صفحات سوريةهوشنك أوسي

أردوغان ينفض يديه من الأسد باكراً

 


هوشنك أوسي

انتهى الأمر. وقضى الغرب وأمريكا أمراً كان مفعولا. هذا ما يمكن استخلاصه من “انقلاب” رئيس الوزراء التركي، وزعيم حزب العدالة والتنمية الإسلامي، رجب طيّب أردوغان على النظامين الليبي والسوري.

واللافت أن أردوغان، استغرق وقتاً طويلاً، حتّى نفض يديه من نظام العقيد القذّافي، وطالبه بـ”التنحّي”، لكن الموقف من نظام الرئيس السوري، بشّار الأسد، لم يأخذ من أردوغان سوى شهر واحد فقط، حاول زعيم العدالة والتنمية تقديم كامل المساعدة والمشورة الأمنيّة والسياسيّة لحليفه السوري خلالها. وحين لاحظ أن الغرب، وأمريكا على وجه التحديد، جادّون في مسألة الإطاحة بالنظام السوري، سارع أردوغان إلى تبديل موقفه، عبر السعي نحو التأكيد للغرب وأمريكا أن سورية هي عراق تركيا. ولن تسمح أنقرة أن يكون حصّتها من كعكة نظام مابعد بشّار الأسد، بنفس القدر من حصّتها في نظام مابعد صدّام حسين في العراق. وكان لكاتب هذه السطور مقال بعنوان “المخاوف التركية وجيران الجنوب”، حول النوايا والهواجس والمخططات التركيّة حيال الوضع السوري الحالي، نشرته جريدة الحياة يوم 25/4/2011. وإذ بحكومة العدالة والتنمية، تنظّم ما قيل أنه مؤتمر للمعارضة السورية في اسطنبول يوم 27/4/2011. هذا المؤتمر الذي دفعت حكومة العدالة والتنمية الى عقدته من وراء الكواليس، (بحسب مصادر مطلعة ومقرّبة من جماعة فتح الله غولان الإسلاميّة المتحالفة مع أردوغان، عبر منظمات أهليّة ومدنيّة مقرّبة منها)، أرادت من خلاله إرسال رسائل عدّة، منها ما هو إقليمي ومنها ما هو دولي. ويمكن تخليص هذه الرسائل على النحو التالي:

1. أرادت أنقرة أن تقول لواشنطن ولندن وباريس وبرلين…: إذا أردتم تغيير النظام السوري، فلا يمكن أن تتجاهلوا وزني ودوري ونفوذي في سورية فالمعارضة السورية تحت إبطي. وأراد الأتراك القول: إن سورية هي عراقنا. ولن نسمح بأن نهمّش من في عمليّة مابعد نظام بشّار الأسد. ولن ندفع نفس الفاتورة التي دفعناها لجهة احتواء تبعات زوال نظام صدّام، والاعتراف بما نجم عن ذلك، بخاصّة حيال الوضع الكردي في العراق. لن نسمح بتكرار السيناريو الكردي العراقي في سورية.

2. أرادت أنقرة أن تقول للاتحاد الأوروبي أن لتركيا ثقل استراتيجي، سياسي واقتصادي وأيديولوجي (حزب الحرية والعدالة الاسلامي) في مصر، ولنا في سورية وعموم العالم العربي نفس الشيء. وفي حال المواقفة على انضمام تركيا للنادي الأوروبي، ستكون أوروبا هي الرابحة من الدور والنفوذ التركي في الشرق الأوسط والعالمين العربي والاسلامي.

3. من بين أربعين شخصيّة سورية معارضة، حضرت المؤتمر، كان هنالك كرديان سوريان فقط، انتقتهم دوائر حزب العدالة والتنمية، على وجه الخصوص. الأول، أكاديمي، معروف بمواقفه الناقمة والحاقدة على حزب العمال الكردستاني. والثاني، لا يتمتّع بأي وجود جماهيري على الساح السياسيّة الكرديّة السوريّة، لا داخل سورية ولا خارجها. وبالتالي، أراد حزب العدالة والتنمية، أن يقول للكرد السوريين: هذا هو حجمكم في سورية مابعد بشّار الأسد. ذلك أنه من غير المعقول ان الاستخبارات التركيّة، التابعة حالياً لحزب العدالة والتنمية، لا تعرف شيئاً عن إحداثيات وتفاصيل الخارطة السياسيّة الكرديّة وعدد الأحزاب فيها، وأيّها يشكل ثقلاً وازناً، ويتمتّع بشعبيّة ودور فاعل ونشط في الشارع الكردي السوري؟. وبالتالي، تم تجاهل القوى السياسيّة الكرديّة الحيّة في مؤتمر اسطنبول عن سابق إصرار وترصّد مسبق. واكتفت الجهات المنظّمة بأن يكون المؤتمر مقتصراً على الأطراف الإسلاميّة، وبخاصّة جماعة الاخوان المسلمين السورية، الموالية للعدالة والتنمية. وجاءت بكرديين وآخر علوي، لزوم الديكور والمكياج السياسي، بالإضافة الى ما تمّ ذكره.

ستسعى حكومة العدالة والتنمية إلى عرقلة المطالب والحقوق الكرديّة في سورية، عبر أصدقائها في التوليفة السياسيّة التي ستأتي بعد نظام البعث السوري. وربما تلجأ إلى الاجتياح العسكري، بحجج شتّى، منها ما هو إنساني، كي تعزز مواقف أصدقائها في سورية.

لقد سارع أردوغان إلى التدخّل في الشأن السوري، قياساً بتأخّره في التدخّل في الشأن الليبي، وطلبه من القذّافي بالتنحّي، لكون أن أيّ تغيير في تكريبة النظام الحاكم في سورية، بعد بشّار الأسد، سيمسّ تركيا في الصميم. وحصول الوجود الكردي على اعتراف دستوري، وتضمين حقوق الكرد السياسيّة والثقافية في أيّ دستور جديد، يُصاغ في سورية، هو الهاجس الاكبر لدى تركيا، بخاصة أن حزب العمال الكردستاني، يتمتّع بقاعدة جماهيريّة، هي الأوسع والأكثر تنظيماً في الشارع الكردي السوري، ضمن حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وذلك بحسب تقرير صادر عن وزارة الداخليّة البريطانيّة، العام الفائت.

مواقف أردوغان الداعمة للنظامين الليبي والسوري، حتى قبل أسبوع، أفقدته قسماً كبيراً من شعبيّته في العالم العربي، وكشف عن نفاق سياسي صارخ، بخصوص التعاطي مع قضايا وهموم ومظالم الشعوب العربيّة. لكن، انقلاب أردوغان على مواقفه السابقة، ليست ناجمة عن كونه استبقظ يوم 3/4/2011 واكتشف ان القذافي فقد شرعيته وعليه الرحيل. وأن الأسد يتمادى في السحق الوحشي والدموي للمتظاهرين المدنيين المطالبين بالحريّة، ولا ستجيب للنداءات والنصائح. قطعاً لا. بل أن الأمر يتعلّق بأن أمريكا والغرب، طلبوا من أردوغان أن ينفض يديه من هذين النظامين، وأن ينظر إلى مابعدهما، حفاظاً على مصالح ونفوذ تركيا.

لكن ما لا يمكن تبريره وترقيعه في السلوك الأردوغاني هو، مطالبته للرئيسين السوري والليبي بالاستجابة لماطلب الشعب وعدم سحق المتظاهرين والانتفاح والديمقراطيّة، وأردوغان يحكم تركيا بدستور فاشي وعنصري صاغه انقلابيو 12 أيلول سنة 1980. ناهيكم أن أردوغان لا يستجيب للنداءات السلميّة التي اطلقها حزب العمال الكردستاني وزعيمه الأسير منذ 12 سنة، حول ضرورة حلّ القضيّة الكرديّة في تركيا بشكل سلمي وديمقراطي!.

كاتب كردي سوري

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى