صفحات العالم

أحمد المسالمة.. شاهدا على درعا الشهيدة

 


ياسر أبو هلالة

من قبيل المضحكات المبكيات يمكن مشاهدة التلفزيون الرسمي السوري، وما تناسل عنه من الفضائيات “الخاصة” التي لا تختلف عن القوات الخاصة التي تواصل ارتكاب جرائمها بحق الشعب السوري الثائر من أجل الحرية. غير أن الإعلام السوري بلغ حدا من السماجة تجعله مبكيا مثيرا للرثاء من دون سخرية.

تكفي فضيحة المجزرة الجماعية في درعا التي نفى في البداية وقوعها، وبعد ظهور الصور تلعثم وقال إنها للدفاع المدني. وبما أن الدفاع المدني لا يجند أطفالا، اضطر الإعلام السوري أخيرا لإذاعة خبر عن تشكيل لجنة تحقيق! أجزم أن اللجنة ستخرج بنتيجة تقول إن المجزرة نفذها سلفيون إرهابيون لأن العائلات الشهيدة كانت تهتف من أعماق قلبها “منحبك”!

الرد على الإعلام السمج كان من خلال الإعلام الثوري الذي تمكن من رصد الجرائم قبل وأثناء وبعد وقعوها. وكما عرّت الثورات أسوأ ما في الأنظمة من سلوك إجرامي، بذات القدر أظهرت أجمل ما في الشعوب من قدرات خلاقة ووعي وذكاء وجرأة وتحد.

لم يدرس هؤلاء في أرقى جامعات الغرب “نيو ميديا”، ولم يشاركوا في ورشات عمل في مؤسسات ذات تمويل غربي عن الشبكات الاجتماعية، ولم تتح لهم فرص للتنافس في شراء أحدث الهواتف الجوالة وأجهزة الحاسوب، جلهم يمتلكون القليل من الإمكانات المادية، ضاعفها إيمانهم بالحرية.

 

منذ بداية الثورة السورية، بعفوية، في درعا، تمكن شباب سورية من توثيق ما حصل بدقة ونشره على أوسع نطاق رغم منع كل وسائل الإعلام من دخول درعا، من الأطفال الذين جرى تعذيبهم في فرع الأمن السياسي على يد العميد عاطف نجيب، إلى المقبرة الجماعية بعد دخول الجيش.

أتيح لي أن أتواصل مع أحد هؤلاء الأبطال، وكم كان مفجعا خبر استشهاده. أحمد المسالمة يبلغ من العمر 37 عاما، وله عائلة وأطفال، فجع باستشهاد شقيقته ابنة 12 ربيعا بذنب أنهم يسكنون قرب الجامع العمري. بدأ نشاطه الإعلامي “شاهد عيان”، وسمع الناس صوته على “الجزيرة”، ثم بدأ يصور ويرسل الصور. لم يكن يفعل ذلك من أجل مقابل مادي، كان يدرك أن ذلك قد يكلفه حياته. تمكن من تصوير الكتائب السوداء في المظهر والمخبر. وشاء الله أن يقضي بطلقة قناص. وهو كان يقول لمن يحذرونه من جرأته الزائدة: “لسنا أفضل ممن استشهدوا”.

لم يكن حزبيا، ولم يتعاط السياسة قبل الثورة، إلا أنه في حديثه كان عميقا وواعيا. قلت له يوما (طبعا الحديث على الشبكة الأردنية التي يلتقط بثها في درعا): إن أخطر ما يمكن أن تتعرض له الثورة السورية الانزلاق إلى الطائفية. فرد: هم الطائفيون، ولن نكون مثلهم.

سيفتخر أبناء أحمد أن والدهم أسهم في كشف الجريمة التي تعرضت لها درعا، بقدر ما سيشعر أبناء المجرمين بالعار لأن آباءهم شاركوا في الجرائم. لكن الجميع سيعيشون في سورية الغد بتسامح وتعايش وديمقراطية.

إلى رحمة الله يا أحمد ويا كل شهداء سورية، والمجرمون مكانهم في الجحيم.

الغد

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى