستيلاء على المجتمع عن طريق هذه الطهورية الشديدة، وإن لم يكن ممكن الإستلاء على المجتمع فالإستلاء على جهة أو جهتين أو بعض المساجد..هذا هو أمر السلفية التي تكون دائما انشقاق باتجاه أكثر تطهرا وأكثر براءة، وأكثر بروتيتانية.

*قلتم في مواقع متعددة بأن القاعدة انتهت، واشترطتم تحقيق التنمية لدى حركات الاسلام السياسي لإستمراريتها، كيف تفسرون ذلك؟

*ما أزال مُصِرًّا على أن ‘القاعدة’ انتهت، وأن ما نراه من حديث عن ‘القاعدة في الغرب الاسلامي’ كله كلام فارغ، وهو في طريق النهاية، وما نراه ما هو إلا أنفاسها الأخيرة فقط، من الممكن أن تركب في المستقبل القريب على انقسامات إسمية وإنقسامات طائفية وجيوسياسية، ولكن في فكرتها الأصلية الجهادية، وقولها باجتياحها رأس الكفر العالمي واسقاط الأنظمة..كل هذا الأمر انتهى، وصار في مرحلة الماضي.

بالنسبة للأمر الثاني؛ لابد من تفصيل، إذ لا يمكن أن يكون حكما مبرما كالأمر الأول؛ الحركات الدينية ليست مثل الأحزاب السياسية العادية، فإذا فَشِلَت الحركات الاسلامية في التنمية لا تسقط فورا، بل سيقولون بأن هذا ابتلاء من الله عز وجل، وسيزيد إيمان أتباعه، حتى لو جاعوا مرة واحدة أو مرتين، لدينا مع الحركة الاسلامية عشرة سنوات من التعب ومع المعاناة، مع الإخوان ومع السلفيين ومع الأحزاب والحركات المشابهة، فإما أن تتلائم تلاءما كاملا، تصبح معها مثل الأحزاب الديمقراطية المسيحية في أوربا، وإما فعلا أن تزول بعد متاعب كثيرة، لكن رأيي أنه عندنا حقبة من المعاناة لحدود 2020 وستنتهي، أقصد الإسلام السياسي سيتنهي خلال ثمان أو عشر سنوات، ولكن هذه السنوات لن تكون سهلة، حتى لو فشكل الإخوان المسلمون في الإنتخابات المقبلة بمصر أو الاسلاميون في الانتخابات المقبلة بالمغرب، لا يعني هذا نهايتهم، لأنه كما قلت الذهنية الدينية غير الذهنية العادية، الذهنية الدينية تقول إن المعاناة دليل على النجاح، وليست دليل على الفشل وإنه ابتلاء، وإنها مؤامرة عظيمة جرت من أمريكا إلى الصين عليهم..، ويَظلون يتوهمون، يُوهمون العوام أن هذه المرة ليست كلاحقتها، ولكن سيستمر مرتين أو ثلاث يتضاءلون ثم يذهبون، لا يسقطون سقوطا مُدَوِّيا مثل الأحزاب العادية، ولكنهم سينتهون.

*كيف تفسرون خفوت خطاب الهوية لدى حركات الإسلام السياسي بعد الانتخابات؟

*خطاب الهوية لدى حركات الاسلام السياسي خطاب مُتَوَرِّم، وهو نتيجة الحكومات الطغيانية العربية، والاستقطاب والصراع الدولي، والهجوم من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والهجوم على الاسلام على المستوى العالمي بحجة مكافحة الارهاب.

في نظري الثورات العربية هي التي قضت على خطاب الهوية، ذلك أن الهوية تتضخم عندما تستطيع أن تُثْبِت أننا في خطر، لكن؛ اليوم خرج مئات الألوف من الشبان المدنييين وقالوا بأننا لسنا في خطر، وانعكست الآية فأصبح الحكام هم من في الخطر، وأزيلَ أربعة منهم حتى الآن والحبل على الجرار، فكل هذه الجمهوريات الخالدة ستنتهي (السودان، الجزائر، موريتانيا) ولهذا تَبَيَّن أن الشعوب ليست في خطر، ولا الأمة العربية ولا الإسلام، ولكن الاستبداد هو الذي عمل هذا، والتحالف المستبد مع الأجواء الدولية المتغيرة، الاستبداد يزول بالتدرج، ليس بغزو خارجي مثل ما فعل صدام حسين، وزاد الأمر سوءا، بل بأيدي الشعوب بالداخل. ولذلك انفتح أمران انفتح من جهة الاستبداد السياسي: مسألة الحريات والقدرة على التعبير، حتى أسوأ الناس تطرفا صار يستطيعون التعبير سلما عن أنفسهم، أنا سمعت مُنظرا للجماعة الاسلامية بمصر اسمه ناجح ابراهيم يقول: أنتم من أهل السنة، يسأله السائل، وكان عندكم تررد عل الثورة على الإمام بالقوة فما رأيكم الآن، قال له نحن لسنا محتاجين للتغيير الآن بالقوة، نحن لنا قدرة على التغير بالسلم، فلماذا نناقش هل نستعمل القوة أو لا، كنا نناقشه سابقا لأننا لم نكن قادرين على قول رأينا سلما، فلهذا انتهت هذه الأمور، نحن في زمن جديد، حتى ولو رأيت آثارا كثيرة من الزمن السابق.

*سبق أن قلتم في مواقع متعددة بأن موقف الأمريكيين من حركات الإسلام السياسي ليس هو موقف الأوربيين، كيف ذلك؟ ومن جهة أخرى كيف تنظر لمسألة النقاب والحريات الدينية الغرب؟

* الأمريكيون جماعة براغماتية، وقد تغيروا سياسيا كثيرا، فلم يعودوا عقائديين بعد ذهاب بوش، المهم لديهم أن يتعامل الإسلامييون مع أمريكا جيدا وألا يتقاتلوا مع إسرائيل، الأوربيين يريدون دولة مدنية علمانية ولذلك هم أكثر تشككا اتجاه التعامل مع الإسلاميين، وبذلك فمسألة صراع الحضارات أصبحت غير مطروحة اليوم بل ذبلت، بقدر وجود مصالح واستراتيجيات في العلاقة مع الغرب.

أما بالنسبة لمسألة النقاب؛ أنا ضد النقاب، وليس عَلَمًا على الهوية النقاب، لا أريد أن أصفه بصفات تقييمة مثل تخلف وتقدم.. ولكننا أرى أنه سلوك خاص ومضر، لماذا لميظهر فقط في العقود الأخيرة؟ أنا عشت في أوربا عشرين سنة لم اكن أرى منقبات بهذا الشكل لا في فرنسا ولا في انجلترا عكس اليوم، وجهة نظري أن النقاب سلوك مرضي، وليس سلوكا دينيا، وإنه يتغذى نتيجة التعصب الأوربي، فيزيد الظاهرة فظاعة، ومع تضاءل مسألة الهوية، الأمور بدأت تتجه اتجاهات أخرى، أرجو أن يزول هذا الملف بالتدريج كما زالت مسألة الإرهاب.

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى