صفحات الناس

مسرح الثورة مستمر/ رامي سويد

 

 

حلب

تنوّعت أساليب التعبير عن رفض قمع النظام السوري للتظاهرات السلمية التي واجهتها قواته بإطلاق النار على المتظاهرين، من الأغاني والدبكات الشعبية إلى كتابة الشعارات على الجدران، واستخدام فن الغرافيتي وفن الكاريكاتير في اللافتات، وصولاً إلى التجارب المسرحية التي أنتجها ناشطون سوريون هواة وفنانون معارضون للنظام السوري. جرى كل ذلك قبل أن تحمل شريحة من معارضي النظام السوري السلاح، وتأخذ على عاتقها مهمة قتال قوات النظام السوري.

مع التظاهرات اليومية المسائية التي شهدتها المدن السورية عامي 2011 و2012، طفت على السطح ظاهرة مسرح الشارع التي انتشرت في عدد من المدن والبلدات السورية التي شهدت التظاهرات المناهضة للنظام السوري. ففي مدينة بنّش في ريف إدلب شمالي سورية، أقامت مجموعة “تجمع الطلبة” التي كانت تضم عدداً من طلبة كليات الفنون والمسرح عدة عروض مسرحية على خشبة مسرح، أقامتها المجموعة في الساحة التي كانت تعقد فيها التظاهرات المسائية يومياً.

تمكن أعضاء المجموعة من إنتاج نصوص منوعة تحكي عن هموم الشارع السوري وعذاباته، في ظل استمرار الثورة وتحولها لحرب تعددت أطرافها وتعدد المتدخلون بها. عالجت عروض “تجمع الطلبة” انعكاس كل ذلك على آمال السوريين الثائرين وتطلعاتهم، وحظيت أعمالهم التي كانوا يعرضونها مساء على خشبتهم بمتابعة وتفاعل كبير من السكان، قبل أن تتوقف هذه الأعمال وتتفكك مجموعة “طلبة بنّش” مع صعود قوى التطرف في المنطقة وملاحقتها للنشطاء المدنيين.

لم تقتصر تجربة مسرح الشارع الثوري الذي سوّق للأفكار المناهضة لقمع النظام السوري على مدينة بنش، حيث شهدت مدن سراقب وكفرنبل في ريف إدلب تجارب مماثلة، كما قدّمت مجموعة من شباب مدينة داريا في ريف دمشق عروضاً مسرحية في شوارع المدينة، قبل أن ينزح أهلها عنها بفعل قصف قوات النظام.

في مدينة حلب، أكبر مدن الشمال السوري، ظهرت التجربة المسرحية الأكثر نضوجاً، والتي قدمتها فرقة “طريق الخبز”. قامت الفرقة في بداية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بتقديم عرض مسرحي بعنوان “دكاكين” في صالة أفراح مهجورة في مناطق سيطرة المعارضة قرب خط الاشتباك مع قوات النظام. ويؤكد صلاح الأشقر أحد أعضاء فريق “طريق الخبز” أنّ مسرحية “دكاكين” كانت الأولى من نوعها في الداخل السوري، حيث تشكّلت الفرقة من مجموعة من النشطاء والفنانين، وقدّمت عرضا مسرحيا في المدينة الأكثر تعرضاً للقصف بالبراميل المتفجرة.

كان موضوع المسرحية بحسب الأشقر هو نقد المال السياسي، وتسليط الضوء على تأثيره الكبير على السوريين من خلال إيضاح دوره في تسيير مواقف السوريين الثائرين بعيداً عن أهداف ثورتهم. حظيت “دكاكين” بحضور جماهيري كبير، من سكان مناطق سيطرة المعارضة في حلب ومن مقاتلي قوات المعارضة ومن النشطاء والمثقفين الموجودين في حلب.

وللأطفال حصّتهم

مسرح الأطفال كان حاضراً بقوة في المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام السوري. فقدمت فرقة “مسرح العرائس” في حلب عروضاً مسرحية لطلاب المدارس التي تواصل عملها في مناطق سيطرة المعارضة السورية، استهدفت التركيز على القيم الأخلاقية عند الأطفال بأسلوب بسيط ومحبب لهم.

في مدينة سراقب بريف إدلب عملت مجموعة من النشطاء والفنانين “تجمع سراقب”، على تقديم عروض مسرحية للأطفال عن طريق مسرح متنقل. أطلقت المجموعة على فرقتها المسرحية اسم “الكرفان السحري”، حيث كان يتنقل بين المدن والبلدات التي تسيطر عليها المعارضة السورية في ريف إدلب، ليقدم عروضاً في المدارس والأماكن العامة.

موضوعات العروض المسرحية التي قدمتها المجموعة للأطفال كانت بحسب ياسر باريش، وهو أحد المشرفين على المجموعة، تتحدث عن حقوق الطفل وتوعيته والتركيز على الجوانب الأخلاقية لديه. وقدّمت العروض مجموعة من الأطفال الذين تم تدريبهم بطرق بدائية بسيطة من قبل مجموعة “تجمع سراقب”، لكن المشروع توقف مؤخراً بسبب صعود قوى التطرف في الشمال السوري، وضعف التمويل اللازم لاستمرار عمل المجموعة.

مسرح الثورة في الشتات

قدّم العديد من الفنانين السوريين الذين تركوا البلاد عدة عروض مسرحية، وجهت إلى اللاجئين السوريين في دول الشتات التي وصلوا إليها. تمحورت المواضيع حول تناقضات الصراع المستمر في سورية بين الشعب والسلطة وتحزبات فئات الشعب في معسكر الثورة أو معسكر النظام، ومعاناة أبناء سورية من هذه الأوضاع وانعكاساتها عليهم. فقدم الفنان السوري نوّار بلبل عرضاً مسرحياً في مخيم الزعتري، بعنوان “شكسبير في الزعتري”. لاقى العمل الذي قدّمه نحو ستين طفلاً سورياً من المقيمين بالمخيم تفاعلاً كبيراً من الجمهور؛ الأمر الذي دفع بـ نوّار إلى إعادة تقديم العرض في المدرج الروماني في عمّان.

وفي القاهرة، قدّمت الفنانة السورية لويز عبد الكريم عرضاً مسرحياً بعنوان “المندسّة”. وفي تركيا، قدّمت فرقة “خطوة” مسرحية “المعتقل” ضمن فعاليات مهرجان “آن للقيد أن ينكسر”.

من جانبها، قدمت الممثلة السورية دارين الجندي عرضاً مسرحياً قصيراً، قرأت خلاله نصاً طويلاً لفنانة سورية شابة، تحت عنوان “أنا السورية المحظوظة ” في باريس. أيضاً قدمت مسرحية “الثورة غداً تؤجّل إلى الغد” في نفس المهرجان. وخصّصت لمساجين فرع الأمن الجنائي في دمشق بعد اعتقال الأخوين “ملص”. عرضت المسرحية بعد خروج الأخوين ملص من سورية، في تركيا والسودان وروسيا وبيروت أميركا وفرنسا.

تميّزت التجارب المسرحية في الشتات بتنوعها وغناها؛ نظراً لهامش الحرية الأكبر الذي يتمتع به الفنانون في دول اللجوء. كانت إمكاناتهم بسيطة، إلّا أنها تمكّنت من إيصال العديد من الرسائل والوصول لجمهور السوريين المتعاطف معهم.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى