صفحات العالم

علاقات شخصية

حازم الأمين
حتى الآن لم يشمل ما كُشف من الرسائل الألكترونية المسربة من بريد الرئيس السوري بشار الأسد ومن عائلته والمقربين منه، المسؤولين اللبنانيين باستثناء قليل من الرسائل الموجهة الى أفراد من عائلة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وهي ليست رسائل سياسية، انما عائلية يحق لمرسلها ولمُستقبلها القول إن الخوض فيها هو من قبيل الاقتراب مما يوجب الادب عدم الاقتراب منه.
فهل يمكن الافتراض بناء على ذلك ان ليس بين الرئيس السوري وعائلته وبين المسؤولين اللبنانيين، ما عدا ميقاتي، علاقات “غير سياسية”، وهو ما استوجب غياب الرسائل الالكترونية، حتى الآن؟ خصوصاً ان معظم الرسائل المسربة يطغى على مضمونها السياسي قنوات شخصية وخاصة!
من المرجح ان يكون هذا الافتراض خاطئاً، فاللبنانيون يعرفون ان بين المسؤولين في بلدهم وبين المسؤولين في سورية ما لم يصنعه فقط “الشوبينغ الرئاسي” بين عائلتي ميقاتي والأسد والذي كشفته الرسائل، وان ثمة تقسيماً واضحاً لوظائف الصداقة. فلـ”الشوبينغ” أصدقاء يجيدونه بحكم موقعهم الاقتصادي، وللطبابة أصدقاء أيضاً في بيئة الكفاءات العلمية اللبنانية التي صار أصحابها سياسيين، ولرحلات الصيد في البر السوري رفقة من السياسيين اللبنانيين، فأضاف الأخيرون بذلك مهارات الى مهاراتهم.
الاقتراب الفضائحي من الوقائع الشخصية مسألة حسم النقاش حولها، على المستوى النظري على الأقل، لكن ان تعكس وقائع العلاقات الشخصية مضامين سياسية، فهذا لن يبقيها في الحصانة الاخلاقية. ان يستمد مسؤول لبناني نفوذه السياسي من علاقات مع الأسد وعائلته، فذلك مما يعني الرأي العام، ومما هو خارج الحصانة الشخصية. وهنا بيت القصيد في قضية آل ميقاتي وآل الأسد، ذاك أننا هنا حيال عائلتين تعملان في الشأن العام، وسؤال آل ميقاتي عن “المضمون الأخلاقي” لعلاقة مع أفراد في عائلة متهمين بالمشاركة في قمع وقصف المدن السورية ليس سؤالا شخصياً، لا سيما ان الرسائل كشفت عن تواصل حصل في ذروة اشتعال مدينة حمص. سياسة النأي بالنفس غير مجدية حيال هذا السؤال. فالمسوغ المعطى لهذه البدعة يتمثل في تجنيب لبنان تبعات انخراطه في الأزمة السورية، سواء الى جانب الثورة او الى جانب النظام.
والمسوغ وان كان غير مقنع، لكنه وجهة نظر في النهاية. اما ان ينأى مسؤول سياسي بنفسه عن الإجابة عن سؤال العلاقة مع عائلة الأسد في ذروة القتل في سورية، فهذا “نأي” مختلف لا يندرج في سياق “المصلحة الوطنية” على ما يُسوق النأي الأول.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى