صفحات المستقبل

أحمر و أسود, فاشيّون و صحراء

 


طيلة أسبوعٍ بلياليه جرى ماء دجلة أسود اللّون بعد أن رمى المغول فيه كلّ ما وجدوه من كتبٍ و مخطوطات في مكتبات بغداد و مدارسها, ماسحين بذلك ذخراً حضارياً و علمياً قلّ مثيله, تاركين خلفهم الفراغ, اللاشيء, العدم.. العدم بصبغته السوداء.

ﻻ يرمي مغول اليوم المخطوطات في الأنهار, فقد تبدّلوا و تطورت وسائلهم. يمكنهم وأد مخطوطٍ قبل وﻻدته, يمكنهم وأد كاتب مخطوطٍ قبل وﻻدته, أو جعل حليب رضاعته سماً زعافاً متى يشاؤون, حتّى لو بعد خمسة عقودٍ من الفطام. و إن حدث و ظهر مخطوطٌ ما, متجاوزاً فلاتر الإلغاء الأوليّة, فلا مشكلة. من الممكن استخدامه لمسح الجزم, أو لمسح زجاج سيّارات المداهمة, أو لوضعه على الأرض لمنع اتساخ بلاط الممرّات الطويلة الباردة عند طلائها بالكآبة الزيتيّة.

أو يمكن حرقها..!

النّار رقصة احمرار ينجب عنفوانها المحموم سواداً.. سواد هُبابٍ و تفحّم, أو سواد حدادٍ على أحمرٍ يتطاير و يصبغ الأرض, ومن, و ما, عليها حين يسرح المغول, القدماء منهم و الجدد, في البراري المقفرة التي لا يعترفون بغيرها عمراناً و بغير حفيف أفاعيها صوتاً.

ﻻ عجب أنّ أغلب أعلام و شعارات الفاشيّة كانت (و ما زالت) حمراء و سوداء, و حتّى لو نجح الفاشيون في التنكّر و استطاعوا تمويه أعلامهم فإنهم ﻻ يستطيعون إخفاء هيجانهم الشهواني السادي عند رؤية, أو تخيّل, خفقان الأحمر و الأسود..

أحمر النّار.. أسود الفحم

أسود الحداد.. أحمر الدّم

أعلامهم لزجة, كأحلامهم النيكروفيليّة, لأياديهم لون الرصاص و رائحة الكبريت.

لأدمغتهم ملمس الرّمل الملتهب, فأفكارهم للتصحّر و هدفهم الصحراء. كلّ ما حولهم يريدونه صحراءً قاحلة لكي يتخيّلوا أنفسهم واحات. ﻻ يريدون منافسين (و ﻻ منافسات) لواحاتٍ شيّدت صحراءها بتعب, دمار, كراهيتها الحصريّة.

لن يفهموا, لكن ليخبرهم أحدٌ أن السماء, و إن تأخرت, ستمطر حتماً..

http://www.syriangavroche.com/

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى