صفحات العالم

المشوّق والمأسوي في الرسائل السورية…

خيرالله خيرالله
في كلّ يوم، تأتينا الصحف البريطانية بجديد عن الرسائل الالكترونية السورية، جديد يجمع بين الممتع والمفيد. انها قراءة مشوّقة في جانب منها ومأسوية في جانب آخر، تعطي فكرة عن عالم مختلف لا علاقة له بما يدور على الارض السورية. تعطي هذه القراءة فكرة عن المأساة التي يعيشها هذا البلد في غياب اي قدرة لدى الحاكم على التعاطي مع المشاكل الحقيقية التي يعاني منها الشعب.
ثمة امران يستوقفان المرء لدى التمعن في قراءة مجموعة من الرسائل الالكترونية المتبادلة بين الرئيس بشّار الاسد والمحيطين به او بزوجته. الامر الاوّل مرتبط بنوعية الاشخاص الذين يستمع الرئيس السوري الى نصائحهم، او على الاصحّ المسموح لهم بتقديم نصائح. اذا استثنينا احدهم، وهو مرتبط بالنظام الايراني و«حزب الله»، فان هذه النصائح تأتي، في معظم الحالات، من هواة، من النوع المزايد، لا همّ لهم سوى ارضاء الاسد الابن والتأكيد له انه يتعرّض لمؤامرة دولية واقليمية. انها علاقة قائمة مع شخص لا يتقبّل، لا هو ولا زوجته، اي نوع من النقد او الاخذ والرد…
ما يدلّ على ذلك بالملموس، انقطاع التواصل مع الشخص الوحيد، ربّما، الذي حاول اعادة زوجة الاسد الى ارض الواقع والتفكير في خيار انتقال العائلة الى الخارج بدل استمرار حمّام الدم.
امّا الأمر الآخر اللافت في الرسائل الالكترونية، فهو يتمثّل في عزلة العائلة الحاكمة واصرارها على العيش داخل عالم خاص بها لا علاقة له من قريب او بعيد بما يدور في البلد منذ ما يزيد على سنة.
ما لم يستوعبه القائمون على النظام يوما انهم في حاجة الى الاعتراف بأنّ كل شيء انتهى وان ما تشهده سورية منذ مارس 2011 ثورة شعبية بكلّ معنى الكلمة لا يمتلك النظام القدرة على الخروج منها ولا حتى الرغبة في ذلك. كلّ ما يستطيع بشّار الاسد عمله هو المساهمة في الاعداد لمرحلة انتقالية يترك خلالها السلطة وينصرف الى هواياته المفضلة بعيدا عن التنظير والكلام الذي لا معنى له عن «ممانعة» و«مقاومة» وما شابه ذلك من خزعبلات.
من هذا المنطلق، لا يمكن الاّ الموافقة على ما ورد في الخطاب الاخير للسيد حسن نصرالله الامين العام لـ «حزب الله» في لبنان، وهو حزب تابع لايران كلّيا. قال نصرالله ان الحل في سورية لا يمكن الا ان يكون «سياسيا». نعم، ان الحلّ في سورية لا يمكن ان يكون عسكريا ولذلك يفترض في الامين العام للحزب اقناع الرئيس السوري بالامر اوّلا. ما يؤكد ان الحل العسكري ليس حلا ان القوات الموالية للنظام لم تستطع مع كلّ ما جندته من «شبيحة» وما تلقته من مساعدات ايرانية ودعم روسي من القضاء على الثورة السورية…
من حقّ الرئيس السوري السخرية من الاصلاحات. ومن حقّ زوجته الانصراف الى حياة البذخ. هذا حقّ طبيعي، خصوصا لدى توافر الامكانات المادية التي تسمح بذلك. ما ليس طبيعيا الا ينسحب الحبّ لمثل هذا النوع من الحياة على تصرّفات اخرى ذات علاقة بالسوريين ومستقبل سورية. بكلام اوضح، عندما يبدي شخص مثل بشّار الاسد تعلقه بثقافة الحياة، بما في ذلك نوع معيّن من الموسيقى، ليس مسموحا له ولا لغيره من افراد العائلة فرض ثقافة الموت والذلّ على السوريين. فالسوريون ليسوا بالغباء الذي يتصورّه وهم يمتلكون ما يكفي من المعرفة بما يسمح لهم بادراك ان ساعة التغيير دقّت.
بعد سنة من اندلاع الثورة في سورية، وهي امّ الثورات العربية، اظهر السوريون تعلّقهم بثقافة الحياة. اظهروا ان نصف قرن من حكم البعث، ثم حكم الطائفة الواحدة، ثم حكم العائلة الوحيدة الواحدة، لم يستطع تدجينهم. اثبتوا بكل بساطة ان الكذبة التي اسمها النظام السوري طالت اكثر مما يجب. ما هذا النظام الذي ينادي بالعلمانية في سورية ويدعم حزبا مذهبيا مسلّحا في لبنان، بل هو تحت رحمة هذا الحزب؟ ما هذا النظام الذي لم يعد يجد من يدعمه في لبنان سوى شبّيح من الدرجة العاشرة في مستوى النائب المسيحي ميشال عون او ميليشيا ايرانية معروف تماما لماذا هي موجودة على الارض اللبنانية؟
ما هذا النظام الذي يريد تحرير فلسطين من جنوب لبنان، فيما الجولان مغلق باحكام منذ العام 1974؟ ما هذا النظام الذي لم يستطع تحمّل رفيق الحريري؟ ما هذا النظام الذي لم يكن لديه ما يرد به على سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وبيار امين الجميّل ووليد عيدو وانطوان غانم ووسام عيد والشهداء الاحياء مروان حماده والياس المرّ ومي شدياق، سوى اللجوء الى سياسة الغاء الآخر؟
لماذا لا ينقل القيمون على النظام السوري الى الشعب حبهم لثقافة الحياة والاشياء الحلوة وتعلّقهم بها ما دام لديهم كل هذا الحرص على الانفتاح على ما هو جميل وحضاري في العالم بدل الاصرار على اذلال السوريين والمتاجرة باللبنانيين والفلسطينيين وكلّ ما تقع اليد عليه؟ هل هو مرض الانفصام في الشخصية يعاني منه هؤلاء ومعهم النظام كلّه؟
تكمن عظمة الشعب السوري في انه قال لا للنظام. قال له خصوصا ان الثورة مستمرة بغض النظر عن خلافات المعارضين في الداخل والخارج. قال له بكلّ بساطة ان عليه ان يرحل اليوم قبل غد وان سورية ترفض البقاء في اسر الشعارات الفارغة والحرمان من الحرية من اجل ان يتمتع الحاكم بامر الله بالاشياء الجميلة في العالم.
يستطيع السوريون الاكتفاء موقتا بالحرية… في غياب قدرة نسائهم على اقتناء احذية كريستيان لوبوتان!
الراي

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى