صفحات العالم

روسيا والصين ومصلحة سورية والعرب


احمد المصري

اختلطت الامور مؤخرا على العرب حيث باتوا لا يفرقون بين اعدائهم واصدقائهم، خاصة في فن السياسة او ‘فن الممكن’ والتحالفات، فاصبحت روسيا والصين الحليفتان التاريخيتان للعرب في كل قضاياهم بين ليلة وضحاها هما العدو الاول للعالم العربي وشعوبه، ولم يبق كاتب او محلل الا وادلى بدلوه وتعرض بالقدح والذم والشتم لمندوبي روسيا والصين في الامم المتحدة على صفحات الجرائد وفي ساحات الفضائيات العربية عقب استخدامهما ‘الفيتو’ على قرار يخشون من ان يفوض الغرب للتدخل العسكري في سوريا كما حدث في العراق وافغانستان وليبيا وغيرها من دول العالم التي بدأ خرابها الفعلي وفشلها كدول بعد كل تدخل من هذا الغرب الذي يتباكى على الشعب السوري الذي اهمله وعاداه وفرض عليه حصارا سياسيا واقتصاديا طوال اربعين عاما.

رغم ان هذه هي المرة الثانية التي تستخدم فيها روسيا حق النقض في مجلس الامن فان الولايات المتحدة استخدمته اكثر من ستين مرة من اجل عيون اسرائيل، اضافة الى تعطيل اي قرار ادانة لهذه الدولة العنصرية، ولا زالت ومعها هذه الدول الغربية تعطل اي اعتراف دولي بحقوق الفلسطينيين ودولتهم وحريتهم واستقلالهم.

العرب في خضم حالة التعبئة الامريكية للحرب على ايران، عقب تخلص واشنطن من الرئيس العراقي صدام حسين وجعلها من العراق دولة هامشية لا حول لها ولاقوة، اصبحت تريد النيل من كل ما هو ايراني او مرتبط بايران في المنطقة، حتى تكون القوة العظمى في المنطقة هي اسرائيل فقط ولا احد غيرها. واصبح هم اغلب الاعلام الغربي واغلبية الاعلام العربي هو تحويل إيران في أعين الرأي العام العربي للعدو رقم واحد للشعوب العربية، وبالتالي تشتيت الانتباه عن العدو الحقيقي، وهو اسرائيل والقوى الاستعمارية الجديدة التي تريد احتلال الأراضي العربية والسيطرة على مقدرات شعوبها بعد الازمة الاقتصادية الطاحنة التي لن يخرج منها الغرب الا بنهب اموال العرب وثرواتهم.

الدول الغربية وحلفاؤها من الانظمة العربية تحاول أن تهيء الظروف المناسبة للحرب على ايران، وما يجري الان من محاولة من واشنطن وفرنسا بمساعدة دول عربية لتأسيس تجمع تحت مسمى ‘اصدقاء سورية’، اسوة بـ’اصدقاء ليبيا’ سيء السمعة، ماهو الا مخطط لتطبيق نفس السيناريو الذي طبق في ليبيا، وبنفس الذرائع وهو حماية المدنيين وفرض مناطق حظر طيران وممرات انسانية امنة، لتصل هذه الدول الغربية وحلفاؤها في المنطقة في النهاية الى تغيير النظام السوري بالقوة والاحتلال بنظام آخر موال لها، ويخدم مصالحها بشكل أفضل من النظام الحالي.

ويقوم زعماء المعارضة السورية حاليا بتقديم خدماتهم المجانية للدول الغربية للمساعدة في الاطاحة بهذا النظام دون اي ضمانات بوحدة سورية، خاصة وان بعضهم عملوا كمستشارين لدى حكومات غربية، ورغم الانقسامات التي تعاني منها المعارضة، اضافة الى انهم لا يمثلون اغلب الشارع السوري ولا يؤثرون فيه فعليا، وذلك حسب استطلاع للراي اجرته مؤسسة قطر، فانهم يطالبون بتدخل عسكري غربي ـ عربي ـ تركي مشترك ويدفعون باتجاه الحل العسكري، للاطاحة بهذا النظام الموالي لايران حتى يتم عقب ذلك عزل او الاستفراد بحزب الله المقاوم الحقيقي وقطع الامدادات عنه وبالتالي تبقى ايران وحيدة في المواجهة القادمة مع الغرب واسرائيل والدول العربية.

ان الهجوم على سورية ومن بعدها إيران سيفتح الباب أمام حرب إقليمية شاملة وربما حرب عالمية ثالثة، والوضع في المنطقة على وشك الانفجار، ونعتقد ان الصين وروسيا تدركان ذلك تماما، وتعلمان كذلك انهما مستهدفتان من هذه الحرب، ولن تقفا موقف المتفرج اذا ما مضت الدول الغربية والعربية في مخططها بالتدخل العسكري في سورية، وهذا ما يؤكد اتجاه مجلس الدوما الروسي للتصويت على اعتبار التدخل العسكري في سورية اعتداء على مصالح روسيا، اضافة الى التحضيرات التي تجري على قدم وساق للحرب على ايران، وعلى الاغلب سترى الصين وروسيا في الهجوم على سورية او إيران بمثابة تهديد لامنهما القومي.

ان الولايات المتحدة والدول الغربية والعربية مخطئة اذا افترضت أن روسيا أو الصين لن تقوما بالرد عسكريا اذا ما تدخلت في سورية او ايران، وهناك سابقة لروسيا في هذا الشأن فحينما أوعز الرئيس الامريكي السابق بوش الأبن لرئيس جورجيا بالهجوم على أوسيتيا الجنوبيّة، وتجاهل التحذيرات الروسية امر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين انذاك الجيش باحتلال المنطقة فورا مما افشل المخططات الامريكية.

وعلى الارجح في حال شنت حرب او اصبحت العمليات العسكرية على سورية واضحة وهو ما تسير الامور باتجاهه الان، فان روسيا ستتدخل وربما عسكريا، وربما تتورط دول عربية وغربية في مواجهة مباشرة معها، وبالطبع ستدفع شعوب المنطقة العربية الثمن، وسيكون الخليج ساحة الحرب الرئيسة، لكن الثمن الاغلى سيدفعه الشعب السوري حيث من المرجح ان تدخل البلاد في حرب اهلية وطائفية في ظل التعبئة الطائفية التي تمارسها المعارضة والنظام واغلب وسائل الاعلام العربية.

لا نتمنى سوى الخير لشعوب المنطقة وللشعب السوري خاصة، ولكن الايام حبلى ولا نعرف ماهية المولود.

‘ صحافي وكاتب من اسرة ‘القدس العربي’

القدس العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى