صفحات سوريةمازن كم الماز

أفكار حول الثورة السورية


مازن كم الماز

1 – إن النظام السوري يريد اليوم من خلال فزاعة الفتنة الطائفية أن يحقق عدة أهداف , أولا تشويه ثورة الشارع السوري في سبيل الحرية , و ثانيا تكريس الخوف من الآخر و تكريس انكفاء الناس إلى ذواتهم و الابتعاد عن أي فعل مستقل أو عن أي تفاعل أو حوار من بقية أفراد المجتمع دون وصاية أجهزة أمن النظام , يجعل الاستبداد الحوار مع الآخر ناهيك عن العمل معه مستحيلا , يقطع الاستبداد أوصال الجماهير و يعزلها عن بعضها البعض , لأن الصمت الذي يفرضه على الجميع يستخدمه في نفس الوقت كحجة و ذريعة لتخويف الناس من بعضهم البعض و لإلغاء أية قدرة أو حتى رغبة في التفاعل و العمل المشترك مع الآخرين , هكذا فقط عندما يعزل البشر عن بعضهم و يحبسهم في دائرة الخوف و الملاحقة و المطاردة الدائمة , ليس فقط من أجهزته القمعية , بل أيضا من وهم الآخر و شبحه , هذا الآخر الشريك في المجتمع , في الأرض و المصير , عندها تصبح مؤسساته , و يصبح قمعه ضروريا لاستمرار الحياة في مجتمع مقطع الأوصال عاجز عن الحراك أو مسلوب القدرة على الحركة أو حتى التنفس , هذا هو الاستبداد بالتعريف , تعني الثورة هنا استعادة الناس لقدرتهم على الحوار الحر فيم بينهم و على الفعل المشترك الحر أيضا

2 – الظلام الذي يخلقه القمع و الصمت المفروضين على الناس هو الذي يسهل على إعلام النظام و القوى الميهمنة الأخرى من خصومه حتى خلق وهم الكراهية و العداء بين المضطهدين , عندما لا يعرف الناس بعضهم البعض إلا من خلال “تحليلات” إعلام و أزلام النظام أو خصومه من القوى المهيمنة يمكن عندها لهؤلاء أن يقولوا أي شيء عن الآخر الطائفي , لا يعني هذا أن التفكير الطائفي غير موجود , لكنه أقزم بكثير مما يزعمه إعلام النظام , و هو إلى حد كبير نتاج لاستمرار القمع و الاستبداد و لممارسته الطائفية العلنية أو الخفية .. إن إعلام النظام و أزلامه لا يتحدث عن طائفية الشبيحة و ممارساتها القذرة و القبيحة ضد الآخر الطائفي , بل يريد البعض أن يصور هؤلاء القتلة المأجورين على أنهم يمارسون فقط عنفا ضد القوى الطائفية , الشبيحة اليوم , إلى جانب التكفيريين , هم الذين يخلقون الكراهية الطائفية في سوريا , إنهم في الواقع “تكفيريو” النظام , إن القوى الديمقراطية و اليسارية و العلمانية من الطائفة العلوية , و قبل هذه جميعا الجماهير العلوية التي يقمعها النظام و ينهبها كباقي السوريين , مطالبة اليوم بإدانة همجية هؤلاء المجرمين بقدر ما يجب على القوى المماثلة السنية إدانة أية دعوات تكفيرية أو اعتداءات همجية ضد طوائف الأقليات

3 – النظام السوري و السعودي يستفيدان من بعضهما البعض دون أن يعني ذلك أنهما خصمين بالضرورة , إنها أقرب لخصومة موضوعية و ليست شخصية , إن الخصم الرئيسي لكل منهما هو شعبه و هما يستخدمان النظام الآخر في إطار تبرير قمع هذا الخصم الرئيسي , النظام السوري يستخدم اسم بندر بن سلطان ليحاول أن يظهره على أنه المدبر الحقيقي لاحتجاجات الجماهير السورية ضد الاستبداد و النهب الذي تعرضت و تتعرض له , النظام السعودي يستخدم الثورة السورية و خاصة الموقف المنافق للنظام الإيراني منها في محاولة لتغطية جرائمه في سحق الانتفاضة الشعبية في البحرين و الاثنان يحاولان تطييف الثورات العربية و اختزالها في صراعات طائفية همجية و غبية في محاولة لإخفاء الحرية ككلمة و كشعار مركزي في هذه الانتفاضات و لتشويه هذه الثورات و منع تحولها إلى تسونامي شعبي ديمقراطي يهدد كل الديكتاتوريات في المنطقة

4 – النظام السوري و الإيراني و السعودي جميعها يتشابهون من حيث البنية و الممارسة , في سوريا أجهزة أمن و مخابرات عدة تملك صلاحيات مطلقة في قمع البشر وصولا إلى تعذيبهم و قتلهم , نفس الشيء في السعودية حيث يوجد جهاز المباحث سيء السمعة إضافة إلى هيئة الأمر بالمعروف القمعية , و كما هو الحال في سوريا يجري توريث هذه المهام القمعية في السعودية أيضا , الأمير محمد بن نايف يأخذ تدريجيا مكان والده في رئاسة مؤسسات القمع و في ممارسة سياسات استباحة الناس و قمعهم المنفلت و في سوريا “سطع نجم” ماهر الأسد مؤخرا , هذا الذي يحاول أن يثبت في درعا أن يستحق خلافة عمه جزار حماة و تدمر , نفس الشيء يصح على النظام الإيراني أيضا رغم أن التوريث هنا يبقى في إطار المؤسسة الدينية و لا ينحط إلى مستوى عائلي بحت

5 – موقف قوى 8 آذار مارس من الثورة السورية مخجل , هذا إذا استخدمنا عبارات مهذبة , بما في ذلك , أو خاصة موقف حزب الله , بمحاولتها التستر على جرائم النظام السوري , و موقف قوى 14 آذار مارس أيضا مقرف و مثير للتقزز , بدعمها الموقف السعودي في تطييف الثورة السورية و البحرينية و إظهارها أن الشعب السوري يثور فقط لتغيير طاغية علوي بآخر سني , هذا ليس فقط هراء , بل وقاحة و كذب , إنهم لا يكترثون للششعب السوري أو لحريته , بل يعتقدون أن الثورة السورية بإضعافها أحد خصومهم الإقليميين ستقوي موضوعيا من قوتهم في التنافس على التحكم بالشعب اللبناني و نهب ثرواته , إنهم يريدون غسل أيدي سادتهم جزاري دوار اللؤلؤة و أن يختزلوا ثورة الجماهير السورية المنتفضة في قضية دين أو طائفة الطاغية او الحرامي , أي عن أي مقدس , يجب أن يحكم سوريا , لأن هذه هي أيضا هي الطريقة التي يرون بها الصراع في لبنان و المنطقة , صراع بين قوى قمعية سلطوية وقحة و حتى فاشية في استخدامها للورقة الطائفية ضد الآخر لدرجة التحضير لمجازر طائفية عند اللزوم للدفاع عن هيمنتها أو لفرض هيمنتها على قوى معادية سلطوية و قمعية و طائفية مثلها تماما , إن الثورة السورية تكشف اليوم قصور النظام الطائفي و القوى الطائفية بما في ذلك اليسار الموالي لإمبراطورية الحريري المالية الإعلامية الذي يروج لذات التطييف الحريري السعودي و أيضا حزب الله الذي يرى العالم و المنطقة و لبنان و سوريا من منظاره الطائفي الضيق , إن حرية السوريين العاديين لهذه القيادات الطائفية لا تعني بالنسبة لها أكثر مما تعني حرية اللبنانيين العاديين , إنها ليست إلا شعار إعلامي يستثمر دون أي يعني أي شيء إلا هيمنتها و سيطرتها أي في المحصلة بقاء اللبنانيين و السوريين العاديين في حالة خضوع و استلاب و تهميش و إقصاء لصالح هذه القيادات و لصالح النظام السوري , و كما يحاول النظام اليوم في سوريا أن يتحدث عن سوريا حرة أو ممانعة بينما يصر على أن يبقي الشعب السوري شعبا من العبيد فإن النظام الطائفي في لبنان , و كل القوى الطائفية المنهمكة في المساومات و الصراعات الطائفية على تقسيم كعكة السلطة و الثورة في لبنان , تعتبر نفسها ديمقراطيا و تسمي النظام الطائفي ديمقراطيا هذا النظام و تلك القوى التي يختزل كل لبناني إلى مجرد رقم في حساب زعيم طائفته , و كما يستخدم النظام السوري فزاعة الأصولية و الفتنة الطائفية بينما يمارس هو التمييز و القتل ضد الآخر الطائفي بكل حماسة , تفعل القيادات و الزعامات الطائفية نفس الشيء في لبنان , تتهم الآخرين بالطائفية و تمارسها هي بذات الحماسة و الرغبة …. لا يوجد إثبات أكبر من هذا اليوم للقول بأن الثورة السورية ضد النظام الشمولي في دمشق هي في نفس صف الثورة اللبنانية الشبابية لإسقاط النظام الطائفي , و أنها ليست كما يزعم الإعلام الحريري السعودي معادية لإيران أو للشيعة , إن الشيعة و الإيرانيين و كل إنسان على هذه الأرض يستحق الحرية مثلنا , و نتضامن مع نضاله في سبيل حريته , و نعتقد أن نضالنا هو واحد , و أن القوى القمعية السلطوية أو الأنظمة و إن تنافست فيما بينها إلا أنها من ذات الطبيعة , جميعها معادية لشعوبها أولا قبل أن تكون معادية لتطلعات الشعوب الأخرى في الحرية

6 – النظام السوري يشتري الوقت فقط بالحديث عن الإصلاحات , في 1979 – 1980 في خضم الصراع الدموي يومها بين الإخوان و النظام قدم النظام يومها أيضا وعودا إصلاحية , حاول بها إسكات المعارضة الديمقراطية و أي حراك شعبي رافض لكل من “ثورة” الإخوان الدموية لفرض نظام شمولي ديني و للنظام البعثي الشمولي في نفس الوقت , بعد مجزرة حماة استدار النظام و سلط أجهزة أمنه على كل الطيف السياسي في سوريا , قمع الجميع من يساريين و ناصريين و قوميين خارج الجبهة , طبعا إلى جانب كل الإسلاميين من كل الأطياف و حتى غير المنظمين , و استكمل التدجين النهائي لأحزاب الجبهة , عمليا وجد أي ناشط سياسي نفسه في السجن لعقد و نصف تقريبا , فرض النظام الصمت بالقوة القمعية الوحشية و أقام دولة بوليسية انتهت بالتحضير للتوريث المخجل , و غرقت البيروقراطية الأمنية الدولتية العسكرية الحاكمة في نهب منفلت ( ما يسمى تخفيفا اليوم بالفساد ) , و جاءت السياسات النيوليبرالية فزادت الطين بلة , و بدأت قطاعات واسعة من الشعب السوري تعيش تحت مستوى الجوع … وعود بشار الأسد “الإصلاحية” لا تختلف عن تلك التي “قطعها” جمال مبارك في مصر من قبل مثلا أو سيف الإسلام القذافي , بدأت أول هذه الوعود في عام 2000 , مع التربع على عرش السلطة , ثم تجددت في عام 2005 , باختصار مر 11 عاما من استمرار القمع و النهب , من الاستبداد بوجوه و أيدي جديدة , هم أبناء الراحل حافظ الأسد و بعض أقاربه , إن وعود الإصلاح اليوم هي بالضبط كتلك التي قطعها النظام عامي 1979 و 1980 , تهدف فقط لشراء الوقت حتى ينجز النظام قمع الانتفاضة الشعبية , و يستفرد بعدها مرة أخرى بالمجتمع و خاصة الطبقات الشعبية الأفقر , و يهدف من وراء هذه الوعود إلى إبعاد قسم من الشارع عن المشاركة في الانتفاضة قبل الانقضاض على المجتمع من جديد و إخضاعه بالحديد و النار و فرض الصمت من جديد و تكريس سوريا كسجن كبير لشعبها

7 – الوضع على الأرض مختلف تماما عما يروج له إعلام النظام أو الإعلام الحريري – السعودي … في درعا ليس للإسلاميين هناك أي دور رئيسي , الحراك عفوي إلى حد كبير و حتى الوجهاء و القيادات التقليدية و العشائرية هي تتمتع باحترام الشارع لكنها لا تقود الحراك هناك , و هناك يساريون من مشارب مختلفة يشاركون في هذا الحراك و قد اعتقل من جملة من اعتقل الرفيق وليد فارس مسؤول تيار قاسيون في درعا , حتى دوما أيضا لا يلعب الإسلاميون دورا ذا شأن فيها رغم طبيعة أهلها المحافظة , لا يمكنني الكلام فيما يتعلق ببانياس , لكني عرفت في الماضي أطباء من بانياس و أسرهم , أي من يتهمهم الصحفي أبي حسن في مقاله عن بانياس بشكل مقزز من الطائفية , و أعرف أنهم بعيدون تماما , أقول هذا عن معرفة شخصية , عن هذا المستوى المقرف من الطائفية الذي يصفه في مقاله , و إذا كانوا قد تغيروا في هذه الفترة فهذا تم في ظل القمع المطلق لكل شيء في البلد , أي أن هذا دليل أقوى على أن القمع هو في الواقع طريق مسدود , إلا إلى المقبرة فقط

8 – نحن اليساريون و العلمانيون , الذين هزمهم القمع و دفعتهم مواقف قياداتهم و صراعاتها المخجلة إلى الإحباط , نحن نشكل اليوم قوة لا يستهان بها لكنها محبطة و مشتتة و فاقدة للهدف في ظل تغييب كامل للناس عن شيء اسمه سياسة , نحن قادرين مع الشباب السوري الثائر , شباب الانتفاضة السورية في سبيل الحرية , و مع الطبقات الفقيرة التي اضطهدها النظام و قمعها طويلا , قادرين على أن نخوض حوارا حرا مع كل المجتمع و أن نكرس وضعية جديدة , علاقات جديدة بين كل السوريين , تقوم على الحرية و العدالة و المساواة….لقد سقط نظامان عربيان استبداديان , ادعيا العلمانية و حاربا الأصوليين بالحديد و النار , لكن الأصوليين لم يستطيعوا رغم كل التهويل السابق أن ينقضوا على المجتمع بعد سقوط أجهزة أمن هذين النظامين , حتى الإخوان اليوم في مصر و النهضة في تونس مضطرون كل يوم ليؤكدوا على أنهم لا يسعون للسيطرة على السلطة و فرض آرائهم على الآخرين , ما نراه هو أن الحرية الجديدة , الناس في الشارع الذين كان النظام يتهمهم بالتخلف و السير كقطيع وراء رجال الدين , هم من يلجمون هذه القوى و يفرضون سقفا واحدا فوق الجميع هو سقف الحرية , و المساواة , للجميع … هناك باختصار طريقتين لمحاربة الطائفية , واحدة بطائفية معادية , هذه الطريقة تخدم القوى المهيمنة و تسعى لتأبيد الاستغلال و الاستبداد و الاستلاب الذي تتعرض له الجماهير منذ عقود , و الأخرى عن طريق العلمنة الحقيقية القائمة على حرية الجميع و المساواة بين الجميع التي تعني حرية الجماهير و حقها في المساواة و العدالة في توزيع الثروة و المشاركة السياسية الحقيقية , و أيضا هناك طريقتين لمحاربة العنف الطائفي , إما عن طريق عنف أجهزة امن و قوى أخرى خارجة على القانون ( كالشبيحة ) منفلتة و همجية في درجة قمعها و الأخرى هي عن طريق حراك شارع حر مستعد لفعل أي شيء للدفاع عن حريته , و أخيرا هناك فقط طريقتين لكي نعيش : إما احرارا أو عبيدا , و لا يوجد بينهما نصف حالة ابدا

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى