صفحات سورية

أضواء على خطاب الرئيس السوري

 


نارت اسماعيل

لقد فرحنا كثيرآ لأن الرئيس بشار الأسد لم يكثر من الضحك هذه المرة كما فعل في خطابه المشؤوم السابق أمام مهرجي مجلس الشعب، كما فرحنا أيضآ لأنه قام بتصحيح بعض الأخطاء الجسيمة التي وقع فيها في خطابه السابق، فهو أعاد هذه المرة الاعتبار للشهداء واعتبر كل من قتل في الاضطرابات الأخيرة بمنزلة شهيد وليس مندسآ أو عميلآ، وكذلك تأكيده على ثقته بالشعب السوري وأنه شعب حضاري وناضج ووطني وأخيرآ اعترافه بأن هناك تقصيرآ من الحكومة تجاه الشعب وأن هناك فجوة بينهما ويجب ملؤها.

بعد ذلك أخرج الرئيس السوري من جيبه بعض الوعود ومشاريع الاصلاحات مثل طلبه لمجلس الوزراء الجديد إعداد قانون لرفع حالة الطوارئ، وقانونآ آخر للأحزاب السياسية، وقانونآ لإعلام عصري، وكذلك تكلم عن ضرورة محاربة الفساد وتطوير قانون الإدارة المحلية.

المشكلة أن هناك ثلاث قضايا لم يتم توضيحها بشكل كاف من قبل الرئيس أو أنها قدمت بشكل ملتبس وبشكل مقصود لإفراغ هذه القوانين من مضمونها

القضية الأولى: وهو موضوع حق التظاهر، فمن جهة أكد الرئيس أن الشعب له الحق بالتظاهر وأن هذا موجود في الدستور السوري، وأكد أن دور الشرطة هي حماية المتظاهرين وحماية الممتلكات العامة والخاصة من التخريب، ولكنه بالمقابل قال أنه وبعد أن تنفذ الحكومة الجديدة حزمة الإصلاحات التي حددها هو فإنه لن تكون هناك حجة لتنظيم التظاهرات وأن على وزارة الداخلية أن تمنع هذه المظاهرات بقوة وبكل حزم وبدون أي تساهل.

كيف يستقيم الأمر؟ من جهة يقول أن الشعب له الحق بالتظاهر ومن جهة أخرى يطلب من وزارة الداخلية قمع أي تظاهر بعد تطبيق الاصلاحات التي قررها هو بمزاجه، ومن يقرر أن تلك الاصلاحات كافية أو أنها نفذت بشكل مقبول؟ مع العلم أن وزير الداخلية المكلف هو اللواء محمد إبراهيم الشعار وهو رجل سيء الصيت و كان مديرآ لسجن تدمر وقت وقوع مجزرة تدمر الرهيبة والتي راح ضحيتها حوالي 700 سجين سياسي عام 1980، كما أنه كان مديرآ لسجن صيدنايا وقت وقوع مجزرتها هي الأخرى عام 2008، الرئيس السوري باختياره لهذا الشخص في هذا المنصب بدا وكأنه تأبط شرآ، بدا وكأنه يريد أن يقول لشعبه وبعد تلك الجمعة العظيمة والتي عمت فيها المظاهرات أرجاء سوريا بتحد قوي لحكمه ولجبروته، حسنآ أيها الملاعين لقد كسبتم هذه الجولة وسأعطيكم بعض الوعود والاصلاحات ولكن إن خرجتم مرة ثانية للتظاهر فسأكسر رأسكم وها أنا اخترت لكم وزيرآ للداخلية يعرف كيف يتعامل معكم.

القضية الثانية: هي موضوع قانون الأحزاب، فالرئيس طلب من الحكومة أن تبدأ بدراسة هذا الموضوع وأن تقدم دراسة وافية حوله وقال أن يفضل أن يكون هناك حوار وطني حول الموضوع لتحديد النموذج الأفضل لهذا القانون والذي يتناسب مع المجتمع السوري.

برأيكم كم سنة ستمر لإصدار هذا القانون؟ وكم كديشآ سوف يعيش حتى يطلع الحشيش قبل أن يرى هذا القانون النور؟ فالحكومة سوف تدرسه أولآ ثم تطرحه للحوار الوطني لمناقشته ثم ترفعه لآية الله الرئيس والذي هو من يقرر ما إذا كان مناسبآ للمجتمع السوري أم لا!

عن أي حوار وطني يتكلم الرئيس؟ ومن الذي سيقرر أسماء المحاورين الوطنيين؟ وأرجو أن لا يكون مهرجو مجلس الشعب هم المقصودون بالمحاورين الوطنيين، وهل سيسمح للمعارضين السياسيين بالمشاركة في هذا الحوار الوطني مع العلم أن جزءآ منهم موجود في السجون وجزء آخر موجود في المهجر ولا يستطيعون العودة لبلدهم.

القضية الثالثة: وهي موضوع محاربة الفساد حيث طلب الرئيس من الوزراء أن يصرحوا عن ممتلكاتهم الشخصية قبل تسلمهم لمهامهم وبعد انتهاء مهامهم، الرئيس يعرف وكذلك أصغر تلميذ مدرسة في سوريا يعرف أن الفساد الحقيقي ليس فساد الوزراء ولا المسؤولين الحكوميين حتى الكبار منهم، وإنما هو فساد حاشيته وأقربائه والرئيس يعرفهم واحدآ واحدآ، وهل يستطيع أحد الاقتراب منهم؟

إن جوهر القضية ما بين الرئيس وشعبه هي أن الشعب لم يعد يقبل أن يخاطب الرئيس الناس بلغة الإملاءات، سواء كان خطابه لأعضاء الحكومة التي يعينها هو نفسه وعلى مزاجه أم خطابه لشعبه، ولا يقبل الشعب أن يعتبر الرئيس نفسه حاكمآ أبديآ وأنه الحاكم بأمره وهم المغلوبون على أمرهم.

الناس لم تعد تريد رئيسآ أبديآ فهم لن ينتظروا خمسين سنة أخرى حتى يموت الرئيس بالسكري أم بالسرطان ، أو يصاب بالوهن والعته والزايمر مثل فيدل كاسترو

الناس لم يعودوا يقبلون أن يخرج الرئيس من جيبه حزمة وعود وبعض قطع الغيار وكأنها مكرمة من عنده، ولا يفعل ذلك إلا مضطرآ تحت ضغط الشارع

الشعب صار يريد تغييرآ جذريآ حقيقيآ وليس ترقيعات.

الشعب يريد أن يقرر مصيره بنفسه، يريد أن يختار ممثليه بحرية.

باختصار، الشعب صار يرى مستقبله بدون بشار الأسد، ليس كرهآ فيه لشخصه ولكن لأنهم أعطوه الفرصة تلو الفرصة واختبروه لمدة 11 سنة وفشل في الاختبار.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى