صفحات الثقافة

أدفن أعقاب السجائر في الثلج/ نصر جميل شعث

 

 

 

أحداث يومية تأخذ قلبي

 

(1)

 

مثل رجل يفكّ حبل القارب

من وتد في المرسى.

مثل جار يضرب حذاءه بإطار سيارته،

لينفض عنه الثلج.

 

مثل بائعة ورد

تخفض صوت أغنية تحبّها،

عند قدوم مشتر.

مثل طائر يطير عن القرميد،

تسقط ضمّة ثلج هشّ على ركبة مشّاء.

مثلي أبحث عن شيء في جيب السترة،

وهو منسيّ في البيت.

مثل حياة قصيرة كسيارة بيضاء

هي أطول من نفسها

حين أطلّ عليها من الشرفة.

مثل شاعر رسم ثمرة تحت شجرة غير مثمرة

ثمّ قام وابتعد.

والتفتَ وراءه، لم يخطئ.

كان سهلاً عليه أن يرسمَ ثمرة معلومة،

لقد أفسد العدمَ برسم الشفقة.

مثلي أخرج

أدخّن على الشرفة،

وأدفن أعقاب السجائر في الثلج

المكدّس على حدودها الخشبية.

في يوم ما نزل المطر وراح الثلج،

وبانت للعين قافلة إبل

رؤوسها بالسواد ملثّمة.

 

(2)

 

كلّما شربتُ الشايَ بكأس شفّافة

تذكّرتُ دفءَ الحِنّة على كفّ أمي.

قمصانُ بناتها المهجورة

كانت تأخذُ من أكتافها الإسفنجَ،

تمسحُ به بقعَ الشاي

وسِخام الفرن عن الأرغفة.

 

■ ■ ■

 

كلّما التقطتُ خُبزةً عن الأرض قبّلْتها،

وكلّما التقطتُ ريشةً.

صار فمي خبزاً لكم،

وطيراً..

والشعرُ الذي أقوله في الطريق ولا أكتبه،

يذهب طعاماً للطيور.

 

■ ■ ■

 

لأني أحبّـكِ

وصلتُ

إلى آخر نتوء صخريّ

مكسور في الماء،

كما لو أنه بارودة قديمة

طواها الصيادُ

ليلقّمها رصاصة

فتأخر القتلُ

قبل استقامتها دقيقة.

 

■ ■ ■

 

لم أختلف مع طفلي

إلا في تغيير الأماكن.

هو كان يقول:

طويلة الطريق،

وأنا أقول:

الطريقُ طويلة.

كلانا رغم المسافة بيننا

لم يخطئ.

 

■ ■ ■

 

أخي

لا تستغل نومي الطويل من شدة التعب،

وتلبس حذائي الجميل..

ستتعب.

 

■ ■ ■

 

مطرٌ على الشارع بعد الجفاف،

والسيارة الواقفةُ بالعشّاق مشَتْ

كاشفةً للعين نصيبَ الشارع من الحرمان..

نصيبُ الشارع من السيارات كثير،

كنصيبي من التفاحات

أشتريها من السوق،

وخطأً أظنها من شجرة واحدة.

 

■ ■ ■

 

عندما يموت شاعر

تتحوّل جماجمُ الموتى القدامى إلى أجراس نحاسية،

كأجراس المدارس القديمة

التي لطالما عشّشتْ فيها العصافيرُ

في عطلة نهاية العام الدراسي.

رأيتُ أبي جائعاً في منامي

 

(1)

 

رأيتُ أبي

جائعاً في منامي،

قمتُ وصنعتُ لنفسي الطعام.

كان أبي

تاجرَ قمح وأنا ألمسُ السقفَ

حين أعتلي كومة الأكياس.

أحب أبي

والبيتَ الذي بناه،

ونظرة صباحه الأخير إليّ،

قبل أن أغسل وجهي.

 

(2)

 

حلمتُ أني

أضربُ قبرَه بيدي،

ومرّة بلعبةٍ مرسومة على صدري؛

لينهضَ..

ويحملني على كتفيه

لأمسكَ بنظرته الأخيرة إلى السماء.

ما العمل؟

ماتَ صاحبُ الأرض،

فسمحَتْ فزّاعةٌ بالحقل كلّه

للطيور،

مقابل تعريتها.

 

(3)

 

كنتُ أنظر إلى شلال،

مرّ غراب..

غربان كثيرة كانت

على الأبواب الجديدة وأطر الشبابيك.

أبي حرقَ العُقدَ لمرة واحدة فقط،

خشية التسوّس.

وكلّ عامّ كان

يطلي سيقان الشجرات بالشيد.

أبي الذي سمع مرّة

خبراً محزناً في الظهيرة،

وهو يجمع من على العتبة قشور اللوز التي تجرح..

كان صاحباً لليل،

والقرآن.

وروى لنا عن عمله

في حقول خوخ سيناء.

مرة بحث عن اسمه بعد اسمي في جريدة،

وفمه به حساسية من ثمرة الباذنجان.

* شاعر فلسطيني

 

كلمات

العدد ٢٨٨٥ السبت ١٤ أيار ٢٠١٦

(ملحق كلمات) العدد ٢٨٨٥ السبت ١٤ أيار ٢٠١٦

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى