صفحات الحوار

بول شاوول: كل المتظاهرين في الربيع العربي «شعراء» ونحن «النافرون»

 

 

«الطائفية» حالة سياسية تصنع كما الأحذية… وإيران وحزب الله من صنّاعها

زهرة مرعي

خمسون عاماً أمضاها بول شاوول مساكناً للشعر والأدب، ولا يزال بدون انفكاك. منذ ديوانه الأول «أيها الطاعن في الموت» سنة 1974 وهو يختار لقصيدته مداميك لغة رشيقة، وينبش من اللغة التعبير الأكثر عتقاً. بول شاوول شاعر معطاء. دواوينه ليست بحجم ما يختزن من طاقة. لديه أبحاث أدبية خاصة في الشعر الفرنسي. ترجم القصائد الفرنسية بغزارة، وترجم القصائد الصينية أيضاً. قارب بنجاح الدراما التلفزيونية قديماً. كتب المسرح، ومن جملة ما يفرمل اصداره بفعل الواقع العربي الراهن، كتاب ضخم عن المسرح وثلاثة دواوين شعر.

صاحب كتاب «كشهر طويل من العشق» يعشق بيروت وشارع الحمراء تحديداً. له في بعض المقاهي مكان يلتزمه لردح من الزمن، ثم يهجره. صاحب «بلا أثر يُذكر» أمين جداً، ويذكر بالخير والامتنان ما قدمه له وطنه من علوم مدرسية ومن ثم جامعية. ويردد بخلاف خطاب الكثيرين «وطني اعطاني وله حق عليَ».

مع بول شاوول الشاعر كان هذا الحوار الذي عرّج به مع القدس العربي على مواقفه السياسية.

○ ما هي أهمية الشعر في حياة البشر؟

  • الشعر هو روح العالم وقلبه. ولا اعني الكتابة الشعرية وحدها، بل الشعر في الأدب، في الرقص والفن. الشجاعة لدى الشاعر شعر. الشجاعة لدى المقاتل لحقوق بلده شعر. الطبيعة والشجر شعر. في مرورها فوقنا الغيوم شعر. أي منظر في العالم نحوله لشعر. عندما نُغرم بالمرأة نكون في حالة شعر. حب الأم لأطفالها شعر. الشعر موجود في العواطف الإنسانية. موجود بين مراهقين متحابين يضمان بعضهما بعضا في ليل الشارع. هذا شعر، وهذه حرية. وأقصى أنواع الشعر هو الحرية.

○ هل لا يزال الناس يستمتعون بالشعر في عصرنا هذا؟

  • الشاعر لا يكتب للناس. لا أكتب شعراً للدكنجي، جاري أو زوجة خالي. كما لا أكتب قصيدتي لأستاذ جامعي. أكتبها لي. عظمة الشعر في جديده. والناس يحبون المقلدين والصور الجاهزة في خيالهم. لنقل إن ترك أحدهم قراءة الشعر وهو في صف البكالوريا متوقفاً عند «عيد بأية حال عدت يا عيد» للمتنبي، أو لدى احمد شوقي، سيبقى عندهما. أما الشعر فيتابع مجراه. هو ليس بمستنقع له رائحة. وليس بحيرة مقفلة. الشعر كما النهر، وليس للقارئ أن يسبق النهر أو يسير بموازاته. لا يكتب الشاعر لإرضاء الصورة المسبقة لدى الناس. يحاول الشعر كسر الذوق السائد، المترهل والميت. الشعر الكبير ليس مفهوماً من كل الناس. من الناس من يحب الزجل نظراً لقالبه، ومعرفتهم بالقافية قبل قولها. يحب الناس ما يعرفونه. وما لا يعرفونه يتصلبون ويتعصبون ضده، أو هم يقبلون به بدون معرفته. وهناك من يتعامل مع هذا النوع من الشعر بمرونة، ويحاولون أخذ التجارب بعمقها. من يتقبلون الشعر قلة، وكذلك المسرح. عندما قدّم بيكيت مسرحية «بانتظار غودو» حضرها ثلاثة، ولحقه السُباب. لا يقرر الشاعر أن يكون سهلاً أو صعباً في كتابته. خضت تجربة صعبة في كتابي «دفتر سيجارة». هو أول كتاب في التاريخ كامل عن السيجارة، ومن أجمل كتبي. لاقى قبولاً خاصة من المدخنين. كان للكتاب صداه.

○ في مرحلة صعود الهويات الطائفية ما هو انعكاسها على النتاج الثقافي ودور المثقفين العرب؟

  • ليست الطائفية هوية. هي جزء مشوه من الدين، أو هي نفاياته. الطائفية جزء من السياسة، وأن تصبح هوية فهذا تخل عن الإنسانية، الضمير والعقل. الطائفية قمة العماء. وهي لا تختلف كثيراً عن الانتماء الأيديولوجي. التعصب اليساري هو نوع من الطائفية لأنه يفقد عقلانيته. الطائفية تُصنع كما الاحذية. وهذا ما حدث في لبنان. صُنعت في القرن 19 من قبل الاستعمار. واستغل التنوع الطائفي كل من كان له نفوذ في لبنان، من العثمانيين، الفرنسيين، الانكليز، اسرائيل، ودخل على الخط نفسه ياسر عرفات. وكان لحافظ الأسد السيرة عينها، كذلك معمر القذافي وصدّام حسين. وحالياً إيران وحزب الله هما من صنّاع الطائفية. ليس لإيران أن تدخل لبنان باسم العروبة أو الأيديولوجيا. فهم فرس، ليس لهم الدخول إلينا سوى عبر الشيعية. وكما حاولت بعض الأحزاب المسيحية اقتلاع المارونية من جذورها التاريخية لوضعها في أماكن أخرى، تحاول ايران اللعبة نفسها عبر محاولة اقتلاع الشيعة من جذورهم لتحولهم إلى فرس.

○ كمثقف اندمجت فيما اطلق عليه ثورة الأرز اللبنانية فهل أنت كذلك مع الربيع العربي؟

  • بل من صنّاع الربيع العربي. كتبت عن العروبة والحرية ورفضت الوصايات. من وصاية عرفات، إلى حافظ الأسد والاحتلال الاسرائيلي. التزم جانب الحرية والتنوع في لبنان وضد الكانتونات. وكدت أدفع حياتي ثمناً. نصف اعضاء ثورة الأرز كانوا مناهضين لمواقفي. رموا سلاحهم وعادوا إلى جذورهم. شعارات الربيع العربي ضد الطغاة ومع التعددية والديمقراطية، وهذا ما أكتبه منذ 40 سنة. لم يكتب أحدهم ما كتبته عن الربيع العربي. قصدت تونس ومصر، وشاركت المتظاهرين في الميادين. بدأ الربيع العربي من لبنان مع ثورة الأرز التي حررت الشارع. فهل كان أحدهم يتجرأ على تظاهرة في بيروت قبل 14 آذار 2005؟ كان من يكتب يُخطف أو يُقتل. ومازال لدينا 15 ألف لبناني في السجون السورية تخلى عنهم الجميع من 14 و8 أذار.

○ تقول «لن أفرج عن دواويني الشعرية التي كتبتها حتى تستقر الثورات العربية لصالح القوى الديمقراطية والعلمانية والعروبية والحضارية». متى تأمل ذلك؟

  • لست ضد من يصدر دواوين شعر وكتب. هذا مزاج وموقف شخصي، نفسي، سياسي، عاطفي وفكري. عندما رأيت الملايين في الميادين في بداية الثورات، وهناك ملحمة لتغيير تاريخ العرب، قلت الشعر ليس عندي الآن، الشعر في مكان آخر. كل من في الميادين شعراء، ونحن النافرون. سحبت من الطباعة كتاباً ضخماً عن المسرح، ومسرحية، وكتاب شعر وترجمات.

○ حالياً لم تعد هناك ميادين. ثمة خوف وقتل وضحايا في كثير من أماكن الربيع العربي؟

  • ارفض مساواة القاتل بالضحية. بدأت المظاهرات سلمية في تونس، مصر، ليبيا وسوريا. وبما أن الأنظمة فقدت سلطتها على الأرض لم يعد لها سبيل غير السلاح. ولو سُمح للمتظاهرين بالنزول إلى الشارع لنزل في دمشق وحدها في سنة 2011 ثلاثة ملايين. فدرعا جمعت في احدى المظاهرات 500 ألف. ولأن بشار الأسد يحكم بقواعد 99٪ الكاذبة، اهتزت الأرض تحته، فحولها إلى مذهبية ومسلحة، وراح يقتل الأطفال. جاءت إيران الشيعانية وروسيا ودعمتا الأسد بالسلاح. ليست الضمائر العربية هي التي حملت السلاح، بل الأنظمة. وهذا ما حدث في ليبيا أيضاً.

○ رغم اتساع نطاق الحروب بما هو غير متوقع في الربيع العربي هل لا يزال لديك أمل؟

  • نعم. هناك فرق بين الثورة والانقلاب الذي يصنعه الطغاة ومرة واحدة. وتصنع الثورات يومياً لأنها قائمة على الديمقراطية. سنة 1779 بدأت الثورة الفرنسية، ومن بعدها جاء نابليون وآخرون وحدثت مجازر. وسنة 1858 استقرت الثورة.

○ ما حدث في تونس مؤخراً هل يمكن تكراره في بلد آخر من بلدان الربيع العربي؟

  • للعلم ما شهدته تونس حدث في لبنان. 14 آذار اخرجت الجيش السوري من لبنان بعد احتلال منذ سنة 1975، وسقط لأجل ذلك ضحايا. وانقسم لبنان الى قسمين، قسم قتلة وهم حزب الله و8 أذار، وقسم مقتول وهم 14 آذار. حزب الله حزب قتلة ومجرمين وعملاء.

○ من فاجأك من الشعراء بموقفه من الربيع العربي؟

  • ثمة شعراء تحولوا إلى الطائفية منذ بدايات الحرب، ومنهم من كان ماركسياً. وهؤلاء انتهازيون. لن اسمي، فهناك شعراء انتهازيون ومرتزقة. ومنهم موجود على شاشات التلفزيون ويتفوه بالتفاهات محتقراً عقول الناس. وهناك الانتهازيون الذين اشترت لهم 14 آذار منازل، هم الآن في أحضان حزب الله. منهم من أحبهم وقطعت علاقتي بهم، ولن أُسمي. وثمة شعراء كان لهم تجاوز الانتماء الطائفي ومنهم شوقي بزيع. احترم كل مخلص لا يتقاضى فلوساً من حزب الله، أو من القوات اللبنانية أو تيار المستقبل، لكنني احتقر المرتزقة. أما المضللون وغير المضللين فهذا بحث آخر. من يتلقون دولارات آخر الشهر هؤلاء عملاء وجواسيس، مجرمون وأحتقرهم. يتواطأ المرتزق مع الاجرام. وصل الأمر بأحد هؤلاء الشعراء في بداية الثورة السورية أن قال بأن نعوش الأطفال الشهداء فارغة. في مصر. هناك شعراء ومسرحيون ومثقفون شجعان. المثقفون والفنانون في مصر وبنسبة 99٪ وقفوا مع الثورة. شاهدت المسرحيين في تونس يُضربون.

○ بول شاوول المعجب بجمال عبد الناصر وأنطون سعادة هل يستهويه فكر أو شخصية أحدهم في هذه المرحلة؟

  • لست على معرفة برفيق الحريري، ولم اعرف يوماً قصر قريطم. كذلك لا اعرف سعد الحريري مع أني اعمل في مطبوعة له. لا اعرف منزل وليد جنبلاط ولا نبيه بري. من يريدني يقصدني إلى المقهى. ما من شخص لديه مشروع خاص بلبنان كما رفيق الحريري. قُتل لقوته الكبيرة، ولأنه تمكن من اعادة لبنان كما كان. عمّر، ومارس الديمقراطية، غير عنيف وكريم. بنى المستشفيات، وقدم للطلاب 60 ألف منحة، نصفهم ليسوا من المذهب السني. أنا مع كل من يحمل مبادئ الديمقراطية والسيادة والاستقلال. قيل مرة «أنت شاعر فكيف تكون مع 14 آذار»؟ كان ردي أن 14 آذار معي. حين ناديت بالسيادة والاستقلال منذ 40 سنة، كان نصف اعضاء 14 آذار مع السوريين أو ياسر عرفات، او لدى الليبيين أو في حضن اسرائيل. ثم أني لست في 14 آذار. فهل من أحد شاهدني داخل اجتماع لهذا الفريق؟ عرض عليَ أن أكون في مؤسسات لهم واعتذرت كوني شخصاً مستقلاً ولا احتمل العمل الحزبي. وإن اردت الانضمام لحركة سياسية ستكون «اليسار الديمقراطي» مع صديقي الياس عطاالله. فأنا اقرب فكرياً لهذه الحركة. لست مع تيار المستقبل، لكن بدون سعد الحريري وتيار المستقبل لكان حزب الله أكل لبنان، ولكان ثلاثة ارباع السنة داعش.

○ في مكان ما أنت ابن اللحظة فهل يعتصرك الماضي؟

  • تأتي اللحظة من الماضي وليس من العدم. أنا ابن الزمن، واللحظة هي اللازمن لذهابها السريع. ثقافتي الفلسفية والشعرية واسعة جداً. علّمت الادب العربي وقلة تعرف التراث مثلي. أنا أهم خبير في الشعر الفرنسي لكثرة ترجمتي له، وكتابتي عنه. الماضي عندي لا يموت إلا اذا حاول أن يقتل الحاضر. وإذا كان ذخراً واستمراراً وتطوراً، فالماضي موجود فينا جميعنا. احمل كافة الهويات باستثناء الطائفية، التي اصنفها خيانة للإنسانية. لو كنت طائفياً وصح لي الاستدراك لخجلت وشبهت نفسي بالحيوان.

○ هل تقرأ لكاتبات؟

  • طبعاً. ثمة كاتبات رائعات. المرأة تحكم العالم، والرجل عضلاته. هي قلب العالم وهو أقدامه. من الخطأ قول احدهم «أغريت امرأة». هي من تختاره وتوحي له بأنه من اختارها، لترضي ذكوريته التافهة. في السعودية نهضة روائية نسائية رائعة. وكذلك في الخليج ومصر. ثمة شاعرات رائعات في الكويت والبحرين. ومخرجات مسرح رائدات في تونس. وفي لبنان روائيات كما هدى ونجوى بركات، علوية صبح وحنان الشيخ. وليلى بعلبكي من الرائدات. من الكاتبات من تتميز بالجرأة كما هدى بركات وعلوية صبح. بعض الروائيات اللواتي يعشن حتى في السعودية جريئات.

القدس العربي

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى