صفحات الثقافةممدوح عزام

مأزق البطل الثوري/ ممدوح عزام

 

 

شغلت شخصية “البطل الثوري” الرواية العربية، والنقد العربي ردحاً طويلاً من الزمن، ترافق مع المرحلة التي شهدت نهوضاً شعبياً معادياً للاستغلال والاستبداد والإمبريالية. فما الذي سيحدث لهذه الشخصية في هذا الزمن الذي يشهد وقوف العديد من الروائيين ضد الثورات العربية؟

يظهر الثوري الماركسي بطلاً في مناهضة الاستبداد، بينما يظهر الثوري القومي بطلاً معادياً للاحتلال. وفي الحالتين كان النقد العربي يقول إن النضال ضدّ المستغل المحلّي، والكفاح ضد المحتل الأجنبي، سمتان أخلاقيتان وفكريتان تلتقيان في هذه الشخصية الثورية.

هذا صحيح عامة، على الرغم من أن ذلك البطل كان على الدوام ذريعة لتمرير الأفكار. فهل سيتخلّى هؤلاء الروائيون عن هذه الشخصية، أم سيكون بوسعهم إيجاد حلول لمثل هذا التناقض الفكري؟ كيف سيكون حال البطل الثوري بين يدي أي روائي سوري أو أردني أو فلسطيني أو مصري، ممن يرون أن الثورات العربية، مؤامرات كيدية معادية للمقاومة؟

سأفترض أن الروائي (س) اختار بطلا ثورياً ماركسياً لروايته. سيكون مثلاً منتمياً إلى “الحزب الشيوعي اللبناني”، وهذا واقعي، لأن أفراداً من هذا الحزب يحملون السلاح، ويقاتلون في سورية. من هو العدو الذي يقاتلونه؟ الإرهاب؟ مأزق الشخصية الروائية هنا هو أنها سوف تجد نفسها تقاتل إلى جانب قوى دينية، وإمبريالية عاتية، وقد تجد نفسها جنباً إلى جنب مع جندي أميركي، تؤيده “إسرائيل”، وآخر روسي تؤيده إيران (لا ينتمي هذا الكلام إلى الواقعية الأسطورية بأي حال).

هل يعلن البطل الثوري تأجيل الصراع “الرئيسي” هذه المرة؟ ليس في هذه الحرب التي يخوضها هذا الثوري أي ظل للصراع الطبقي مثلاً. وسوف تبدو معاداة الإمبريالية والاستعمار مزحة سمجة وكاذبة، إذا كان الحليف دولاً إمبريالية مثل أميركا وروسيا. يا للمأزق! إذ لا يوجد سوى ذلك العدو المفترض. إنه البربري الذي ننتظر حضوره كي يحل هذه الإشكالات الغريبة. وفي سياق الحرب التي يشارك فيها هذا النموذج “الثوري”، يتعرّض المدنيّون للقصف والقتل من حلفاء البطل. ولعل بعض هؤلاء المدنيين ممن لم يتدخّل في الشأن السياسي البتة، أو طالب بالحرية والكرامة، وهو يحمل الأزهار، أو الشموع. وهي لحظة تاريخية فارقة، تضع الروائي نفسه تجاه السؤال عما إذا كانت أفكاره (والروائي هنا لديه كومة من الشعارات البراغماتية) قادرة على الخروج به، وبشخصيته الثورية، من هذا التناقض. يحتاج الأمر هنا لذلك البصيص من الضمير الإنساني والمهني بالطبع.

وقد يزداد المأزق إحراجاً حين يعني تخلي البطل الثوري عن قضية الثورة لمصلحة بقاء الأنظمة السياسية والدينية، أن ينسى تماماً القضية الوطنية البديهية التي تعني في عرف البطولة المطلقة، بصرف النظر عما إذا كانت قومية أو يسارية: رفض التدخل الأجنبي.

لكن البطل الثوري هنا يأتي من خارج سورية ليقاتل السوريين في أرضهم. ما الذي يبقى له من البطولة، أو الثورية إذن؟ لا شيء، إلا إذا كان بوسع ذلك الروائي المنافق أن يجد المسوّغات التي ترى أن قتل الأطفال أعمال ثورية تحل مشاكل الشخصية الأخلاقية.

العربي الجديد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى