صفحات الحوار

أدونيس: حديث حول سوريا، بشار،العرب، الإسلام، الشعر – ترجمة: سعيد بوخليط

 

 

تقديم :أدونيس المنحدر من سوريا،الذي يعتبر بمثابة الشاعر الأساسي للغة العربية،وجد نفسه تحت لهيب انتقادات هستيرية جدا داخل ألمانيا،منذ إعلان  حصوله على جائزة الألمانية المهمة والمعتبرة :جائزة“إيريك ماريا ريمارك”للسلام(مدينة أوسنابروك).مثقفون عرب،سخروا من أدونيس نتيجة مواقفه من ”الربيع العربي”وكذا نظام بشار الأسد.يعيش أدونيس، واسمه الحقيقي أحمد سعيد اسبر،منذ أكثر من ثلاثين سنة في منفاه الباريسي.الرجل البالغ من العمر ستة وثمانين سنة،استقبل مبعوث الصحيفة اليومية الألمانية : (Die Welt)في شقته الصغيرة المتواجدة في الطابق التاسع لعمارة بباريس.صراحة،جاءت أحيانا أسئلة هذا الحوار بلهاء وتنم عن ضعف  الصحفية التي تكلفت بصياغة الأسئلة. مع ذلك،عثر اللقاء على حافزه لأن أدونيس امتلك شجاعة مقدسة،كي يجسد بكل بساطة ماهو عليه.

أما الحوار الثاني، فقد كان فرنسيا،بحيث التقى أدونيس المراسل الحربي والكاتب جان بيير بييرين،الصحفي بجريدة “libération“،فجاء تقديمه كما يلي : ((بعد رحيل الفلسطيني محمود درويش،يبقى أدونيس آخر صوت شعري عربي كبير،وأحد أهم الشعراء المعاصرين.يتنفس أدونيس القصيدة منذ سن الثالثة عشر،وهو طفل بأسمال بالية، لكنه أبان منذئذ عن طموح قوي.قصيدة اعتبرها”تراجيدية ماهويا”وأحالها ثانية دائما على الفلسفة.تكلم عن موضوعات الله، والحرب، والسلم، والجنس، والثمالة، والجنون. ولد أدونيس سنة 1930 في قرية علوية بسيطة،لكنه غادر سوريا مبكرا،معتبرا أن العيش في هذا البلد”سيحجب عنه الأفق”،نحو بيروت بداية،ثم فرنسا سنة 1985 . في عمر السابعة عشر،استعار لقب أدونيس : “لقد حررني ذلك من اسمي علي،وكذا انتماء اجتماعي ينغلق ثانية على الانغلاق الديني”.منذ تلك اللحظة،لم يتوقف عن مجابهة المحظورات.عندما أعلن ذات مرة بأن :“اليهود مكون ضمن مكونات تاريخ الشرق الأوسط”،قاده التصريح إلى الطرد من اتحاد كتّاب العرب. لقد صارت سوريا بالنسبة إليه جرحا مفتوحا : “ أنتشل قدماي،من مصير حلب.هاهي مسالكي ثم هاهي نهاية البلد.أنغمس في جرحي ولغتي كما لو كان قلبي منبطحا تحت وطأة منزلي”.

مضمون الحوار الأول : (1)

س- تبعا لهذه الضجة،المثارة حول شخصكم،أليس في وسعكم السيد أدونيس رفض جائزة إيريك ماريا ريمارك. هل تظنون حقا أنكم تستحقونها؟

ج-شخصيا،لا أستحق أي شيء،سوى القصيدة.مع ذلك، لا تحضرني نية الدفاع عن نفسي.أحتفظ فقط بأنه نقد يوحي بتجليات كثيرة حول ذهنية من اغتابوا في حقي.

س – أغلبية الذين وجهوا إليكم انتقادات،مثقفون عرب وسوريين

ج-هذا السجال لا يهمني أبدا،لأني أعتبره نقاشا غير جدير عند مثقف.

س- بماذا تجيبون على المؤاخذة الأساسية المتمثلة في كونكم لم تنتقدوا النظام السوري بالصرامة الكافية؟

ج-هذا كذب والدليل أن زمرة المنتقدين لم تطلع على كتبي الأخيرة.

س– ماذا ستقولون إلى صادق جلال العظم،نجم والي ،ثم نفيد كرماني لو واجهتهم؟

ج-لا يليق بكرماني أن يجعل من نفسه صدى للكاذبين.لا يفهم شيئا لأنه لم يقرأ كتاباتي.

س-لاسيما رسالتكم إلى بشار الأسد من أحدثت الرفض،لأنكم وصفتموه ب”الرئيس المنتخب”.كان ذلك سنة2011 .فما هو الخطاب الذي توجهونه له اليوم؟

ج-تماما نفس الشيء.يلزمه أن يستقيل.لكني أيضا وجهت رسالة أخرى إلى الثوار. طلبت منهم الإفصاح عن رؤيتهم.بيد أنهم، رفضوا قراءتها لأنهم ليسوا مستقلين.

س- بمن يأتمرون؟

ج-للأمريكيين،والسعوديين، والقطريين، وتوجه سياسي أوروبي معين.

س-تقولون بأن المجتمع العربي مريض.ماهي وصفتكم العلاجية؟

ج- لقد تأسس المجتمع العربي على نظام شمولي.يفرض الدين أمره على كل شيء،كيف نسير؟كيف نذهب إلى المرحاض؟كيف نمارس الحب….

س-ألا توجد إمكانية لقيام إسلام معاصر؟

ج-لايمكننا إصلاح الدين.إن توخينا ذلك،علينا الانفصال عنه. لذلك،يستحيل تبلور إسلام معاصر. ربما نتحدث عن مسلمين معاصرين. إذا لم ينفصل الدين عن الدولة،فلن تكون هناك  ديمقراطية،ولا مساواة بين النساء والرجال. في النهاية، نرعى نظاما تيوقراطيا.والغرب يساهم في بناء نظام تيوقراطي بمنطقة الشرق الأوسط.

س- حجتكم المعتادة، كالتالي : بعد رحيل الأسد سيحدث الأسوأ.هل تعتبرون أن التطورات التي عاشتها سوريا،أثبتت موقفكم؟

ج-الأسد مجرد جزئية.لكن يهمني العالم العربي في كليته.لا يتحدث الغرب سوى قليلا عن العربية السعودية؟هل هي ديمقراطية؟يجب على المثقف  الإبقاء على مسافة حيال كل دعاية سياسية وامتلاكه نظرة ماورائية.

س-سيصدر مستقبلا في ألمانيا،كتاب مصور فوتوغرافي،يفضح انتهاكات نظام بشار من خلال البوليس السوري. صور تذكرنا بفظائع النازيين أو الخمير الحمر. كيف تشعرون باعتباركم سوريا أمام هذا التوثيق للبربرية؟

ج-إنها تذكرني بغوانتانامو،وكذا الجرائم التي اقترفتها الولايات المتحدة الأمريكية،بلد التحضر،والتقدم والتكنولوجيا.

س– هل تودون حقا مقارنة مظاهر التعذيب عند الأسد مع غوانتنامو؟

ج-أنا ضد الأسد،وغوانتانامو أيضا.من أجل محاربة أفضل لهما،ينبغي وضع الاثنين معا تحت المراقبة.أن يمارس الأسد تعذيبا،فهذا نعرفه منذ خمسين سنة.مع ذلك،تحالف معه الغرب كليا.فلما الحديث عن هذا الأمر اليوم؟.

س-تعتبرون بشار حاليا مجرما؟

ج- كلهم مجرمون.

س – هنا،تتحاشون سؤالا مزعجا…

ج-مع هذا الدين العالمي،كلهم مجرمون. فلا أحد منهم وصل إلى السلطة بفضل انتخابات حرة. بالنسبة إلي، يفتقد سواء النظام أو خصومه، كل اعتبار.

س-لقد مارس نظام الأسد كجهاز للدولة،الاضطهاد والتعذيب في حق الناس. ثم تضعون مختلف ذلك عند ذات المستوى؟

ج-أنا معارض للأسد منذ زمن طويل.في الوقت الذي كان فيه من ينتقدونه حاليا مجرد موظفين ضمن نظامه. لقد حول نظام الأسد البلد إلى سجن كبير.هكذا،يرتكب معارضوه،أو المدعوون  ثوارا،جرائم بالجملة،يقطعون رؤوس الأشخاص،ويبيعون النساء داخل أقفاص مثل بضاعة رخيصة ثم يمحون بنظرة خاطفة مجمل الكرامة البشرية.

س-لماذا تضعون إرهابيي داعش عند ذات المستوى مع معارضي النظام؟

ج-لأنهم جعلوا كل ذلك ممكنا،ولم يرفضوه.

س-كيف ينبغي أن يتحقق ذلك في نظركم؟

ج- بعريضة. كان على الشعب العربي التعبير عن رفضه بصوت واحد. إنه وضع مخجل !

س-توجهون انتقادا لاذعا للعالم العربي.يضاف أنكم ناقد جريء للإسلام. هل هذا ما يؤاخذونه عليكم؟

ج-أنا نوع من كبش الفداء.أنتقد الثقافة العربية والسياسيين العرب منذ سنة 1975 ،كل ما يسعني قوله أن العرب أدركوا نهايتهم.

س-ماذا يعني ذلك؟

ج-أريد القول أن العرب افتقدوا لأي قوة إبداعية.لم يساهم الإسلام في أي حياة عقلية،ولم يبعث نقاشا حقيقيا،ولا أي اندفاع.لم يأت بأي فكرة،ولا فن، ولا علم،ولا أية رؤية بوسعها تغيير العالم.إنها إشارة النهاية.من الناحية الكمية،تواجد العرب دائما،لكنهم لا يساهمون نوعيا في تحسين أحوال العالم والأفراد.

س- كم حزين هذا الإقرار المنبثق من فم رجل يعتبر شاعر اللغة العربية الأكثر شهرة؟

ج-نعم يحتاج الوضع إلى قطيعة،وانطلاقة جديدة.لقد تطلعت إلى ذلك من خلال الربيع العربي،لكني أخطأت التقدير.لم يؤدي هذا سوى إلى التراجع،لأنهم رفضوا تغيير المجتمع،بل فقط وقفوا عند الرغبة في الإطاحة بالسلطة القائمة.

س-لكنها حركة دعت إلى الحرية…

ج-أي حرية ؟ربما حرية المرأة ومعاملتها على قدم المساواة؟

س-لكن،أليست حرية التعبير بداية جديدة؟

ج-الأهم هو حرية الإنسان. يتعلق الأمر،بتحرير المرأة من الشريعة وإرجاع حقوق البشر إلى البشر.يقتضي القائم تغيير المجتمع والقطع مع الأسس الثقافية والدينية.

س-لقد نزل أطفال ومراهقون إلى الشارع يطالبون بحياة جديدة.أبرياء، ومع ذلك تعرضوا للقتل؟

ج-نعم،لكن الثورة يلزم حدوثها في العمق،أن تكون أكثر حكمة وتبصرا من النظام. يتفق جميعنا، على ضرورة تغيير النظام.لكن يلزم كذلك تجاوز كل النظام الثقافي والاقتصادي والسياسي.هل سمعتم عن مواقف رسمية أدانت الفظاعات المرتكبة من طرف داعش؟أو الإلحاح على مطلب العلمانية؟طبعا الجواب،بالنفي.لذلك يتعلق الأمر بخيانة جذرية للثورة.

س –تطلبون مجهودا فكريا من مجتمع يعيش شعور الإحباط والهوان. لم يكن محمد بوعزيزي،بائع الفواكه التونسي،كي يبادر إلى التضحية بنفسه،لو اكتفى بالتعبير كتابة عن رؤيته بخصوص نظام جديد للمجتمع العربي؟

ج- فيما يتعلق بالبداية، متفقون جميعا. لقد كتبت أربعة مقالات حول بوعزيزي. لكن كيف صارت الأمور،بعد مرور أربع أو خمس سنوات؟يتجه السؤال إلى هذا الإطار. العالم العربي، بصدد التدمير.العراق أولا،ثم ليبيا وسوريا حاليا بل وحتى هذا اليمن التعيس.مختلف ذلك، لم يعمل سوى على تقوية الانتماء إلى الدين.

س-ألا يعمل العالم العربي على تحطيم ذاته بذاته؟

ج- لا . نتيجة تواطؤ الغرب مع الأصوليات العربية.من غير الممكن استيعاب ما يجري في الشرق الأوسط دون استحضار الغرب.لم يتدخل قط من أجل دعم حقوق الإنسان والديمقراطية.بل لقد طرد هيثم مناع،باعتباره وجها ثانويا لا يحظى بأية أهمية،وهو معارض سوري رفض باستمرار اللجوء إلى العنف.

س-أعلن الأسد مؤخرا عن تطلعه إلى استعادة كل سوريا.هل أثار ذلك رعبكم؟

ج-هذا يحزنني. لكني لست سياسيا، أنا رجل ثقافة، أنا شاعر.

س-بالنسبة إليكم،الإسلام مكبح جوهري أمام تحقيق الديمقراطية.مما يعني إخفاقا لكل مؤمن مسلم.

ج-أبتهج حينما ألاحظ بأني عدو للمتدينين.أنا عدو راديكالي لثقافة وديانة مُهيكلة رسميا ومفروضة على كل المجتمع.

س-هل واجهتكم تهديدات بالقتل؟

ج-بالتأكيد،لكن لايهم.يلزم معرفة أن الشخص يعرض حياته للخطر حينما يخوض معارك.

س- لقد انفصلتم عن  جذور ثقافتكم العربية.هل تقولون أنه،جراء عدم تحملكم لما اقتُرف باسمكم وكذا الإسلام. من هو أدونيس في الوقت الراهن؟هل لازال دائما سوريا، عربيا،ودائما شاعرا عربيا،ثم فرنسيا إلى جانب كل ذلك ؟

ج-لغتي هي وطني.

س – لاتؤمنون بالله،لكن بالقصيدة.أين تكمن قدرتكم وكذا تعهدكم؟

ج-تعيد القصيدة ربطنا بالطبيعة. هي وردة بلا سلاح. عطرها سلاحها. القصيدة كالحب، تمنحنا فرصة أن نرى العالم على نحو مختلف.

س-هل اتجه أحيانا قصدكم للكتابة باللغة الفرنسية؟

ج-للأسف، أو لحسن الحظ. لا نمتلك سوى لغة أم واحدة.قد يكون لنا العديد من الآباء.لكن القصيدة ولدت من اللغة الأم،والعربية هي كذلك بالنسبة إلي،إنها الجسد،والدم،والشرايين.لذلك سأواصل الكتابة باللغة العربية.

مضمون الحوار الثاني(2) :

س-لقد عاتبت عليكم المعارضة السورية كثيرا قسوة موقفكم من الثورة السورية؟

ج-للأسف،هي ليست بثورة،لكنها صراع من أجل  السلطة ومجرد نزاعات مصلحية.إذن تتحمل المعارضة السورية مسؤولية كبيرة بخصوص التراجيدية التي تجري حاليا. الذين انتقدوني فيما سبق يتصلون بي حاليا هاتفيا كي يخبرونني بأني كنت على صواب. أما ما سمي بثورات عربية،التي انتصرت لها بداية عبر نصوص كثيرة،فقد افتقدت لما هو أساسي :القطيعة مع الإسلام المؤسساتي.ما عرفه العالم العربي،لم يكن بثورات.في سوريا،لم تتحدث المعارضة قط عن كلمة ”علمانية”،كما لو أن ذلك يخيفها.لا يمكنني تصور ثورة لا يبحث في إطارها الفاعلون كي يفصلوا بين الدين والدولة،حتى  يتجه تفكيرهم نحو المواطنة،وكذا تخليص وضعية المرأة من الفقه.أمران،لايشغلان مركز اهتمامهم.لا يمكنني الانضمام إلى تظاهرة تخرج من المسجد.ينبغي القيام بثورة ضد الدين،وليس مع الدين. لاأضمر أي عداء للدين باعتباره حرية فردية،لكن شريطة عدم تحول هذا الشخص إلى إلزام الآخرين بعقيدته.

س-كيف تنظرون حاليا إلى العالم العربي؟

ج-تخضع الحضارات إلى دورات.الحضارة السومرية، وبلاد الرافدين،والإغريقية، واللاتنية، وأخرى اختفت.حاليا، جاء دور العرب كحضارة، بالتالي سيختفي وجود العالم العربي.نظرا لانعدام أي طاقة حيوية،أو مشروع جماعي،ولا أفق إنساني.أتكلم تحديدا عن السلط والمؤسسات.لأنه يوجد أفراد يستحيل مماثلتهم مع الجماهير.عندما نتأمل العرب كأفراد، نلاحظ تميز أشخاص رائعين.مثلا أنا ممنوع من السفر إلى العربية السعودية، لكن يوجد سعوديون ضمن قائمة أفضل أصدقائي.

س-تحديدا،كيف ينظر الإسلام إلى الشعر؟

ج-تبلور تقليدان داخل العالم العربي :الشعر والدين، وفق هذا الترتيب لأن الشعر سبق الإسلام.لقد نجم نزاع بين الدين مع القصيدة المنتمية إلى الحقبة السابقة عن الإسلام،التي طمحت إلى قول الحقيقة.لكن،بعد الوحي القرآني،لم يعد من حق القصيدة الادعاء أنها تقول الحقيقة.بل،هاجم القرآن الشعراء،من خلال “سورة الشعراء”،مثلما فعل أفلاطون قبل ذلك،عندما أوصى بطردهم من المدينة.في ظل الإسلام،أُجبر الشعر كي ينفصل عن الفكر،واكتفاء الشاعر فقط بالتعبير عن عواطفه.منذ ذلك الوقت،لم يعد بوسع العرب تصور شاعر بوسعه أن يكون مفكرا أيضا،لأنهم لم يعتادوا على قراءة قصيدة تعتبر فكرا في ذات الوقت.بالنسبة إليهم، ينبغي على الشاعر أن يكون مثل مغني.والحقيقة،أنه لم يتواجد شاعر كبير دون أن يكون مفكرا عظيما. هكذا، يستحيل العثور على شاعر واحد كبير قد نقول بصدده ذلك ونضيف أنه مسلم. أستثني فقط النفري.

س – لكن قد نستحضر في هذا الإطار الشعراء : مولانا، والعطار،ثم نظامي الكنجوي …

ج-لم يُعترف بمولانا شاعرا كبيرا،بل كمفكر يعبر بمصطلحات شعرية. الشعراء الكبار،مثل الحلاج وأبي نواس والمتنبي، وآخرين كثيرين، جسدت وجوها للرفض.تصوفهم ثورة قطعت مع الإسلام المؤسساتي ،الذي كان ماسكا بالسلطة ولازال كذلك.الشعراء الكبار لم يؤمنوا بالدين.والحال كذلك،تكمن خاصية الإسلام،في كونه نشأ كسلطة ومؤسسة،بخلاف المسيحية،التي ظهرت باعتبارها سلطة مضادة. الإسلام هو الإيديولوجيا الأولى التي وظفت القصيدة للدفاع عن أفكاره.كما ستفعل الشيوعية والفاشية.لذلك عرف الشعر مرحلة تراجع كلية بين فترة النبي والأمويين. فيما بعد،انتعشت القصيدة مع العباسيين في بغداد مع ترسيخ فكرة أن القصيدة ينبغي لها خدمة النبي.استمر ذلك غاية انهيار دولتهم نتيجة الغزوات العسكرية المغولية ثم الثقافية من طرف العثمانيين. هكذا تخلّفنا عن الحداثة الشعرية،بحيث لا نعثر على شعراء أبدعوا لغة جديدة تماما كما صنع مالارميه أو رامبو، لغة تعبر مثلا،عن الصراع بين المدينة والصحراء. من جهتي،حلمت دائما بكتابة قصيدة غير مبنية على ما هو تقليدي،لكنها تتمثل رؤيا للعالم،تحوي كل المعرفة.

س- من هنا عملكم المنصب على فن الخط ؟

ج-إنه امتداد لقصيدتي. هي تعبيرات ضمن طريقتي لرؤية العالم، وإرساء علاقات جديدة بين الإنسان والأشياء، والإنسان والعالم.في العالم العربي، يجثم التقليد بقوة. وإذا أنجزنا شيئا مختلفا، يُجابه دائما بالاعتراض.وينبغي لما تقوم به،الارتباط بمصدر يلزمه الاندراج بكيفية أو أخرى حسب تقليد يعود إلى القرآن.وهو ما تخضع له القصيدة. لذلك نتمتع بحرية أكثر مع الصورة،والمسرح،والرواية.

س – يقوم إذن تعارض بين الإسلام والحداثة؟

ج-لقد تشكل الإسلام على ثلاثة عقائد. أولا،النبي خاتم الأنبياء.ثانيا،الحقائق التي بلّغها النبي نهائية ويستحيل  أن توجد أخرى.ثالثا،عجز الإنسان عن تقديم أية إضافة،ويلزمه الامتثال والتطبيق.

س –مقابل ذلك،تضع كل قصيدتكم الإنسان وسط نواة العالم؟

ج-لامعنى لهذا العالم بدون الإنسان. ربما الأخير لاشيء، لكنه حقا كل شيء. الهوية،أن تكون إنسانا قبل كونك متدينا.فعندما يخلق الإنسان  أثره، يؤسس لهويته.الدين لا ينتج هوية،مادام  مصدره الماضي بينما تقوم الهوية في المستقبل. لايمكن لعبء الدين سوى أن يشكل عائقا يحول أمام التفكير المستقبلي.وقد أكد فيما مضى أبو العلاء المعري، مايلي :”اثنان أهل الأرض : ذو عقل بلا دين وآخر دين لاعقل له”هذا يوجهنا نحو الشعراء المتصوفة… هي رموز قلبت الهوية. يقوم فكرهم على أن “الآخر” يعتبر بعدا تأسيسيا ل “الأنا”والأنا لاتقوم دون الآخر.ما أن يحضر الآخر،تتجلى التعددية.بينما لم يمنح الإسلام المؤسساتي أي مكان للآخر.

س- ما معنى شاعر كبير؟

ج-الشعراء الكبار يترجمون العالم. هكذا تنبثق القصيدة أمامكم، وتتجاوز نفسها. لكن لا ينبغي لها قط أن تكون وسيلة،فالقصيدة المُستخدمة لا قيمة لها.يلزم القصيدة أن تكون فضاء للالتقاء بين المبدع والجمهور. أيضا،القارئ خلاق،  وليس مجرد متلق،لأن القراءة تقتضي مجهودا كبيرا. لكن اليوم،هناك أزمة للكتابة،ليس على مستوى الإبداع،بل ما يتعلق بالقارئ.لقد اختفى وجود قراء الرواية العظيمة،والسينما الكبيرة.

س- كيف تفاعلتم مع عمليات التخريب التي ارتكبتها الجماعات الإسلامية في حق المآثر التراثية العربية؟

ج-أشعر بالخزي، فهو سلوك لا إنساني. كيف يمكننا تخيل أن متحفا قد يمثل عدوا للدين؟ .

المصدر:

ثم جان بيير بيران صحيفة ليبراسيون: باريس  24أبريل 2015

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى