صفحات العالم

الأقليات في سوريا:النظام السوري وسياسة فرق تسد: انقلاب السحر على الساحر


كيرستن كنيب

لوقت طويل بقي نظام حزب البعث يلعب بمهارة بورقة الأقليات العرقية والدينية في سوريا ووضعها في مواجهة بعضها بعضا. غير أن الثورة السورية قلبت موازين المعادلة، حيث تشهد انخراطا لمختلف أطياف المجتمع السوري ضد القيادة في دمشق. كيرستن كنيب يقدم عرضا لموقف الأقليات من الثورة في سوريا.

كما هو معروف فإن سوريا هي بلد متنوع جدا، إذ تتمتع بموقع مميز بين المنطقتين الثقافيتين العربية والتركية؛ وعلى مدى آلاف السنين استقرت فيها مجموعات سكانية مختلفة. معظم المواطنين في سوريا يدينون بالإسلام، وهو الدين الذي يوحدهم، ولكن في نفس الوقت يفرق بينهم أيضا، لأنه في داخل الإسلام هناك اليوم تنوع أيضا: الغالبية العظمى من السوريين هم من السنة ونحو عشرة بالمائة من السكان، بما في ذلك عائلة الأسد الحاكمة، ينتمون إلى العلويين الشيعة. يضاف لذلك طوائف إسلامية أخرى، أو انبثقت عن الإسلام مثل الدروز والإسماعيليين والشيعة الاثني عشرية وهذه الطوائف الأخيرة تشكل حوالي سبعة بالمئة.

وإلى جانب المسلمين هناك المسيحيون وهم بدورهم مجموعة متنوعة أيضا: فهناك الروم –الكاثوليك، والسريان الأرثوذوكس، والموارنة، والملكانيين، والأرمن الأرثوذوكس، والسريان الكاثوليك، إضافة لأتباع الكنيسة الكلدانية.

ويتقاطع مع هذا التنوع الديني طيف من الأقليات العرقية: فهناك الأكراد والتركمان والشركس والأراميين والآشوريين. كما يضاف إلى ذلك أنه في السنوات والعقود الأخيرة هاجر نحو 600،000 لاجئ فلسطيني وعراقي إلى سوريا.

غياب الانصهار

يعتبر الكاتب السوري رفيق شامي واحدا من أنجح الكتاب باللغة الألمانية في الوقت الحاضر. ولقد ولد في عام 1946 في دمشق، وينحدر من عائلة مسيحية آرامية. وخرج شامي من سوريا وهو يعيش منذ عام 1971 في ألمانيا. ويمكن القول: إن سوريا ليست تلك الدولة التي انصهرت فيها الجماعات المختلفة وشكلت نوعا جديدا من ثقافة الأمة. ولكنها في نفس ليست مرجلا يغلي بنار الاختلاف الإثني والثقافي ويهدد بالانفجار. ويوضح الكاتب السوري رفيق شامي، الذي يعيش في ألمانيا منذ مايزيد على أربعين عاما، أن الأقليات المختلفة لم تتسبب بأي مشاكل تذكر، سواء فيما بينها أو ضد الأغلبية السنية. ويشير شامي إلى أنه كان لديه صديق في طفولته، وبقي لسنوات لا يعرف بأنه مسلم، قائلا: “لم يكن ذلك ضروريا … لأننا كنا نستمتع باللعب مع بعضنا، ولايحتاج المرء للمزيد”.

ولا يحتاج المرء للمزيد، لأن الحواجز التي تفصل بين السوريين، لم تكن قطّ دينية أو ثقافية. فالسكان انقسموا في المقام الأول على أساس العوامل الجغرافية والاجتماعية: سكان الريف مقابل سكان المدينة، وسكان الجبال مقابل سكان الصحراء أو الساحل وفي أوقات سابقة كانت حياة البدو الرحل مختلفة عن السكان المستقرين في القرى أو المدن. والاختلاف موجود أيضا في نمط الحياة: فهناك من يعيش نمط حياة منفتحة والبعض الآخر يفضلون البقاء محافظين. والمدن والمناطق المختلفة تضم طبقات غنية وأخرى فقيرة وكذلك طبقات متعلمة وغير متعلمة. ولذا كانت سورية منذ وقت طويل موطنا للتنوع.

ومع ذلك، فإن لكل جماعة من الجماعات مركزها: فالعلويون مثلا يتركزون في المقام الأول في جبال العلويين وبعض المناطق في محافظتي حمص وحماة. وأما الإسماعيليون فيعيشون تقليديا في منطقة السلمية وبعض قرى طرطوس، في حين اتخذ المسيحيون الأرثوذكس والروم الكاثوليك أماكن إقامتهم المفضلة في دمشق واللاذقية والمناطق الساحلية المتاخمة لها، بينما الأكراد فاستقروا في جبال طوروس وعلى طول الحدود السورية التركية، و”حي الأكراد” في دمشق.

هويات متنافسة

وتأسست سوريا الحديثة خلال فترة الاستعمار الأوروبي. فبعد أن كانت بلاد الشام، كمنطقة كبرى، تحت حكم العثمانيين، تقاسم البريطانيون والفرنسيون المنطقة، منذ عام 1918، وبذلك ظهرت الدول الموجودة اليوم. وفي ذلك الوقت بدأت الهوة الثقافية والدينية تتسع بين السكان اللذين عاشوا دائما بسلام جنبا إلى جنب. وعملت فرنسا على بناء جيشها المحلي هناك، أو ما يسمى بـ “الفرق الخاصة في بلاد الشام”، بتجنيد أتباع الأقليات الدينية. وبتعمد تام اعتمد الفرنسيون على تكتيك وضعت من خلاله الأقليات في مواجهة الأغلبية السنية.وضع المجوعات السكانية المختلفة في مواجهة بعضها البعض، كانت اللعبة التي استخدمها حافظ الأسد، الذي آلت إليه رئاسة البلاد بعد انقلابه في عام 1970.

فرق تسد: “حافظ الاسد انتهج سياسة توزيع المناصب والمزايا للأشخاص الذين كانوا موالين له، إضافة لأتباع المجموعة الدينية التي انتمى إليها؛ أي العلويين. وبهذه الطريقة أنشأ نظاما طائفيا، لم يكن السوريون قد عرفوه من قبل”، كما يقول رفيق شامي. ويقول الكاتب رفيق شامي: “انتهج الأسد سياسة توزيع المناصب والمزايا للأشخاص اللذين كانوا موالين له، إضافة لأتباع المجموعة الدينية التي انتمى إليها؛ أي العلويين. وبهذه الطريقة أنشأ نظاما طائفيا، لم يكن السوريون قد عرفوا مثيلا له من قبل”. وفي الوقت نفسه استقطب الأسد الأب والابن بعض الأشخاص من بقية الشرائح، كرجال الأعمال السنة. والامتيازات المعطاة لهم عبر هذا الارتباط مع نظام الأسد، جعلت الكثير منهم يقفون إلى جانبه مع بدء الحركة الاحتجاجية هناك. ويشير هنا رفيق شامي إلى أن “الكثير من السنة أصبحوا أغنياء على حساب بقية السكان، ولذلك فهم يقفون مع الأسد. وهم سيقطعون علاقتهم معه”، عندما يصبح الارتباط به أمرا غير ذي جدوى.

الجميع منخرط في الثورة

ولكن، ولأن العديد من السوريين لم يعرفوا سوى الجانب المتسلط من النظام، فقد شاركت جميع الفئات السكانية في الحركة الاحتجاجية ضد نظام بشار الأسد، كما يوضح فرهاد أحمى، وهو عضو في المجلس الوطني السوري، ويؤكد بالقول: “بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، فإن معظم السوريين يريدون التغيير الديمقراطي.” وهذا لا يعني طبعا بأن الأقليات تجاوزت، بعد سنوات طويلة من المنافسة الدينية والإثنية، مسألة عدم الثقة المتبادلة سواء بين بعضها البعض، أو مع الأغلبية السنية. “الأقليات تصر على أن يتم تحديد حقوقها بوضوح في سوريا المستقبلية. وهي في هذا الصدد، تبدي قلقا محقا. لأنها ترى ماذا حدث في بعض الدول المجاورة مثل العراق وتركيا. فالتعامل مع المجموعات الصغيرة من حيث العدد، غير مثالي أبدا”.

فرهاد أحمى: “بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية، فإن معظم السوريين يريدون التغيير الديمقراطي.” ويؤكد رفيق شامي أن الكثير من العلويين خائفون لأنه ومنذ زمن بعيد لم يعد جميع العلويين يدعمون نظام الأسد. ولذلك لا ينبغي أن يجري اتهامهم بشكل جماعي، أو إجبارهم على التصريح علنا بتنصلهم من النظام الحاكم: “العلويون حذرون، وهذا مايجب احترامه. وعندها سيتحدثون من تلقاء أنفسهم، ويتضح بالتالي ما إذا كان أحد العلويين مؤيدا للنظام أم لا. ولكن يجب أن لايتم مطالبتهم باستمرار بالتحدث أمام الميكروفونات للتصريح ضد الأسد. وعلى وجه الخصوص في الخارج يجب الاستغناء عن ذلك. لأن هؤلاء العلويين (في الخارج) لهم أقارب في سوريا، وهم رهائن لدى النظام “.

دستور لكل فئات الشعب

وبهذا انخرطت جميع المجموعات في الثورة ضد الأسد، كما يوضح فرهاد أحمى. وبالطبع هناك أيضا مخاوف بشأن المستقبل، غير أن المعارضة السورية تسير في الطريق الصحيح لحل المشاكل. ويشير أحمى إلى أنه “تجري حاليا مفاوضات مع ممثلي الأقليات، من أجل صياغة مفاهيم وتصورات واضحة، ومن أجل ترسيخ حقوق الأقليات في الدستور، وليس فقط في التشريع العادي، حتى يكون هناك ضمان لهم في المستقبل”. لقد قام كل من الأسد الأب والابن بدور كبير في صنع التفرقة بين مجموعات الشعب السوري. والآن عادت هذه المجموعات لتجتمع مجددا، عبر عدائها المشترك للنظام. فالآن هم حلفاء لمدة محدودة، غير أنه من شأن السياسة الحكيمة أن تضمن بقاءهم حلفاء أيضا على المدى البعيد.

نقلا عن موقع: دويتشه فيله 2012

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى