صفحات الرأي

تعبنا من الأبطال

 

غسان شربل

أخاف كلما تحدث رئيس عن عظمة بلاده. عن التاريخ النائم في ترابها. عن الجذور الضاربة في العمق. عن دورها كجسر ومشعل. عن مساهمتها الاستثنائية في إثراء الحضارة. أخاف حين يفتح الحاكم خزنة التاريخ ويروح يُخرج منها الأوسمة والعظام، ويشيد بشجاعة المحاربين، والتفاني في الذود عن الحياض. أخاف كلما تحدث عن اللامعين من الكتّاب والشعراء. أخاف لأنني أشعر أن ليس لدى الرئيس ما يعلنه عن الحاضر فيهرب الى الماضي.

أخاف كلما أعلن رئيس أنه لن يخيّب الآمال المعقودة عليه. وأنه لن يغادر المركب إذا هبّت العواصف. وأنه عاش مع شعبه وسيموت معه. وأنه لن يفوّت موعده مع قدره. أخاف لأنني أشعر أن ليست لدى الرئيس أنباء سارة يعلنها لشعبه فيهرب الى القدر والمعارك المصيرية وحكاية المركب والعواصف.

أخاف حين يتحدث الرئيس عن الحسد الذي يلتهم الدول الأخرى بسبب نجاح سياسته. وعن المؤامرات التي تُدَبَّر في الخفاء وتكالب الأعداء ضد إنجازاته. وعن انهماك العالم بأسره بوضع العصيّ في دواليب برنامجه النهضوي والذعر الذي ينتاب الدول العظمى من تنامي قوة بلاده. أخاف لأنني أشعر أن الرئيس لن يغادر القصر ولن يترك البلد عارياً أمام وحشية المتآمرين، وكيد المتربّصين.

أخاف حين يقول الرئيس بلهجة الواثق انه عثر على الحل السحري للخلل الذي أصاب العلاقات الدولية، وللاضطراب الذي يعتري العلاقات الإقليمية. وإن لديه حلاً مكتوباً وتفصيلياً لمشاكل العالم السياسية والاقتصادية والإنمائية. وإنه عثر على العقاقير التي تقي من السرطان والحروب الأهلية والنزاعات المذهبية، والإيدز وارتفاع حرارة الأرض. أخاف لأنني أشعر أن الرئيس لا يملك رداً على الأسئلة الحياتية المباشرة.

لا نريد أبطالاً. تعبنا من الأبطال. نريد رجالاً طبيعيين يتحلّون بالكفاءة والمسؤولية والشفافية، ويخضعون للمحاسبة. يدخلون القصر بموجب الدستور ولا يغتالونه في أول فرصة.

تعبنا من الأبطال والقامات الاستثنائية. تعبنا من المنقذين الذين يستدرجون الناس إلى حروب دجالة ومعارك وهمية ويكون هدفهم الأسمى تمديد الإقامة في مكاتبهم، وسط طبول الحاشية وفلاشات المصورين.

لا يطالب العربي حكومته بأن تأخذه الى الجنة. ولا أن ترشده الى الطريق الموصل إليها. لا يلقي على الحكومة هذا النوع من المسؤوليات أو المهمات. مطالب العربي أقل من ذلك بكثير. يريد مياهاً صالحة للشرب، فقد تعب من تعاطي المياه الملوثة. يريد رغيفاً مصنوعاً من طحين غير مغشوش. يريد فرصة عمل، ومدرسة لابنه، وجامعة لا تُخرِّج العاطلين من العمل. يريد قاضياً لا يلفّق التهم، ويريد شرطياً لا ينهال بهراوته على الضعفاء. يريد طرقاً وأرصفة، وموازنة واضحة ومفهومة. يريد حقه في التعبير الحر بعيداً من جوقات الترهيب والتخوين. يريد حكومات تعمل ثم تخضع للمحاسبة. حكومات لا ترعى الفساد ولا تتستر عليه.

لا نريد أبطالاً. عاقبتنا العقود الماضية بكثيرين منهم. جازفوا ببلدانهم وشعوبهم وطوائفهم وعواصمهم. عاموا على بحور من الدم، وتركوا أهرامات من الركام.

تعبنا من الأبطال الذين يحملون الشعلة ولا يخاطبون إلاّ التاريخ. نريد دولاً طبيعية وحكومات طبيعية ورؤساء عاديين يحترمون الأرقام، ولا يروّجون الأوهام. تعبنا من الأبطال الذين يحتقرون شعوبهم من الوريد الى الوريد. لا معنى لـ «الربيع العربي» وثوراته إن لم تكن النتيجة قيام دول طبيعية لا تحتاج الى أبطال.

الحياة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى