صفحات المستقبلعبدالكريم أبازيد

أخلاق الثوري وأخلاق الإرهابي/ عبد الكريم أبازيد

ماذا لو جرّبنا سلاحنا الكيميائي المخزون منذ عشرات السنين لنرى مدى فاعليته ونرهب به الشعب والعصابات المسلحة بعدما عجزنا عن القضاء على التمرد؟! هذا ما استقر عليه رأي “خلية إدارة الأزمة” التي تألفت بعد اندلاع الثورة وانتشارها في جميع أنحاء البلاد. ونفِّذ القرار في الحال.

عندما أقول هذا لا أتخيّل، بل أستند إلى ما جاءت به وكالات الأنباء العالمية التي سجلت المكالمات بين متخذي القرار ومنفّذيه، وكذلك صور الأقمار الصناعية التي صوّرت السيارات وهي تتوجه نحو مخابئ الأسلحة الكيميائية فتأخذ حمولتها ثم تتجه إلى المكان الذي ستطلق منه تلك القذائف.

في اليوم التالي رأى العالم أجمع عبر شاشات التلفزيون مئات الأطفال بعمر الورود “نائمين!” لا يتحركون ولا يتنفسون. لا تبدو على أجسادهم آثار تعذيب ولا طلقات نارية ولا دماء، بل هم بكامل رونقهم ونضارتهم، ووجوههم البريئة لا تنبئ إلا بأنهم نائمون.

أب يقترب من ابنه البالغ من العمر ثلاث سنوات تقريباً. يحركه قائلاً: “قم يا بني قم!” يقولها بصوت يبعث الأسى في قلب المشاهد عبر شاشة التلفزيون، لكن الطفل لا يستجيب. تنهمر الدموع من عيني الأب لكنه لا يبتعد. لقد بقي الأمل يراود قلبه على رغم أن عقله يقول غير ذلك. لقد مات الطفل قبل ذلك عندما أطلق عليه المتوحشون قذائف الغازات الكيميائية السامة. لقد تعذّب كثيراً آنذاك وحشرج محاولاً التنفس وصاح بصوت مخنوق، ولا من مجيب. فالكل من حوله مثله. وعندما لم يعد يقوى على الحركة أبقى عينيه مفتوحتين ونام.

في روايته “العادلون”، يقول ألبر كامو إن جماعة من الثوريين الروس خططوا لاغتيال أحد كبار أعوان القيصر الذي عُرف بعدائه الشديد لكل فكر حر، وأرسل عشرات المثقفين الأحرار إلى منافي سيبيريا. كمنوا له في الطريق الذي كان مقرراً أن يمر منه. جاءت العربة تتهادى من بعيد. وعندما همّوا بإطلاق النار، سمعوا قهقهة أطفال تنطلق من داخل العربة، فأوقفوا تنفيذ العملية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى